من المؤكد ان مقتل حراس الامن الاميركيين الثلاثة وجرح رابع وصف بأنه ديبلوماسي قرب بيت حانون في شمال قطاع غزة، أمرٌ يقلق القيادة الفلسطينية قلقاً شديداً. ذلك انه على رغم ان المواقف الاميركية في الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي كانت تاريخياً منحازة بقوة الى جانب اسرائيل ضد العرب، باستثناء الفترة القصيرة التي اعقبت العدوان الثلاثي على مصر عندما حمل الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور اسرائيل على سحب قواتها من قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، فإن الفلسطينيين يدركون أن الولاياتالمتحدة التي باتت القوة العظمى الوحيدة في العالم الآن، لا يمكن حتى لبلد متوسط القوة والحجم، ناهيك عن شعب صغير يسعى للتحرر من الاحتلال، ان يتحمل عواقب غضبها. ومن المهم تذكر السياق الذي وقعت فيه عملية التفجير. جاء التفجير بعد ان استخدمت الولاياتالمتحدة حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار عربي في مجلس الأمن يدعو اسرائيل الى وقف بناء جدار الفصل العنصري الذي تصادر من خلاله مساحات واسعة من اراضي الضفة الغربية على نحو يخالف قرارات الشرعية الدولية و"خريطة الطريق" التي تبنتها الرباعية الدولية، وفي مقدمها الولاياتالمتحدة لحل الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي على اساس قيام دولتين: فلسطين الى جانب اسرائيل. واعتبرت السلطة الفلسطينية، عن حق، هذا الفيتو ضوءاً اخضر لحكومة شارون للمضي في سرقة الاراضي الفلسطينية وتقطيع اوصالها، الأمر الذي يتناقض مئة في المئة مع اعلان واشنطن انها تدعم قيام دولة فلسطينية على الاراضي المحتلة منذ 1967. وعلى رغم تأكيد ادارة الرئيس جورج بوش أنها تسعى الى تطبيق "خريطة الطريق"، إلا أن من الواضح ان هذه الادارة أشد انحيازاً الى جانب اسرائيل ربما من أي ادارة اميركية سابقة، وان كبار اقطاب اللوبي الصهيوني والمحافظين الجدد اختطفوا صنع سياستها الخارجية تجاه الشرق الاوسط، برضى الادارة المخطوفة الى درجة ان هذه السياسة تتماهى تماماً مع سياسات حكومة مجرم الحرب ارييل شارون الذي لا يريد تنفيذ اي خطة سلمية تعيد للفلسطينيين اراضيهم التي احتلتها اسرائيل في حرب 1967. وجاء التفجير بعد ان بدأت ادارة بوش تقليص اهتمامها بتنفيذ "خريطة الطريق" وتركيز جهودها على الحملة لاعادة انتخاب بوش لولاية ثانية. وقد جاهر كبار المسؤولين الاسرائيليين منذ اسابيع بأن هذا هو تقييمهم لتوجهات الادارة الاميركية حالياً، مستنتجين من ذلك أن يد اسرائيل ستكون مطلقة من الآن وحتى تشرين الثاني نوفمبر 1994 لتكمل تنفيذ مخططاتها الرامية الى ضم مساحات واسعة من الاراضي الفلسطينية. وفي الخامس من الشهر الجاري أغارت طائرات حربية اسرائيلية على موقع في الاراضي السورية قرب دمشق زعمت أنه قاعدة تدريب ل "الجهاد الاسلامي" واستخدمت اميركا الفيتو ضد مشروع قرار يدين الغارة، وأقرّ مجلس نوابها اول من امس قانون "محاسبة سورية"، الامر الذي فرحت له اسرائيل. وزاد احد اقوى انصار اسرائيل في ادارة بوش، الصهيوني المتطرف ريتشارد بيرل الطين بلة بقوله في اسرائيل قبل ايام ان الضربة الاسرائيلية لسورية تأخرت اكثر مما ينبغي، رافضاً ان يستبعد هجوما عسكرياً اميركياً على سورية! ومع ذلك، فإن قتل اميركيين داخل الاراضي الفلسطينية هو "ضد الفلسطينيين قبل ان يكون ضد الاميركيين"، كما قال الرئيس ياسر عرفات امس. ومن المؤكد ان اسرائيل وانصارها في واشنطن سيستغلون ما حدث لتأليب ادارة بوش اكثر ضد الفلسطينيين وقيادتهم.