فازت "الحياة" بنصيب الأسد من جوائز نادي دبي للصحافة في لقائه الثالث الأسبوع الماضي، وانتزع الزميل غسان شربل جائزة أفضل حوار صحافي، ونال الزميل حازم الأمين جائزة الصحافة السياسية، وأكشف سراً فأقول ان عند غسان حواراً صحافياً جديداً سيجد طريقه الى النشر خلال أيام يستحق جائزة جديدة بدوره. قبل ذلك كان الزميل جورج سمعان، رئيس التحرير، يواجه معمودية النار بعد ان أدار أكثر جلسات المنتدى إثارة أو استثارة، فقد كان موضوعها العراق كحالة للدراسة في التغطية الاعلامية العربية للحرب، ومع وجود الزميل عبدالباري عطوان بين المحاورين، فقد شهدت الجلسة ألعاباً نارية، وارتفع صوت بعض الحضور من عراقيين وكويتيين، وقاطع هذا ذاك، ووجدت نفسي أردد لنفسي "ولّعها، ولّعها. شعللها، شعللها". شارك في الجلسة الزملاء محمد الربعي وجابر عبيد ويوسف ابراهيم، وطلب الدكتور محمد بصوت خفيض، كأنه قادم من الخارج تهدئة الأعصاب المتوترة، والتحاور بالموضوعية الممكنة. وتدخل الزميل صلاح الدين حافظ، وهو حذّر من ان الجلسة خرجت عن موضوعها وتحوّلت الى جدل سياسي وشخصي، وطالب بتطبيق مقاييس ومعايير موضوعية للنقاش. قلت انني كنتُ أتوقّع جلسة حامية، فجلست وبجانبي الاستاذ غسان تويني ننتظر ساعة الصفر. الا ان ما لم أنتظره ان زميلنا جلال الماشطة، وكان هادئاً جداً عندما عمل مديراً لمكتب "الحياة" سنوات في موسكو رجع عراقياً غاضباً بعد ان عاد الى بغداد، فقاطع عبدالباري وقاطع غيره بحماسة مستجدة. ونجح جورج سمعان في النهاية في احتواء الوضع، وأعطى جلال الماشطة خمس دقائق للحديث باسم العراق، أو باسم جناحه من عهد ما بعد صدام، وانتهت الجلسة، ككل جلسة عربية، بالقبل والعتاب، وهو صابون القلوب كما يقولون، غير انني أضعت عبدالباري، أو ضاع عنّي بعد الندوة، وخفت ان يكون خطف، الاّ انني وجدته في أيد أمينة. كذلك فتّشت عن الدكتور أحمد الربعي ليطمئن قلبي، ووجدته سالماً. الجلسة التي شاركت فيها كانت بالمقارنة هادئة جداً مع ان موضوعها كان أيضاً التغطية الاعلامية الغربية للحرب على العراق، وتبيّن ان جميع المشاركين من أنصار الحل السلمي، وكفى الله المؤمنين شرّ القتال. كان رأيي ورأي كثيرين ان الفضائيات العربية غطّت الحرب في شكل أفضل كثيراً من محطات التلفزيون العالمية، خصوصاً الأميركية منها التي نقلت صورة مبتورة، وأحياناً مشوّهة، لسير الحرب. ومارست رقابة ذاتية إرضاء للقوات الأميركية، كما أذعنت لشروط رقابية أخرى. أعترف بأنني لم أتصوّر في حياتي ان أقول يوماً ان الاعلام العربي هزم الاعلام الغربي في نقل وقائع حدث كبير من حجم الحرب على العراق. الا ان هذا ما حدث، ولم يعجب رأينا بعض المشاركين من الصحافيين الأجانب، فاحتجّوا واعترضوا، غير انني لم أجد في موقفهم منطقاً أو موضوعية، وإنما تصرّف "بريما دونا"، أو الراقصة الأولى في باليه. أعرف ان تقدّم الفضائيات العربية في تغطية الحرب على العراق من نوع الاستثناء على القاعدة، فنحن متخلفون في كل شيء، ونبحث عن أسباب جديدة للتخلّف. مع ذلك فكل من شارك في منتدى الاعلام العربي الثالث، وقد كان هناك نحو 500 إعلامي وضيف، بعضهم من أبرز العناصر في حقولهم المختلفة، لم يلاحظ تخلفاً من أي نوع، وإنما كانت كفاية عالية في ادارة المؤتمر الذي شمله الشيخ محمد بن راشد، وليّ عهد دبي، برعاية كبيرة، وحضر الافتتاح مع المستشار الألماني غيرهارد شرويدر، وألقى كل منهما كلمة نقلت في حينها. وعندي ان أجمل ما في عمل نادي دبي للصحافة، انه في أيدي مجموعة من الشابات والشبان، بمن فيهم الأخت منى المري، المدير التنفيذي للنادي، التي بقيت طوال أيام المؤتمر مشغولة قلقة كأم العروس. وقفت مع الأخ محمد القرقاوي، رئيس هيئة دبي للاستثمار أراقب المشاركين في حفلة توزيع جوائز الصحافة، وبينهم مئة صديق شخصي وزميل، وربما أكثر. ومثل هذه المؤتمرات يوفّر فرصة لنا جميعاً للاجتماع وتبادل الآراء والحديث والاستماع، مع رجائي ان يكون الاستماع أكثر. لن أسجّل أي أسماء، لأن المجال سيضيق حتماً، ولن أذكر صديقاً وأهمل آخر، ولكن أشكر الزميل غسان تويني فقد أعطيته نسخة من ورقتي التي لم أقرأها، وكانت في 40 صفحة بالانكليزية، وأعطاني نسخة يحملها من كتاب "اسرائيل، أميركا، والعرب، تنبؤات من نصف قرن"، وهو كتاب عجيب أساسه تقرير أرسله الوزير المفوّض في واشنطن شارل مالك الى وزارة الخارجية اللبنانية سنة 1949 عن مستقبل العلاقات العربية مع الولاياتالمتحدة ووجود اسرائيل وتوسّعها، كأنه مكتوب أمس. ولولا ثقتي بصحة التقرير القاطعة لاعتقدت انه مزوّر، فكاتبه يبدو وكأنه أوتي علم الغيب. وأهداني الصديق العزيز صلاح الدين حافظ كتابه الجديد "كراهية تحت الجلد: اسرائيل عقدة العلاقات العربية - الأميركية" الذي قدّم له الاستاذ محمد حسنين هيكل. ولا بد من ان أقرأه وأنا عائد في الطائرة الى لندن. وسأعود وفي قلبي ذكرى الطفلة فاطمة وعلى صدرها صورة والدها طارق أيوب، مراسل "الجزيرة" الذي قُتل في العراق، فقد رافقت أمها لتسلّم جائزة تكريم الزميل الراحل. وكنتُ غالبت الدمع في عيني، الا انني رأيت دمعة في عين الشيخ عبدالله بن زايد، وزير اعلام دولة الامارات، الذي حمل الطفلة وضمها الى صدره. وأترك القارئ مع هذه المعادلة، فبالنسبة الى عدد الجنود في الحرب على العراق، وعدد الصحافيين، قُتل من الصحافيين أكثر مما قُتل من الجنود، وليس الأمر صدفة، وليس بريئاً.