اختصرت دموع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس مجلس الشرف لنادي العين كل شيء، وفاضت ما بين المقلة والوجنة بتلك المشاعر الجياشة والفرح العارم الذي خيم على الإمارات العربية المتحدة في ليلة 11 تشرين الأول أكتوبر 2003، بعد تتويج نادي العين بكأس الأندية البطلة الآسيوية أبطال السوبر في نسختها الأولى، وانتصاره في النهائي على منافسه التايلاندي تيرو ساسانا على رغم خسارته إياباً صفر-1 لأنه فاز ذهاباً 2-صفر. كان يكفي أن يعلن حكم المباراة الكويتي سعد كميل صفارة النهاية، لتنقل الصورة من بانكوك إلى الإمارات تربع الزعيم العيناوي وممثل كرة القدم العربية على عرش الزعامة الآسيوية وسط الأهازيج وحفلة الرقص التقليدية هناك، ودمعة الشيخ التي لم يشاهدها المواطنون سابقاً، لتسري في البلاد روحاً جديداً، تؤرخ لبداية كتابة التاريخ، ولتنتشي الإمارات السبع بهذا الإنجاز التاريخي لكرة القدم الإماراتية التي لم تعرف نشوة الانتصار والفرحة منذ ترشح منتخبها لمونديال 1990. كانت ال90 دقيقة الأخيرة في مشوار بطل آسيا هي الأصعب والأقسى على النفوس وجماهير المنشدّين للفضائيات، فارتجفت القلوب وتعالت الحناجر بالدعاء والتوفيق في موقعة السبت... غاب صوت المعلق وبح على الكلام المباح، وعجز البعض الآخر عن مواصلة المشوار إلى النهاية. أتقن أبناء المدرب الفرنسي برونو ميتسو قواعد اللعبة، ووصلوا بالسفينة إلى بر السلام ومنصة التتويج على رغم خسارتهم بهدف، فأثبتوا جدارتهم في لعبة الكبار، وتنامي قدراتهم التنافسية، وروح الانتصار التي أصبحت رايتهم الأولى والأخيرة... على رغم ما حدث وما كان. تبادل الجميع التهانئ، واحتل العين صدارة الأحاديث في المجالس. انتعشت الصحافة الرياضية واشتغلت المطابع على مدار الساعة، وفرك أصحاب محلات الهدايا التذكارية والأدوات التسويقية أيديهم فرحاً بما سيوفره هذا التتويج العيناوي من أعمال جديدة وإيرادات جيدة. نزلت جماهير مدينة العين إلى الشوارع، وتعالت أهازيجها وأناشيدها في السماء، وسهرت فرق الشرطة على تأمين النظام والحماية. أما اللحظة الخالدة، فكانت وصول الفريق المتوج من العاصمة بانكوك إلى العاصمة أبو ظبي مساء أمس، حيث غُمر بسيول جماهيرية عارمة توشحت بألوان البنفسج ورائحة الانتصار... عرج الموكب على القصر لإهداء التتويج "للعيناوي الأول" الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في تحية للقيادة الوطنية التي دعمت هذا الإنجاز الكروي... ثم غادر الجميع إلى المدينة "الحديقة" التي يسكنها البشر، مدينة العين، حيث سترفع راية آسيا وتخلد كأنها الغالية في عيون الناس وذاكرة النادي. لم يسرق العين هذه الكأس من أحد، فقد أطاح بزعماء القارة الهلال السعودي والسد القطري داليان الصيني وتيرو ساسانا التايلاندي... عرف لحظات صعبة في هذه البطولة التي جمعت أبطال الدوري والكأس، وفاز بجائزة النصف مليون دولار. رفع علم الإمارات عالياً راية للعرب على أول دورة لهذه الكأس الجديدة، ووقفت معه إدارة حازمة ومتبصرة بموازنة ضخمة وبانتدابات مدروسة وانتصار للمدرسة الفرنسية والمدرب برونو ميتسو الذي أصبح أول مدرب يتوج ببطولتي أفريقيا وآسيا... فتربع على نصف العالم. اليوم أصبح تتويج العين، في ذاكرة التاريخ، ولكن الأجمل ما بعد الاحتفالات الإماراتية ببطل آسيا، هو تلك الموجة النفسية، التي أحدثها هذا التتويج داخل بقية الأندية المحلية والمشهد الكروي عموماً. فأجمل ما في كرة القدم، روحها العابقة بالتنافس والغيرة من أجل الانتصار، وهذه القيمة متأصلة ومنتعشة في الفضاء المحلي... فقد بات السؤال الأول هنا: لماذا تقدم العين... وتأخرنا نحن، كيف يمكن الارتفاع إلى مستوى التتويج القاري، عبر ثورة إدارية، أم عقلية ترويجية واستثمارية جيدة، أم حسن اختيار المدرب واللاعبين الأجانب؟ لا شك في أن الوصفة الجيدة تتوافر على كل شيء وبميزان ذهب... ولكن الأكيد، أن الإمارات استفاقت صباح اليوم التالي للتتويج العيناوي، على صدمة الحقائق الجديدة: التفكير في التغيير، والتقدم إلى الأمام، والارتفاع إلى الأعلى!