حتى وقت قريب، كانت السعودية تعتمد خطة لزيادة عدد السكان، لما تتمتع به من مساحات شاسعة وامكانات. وساعد في تلك السياسة ميل السعوديين الطبيعي للانجاب، حتى ان تعدد الزوجات كان شائعاً بقصد إنجاب الكثير من الاطفال، وتحديداً الذكور، بصفتهم يمثلون "العزوة" التي يستند اليها الأب في حياته وحتى بعد مماته. وبالطبع، كان مفهوم "كل طفل رزقه يأتي معه" هو السائد بلا منازع. ولكن، مع تغير الأوضاع وتطور عقلية الشباب، إناثاً، وذكوراً، اختلفت النظرة الى مسألة الانجاب، ليصبح متوسط عدد الاطفال خمسة للأسرة الواحدة. وتبين في استطلاع سريع أجرته "الحياة" بين شباب وشابات الجيل الحالي، عن مسألة تنظيم الاسرة وعدد الاطفال المنوي انجابه، ان اكثر من 90 في المئة من كلا الجنسين لا يحبذون ان يزيد عدد الاطفال على الاربعة، الا اذا وقع الحمل بالخطأ بعد اتخاد التدابير الوقائية. اما النسبة المتبقية، فتنوي انجاب خمسة الى سبعة أطفال. وفي جميع الحالات، لم يصل العدد الى ما كان ينجبه الأجداد في القديم. ويأتي العامل الاقتصادي في طليعة اسباب الاحجام عن الانجاب، على ما يظهر من احاديث الشباب السعوديين. ومن هؤلاء خالد الموساوي الموظف في احد المراكز التجارية: "لم تعد طبيعة الحياة التي يعيشها الفرد في هذا الزمن مواتية للانجاب المتكرر، اذ لم تعد الظروف الاقتصادية كما كانت في السابق، فلم تكن هناك المدارس الخاصة التي يطمح الآباء لإلحاق أبنائهم بها ومن ثم مواصلة التعليم في البلدان المتقدمة في الخارج، وكذلك لم تكن هناك المستشفيات الخاصة التي باتت تشكل السبيل الوحيد للحصول على أفضل عناية طبية... وبالتالي حينما تكون العائلة متوسطة العدد، يأخذ افرادها كلهم حقهم من التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية والعاطفية". وبالنسبة الى السيدات، يأتي العمل من بين اسباب الحد من الانجاب. وتؤكد جيهان يسلم التي تعمل مدرّسة ان عملها يمنعها من التفكير في تكرار عملية الحمل، "لأن الطفل لن يجد من يرعاه بعد انتهاء اجازة الأمومة". وتقول: "لا يمكن ان أنهي مستقبلي العملي بين عشية وضحاها، فهناك الكثير من الالتزامات التي يتوجب علينا سدادها". وتضيف: "في القديم لم تكن المرأة قد دخلت ميدان العمل فكانت هي الأم فقط، بمعنى انها المتفرغة لرعاية الأولاد وتربيتهم، اليوم هناك المرأة العاملة التي تبذل مجهوداً عقلياً وبدنياً في اطار عملها... وفي وضعها يفضل اقتصاد عدد الاولاد على ثلاثة او اربعة، اي بمعدل كل اربعة او خمسة اعوام طفل، مما يسمح ايضاً بالعناية الفائقة بكل منهم على حدة". ولا تتوقع عزة الراشد التي لم تتزوج بعد، انجاب اكثر من طفلين او ثلاثة، وتقول: "لتوفير الحياة المرفهة للجيل المقبل، علينا التركيز على ألا يكون اي من الاولاد محروماً من شيء". وتضيف: "لكل طفل الحق بالعيش بالمستوى المطلوب الذي ينعدم في حال زيادة عدد المواليد للأسرة الواحدة". من جهتها، عواطف التي خاضت تجربة الولادة القيصرية مرتين لم يفصل بينهما أكثر من ثلاثة أعوام، قررت التوقف عن الانجاب: "عانيت الأمرّين في الولادة، ما دفع بي الى اللجوء الى التنظيم في الوقت الحالي". ويوضح الدكتور راشد القعوان، مدير قسم طب الأسرة والمجتمع في مستشفى فيصل التخصصي - جدة، ان "النظرة الى الأمور في شكل عام تتغير بين جيل وآخر، وفي موضوع الانجاب ارتبط التغير بالبعد الاقتصادي وبالمجهود الذي تفرضه التربية والتعليم، وكذلك الخدمات الطبية والسكن وغيرها". وعما اذا كان هناك توجه فعلي الى التنظيم الأسري بين العائلات السعودية، يجيب: "بالفعل هناك توجه من هذا النوع لدى جيل الشباب"، موضحاً ان لا حاجة في السعودية الى سياسات الحد من الانجاب، ومن دون ان يستبعد امكان ذلك في المستقبل. ومن الجانب الديني، يوضح الشيخ الدكتور عقيل بن عبدالرحمن العقيل عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية، بالقول: "من بين الأمور التي يكثر الحديث فيها، ويحصل فيها الكثير من الخلط، مسألتا تحديد وتنظيم النسل والفارق بينهما... ان التحديد هو كأن يتفق الزوجان على انجاب عدد محدد من الاطفال، فتتعاطى المرأة الحبوب المانعة للحمل، او يلجأ بعضهن الى اجراء العمليات الجراحية بعد انجاب العدد المتفق عليه لمنع حدوث اي حمل مرة اخرى، وذلك ما ينافي اعظم المقاصد من التشريع في التكاثر فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الولود الودود فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة". والناهج منهج تحديد النسل يكون من ذوي ضعاف الإيمان، وضعيف الثقة بالله عز وجل، لذا تجد البعض يفعل ذلك خشية الفقر، وعجزه عن النفقة على الأولاد، خصوصاً في حال يكون فيها مرتب الأب قليلاً، منافياً بذلك قول الله تعالى ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيراً. كل هذا يوجب التحريم، أما إن كانت المسألة تنظيمية كأن تكون المرأة ضعيفة الجسم ويشق عليها تقارب مدة الحمل والآخر، فتتناول الحبوب المانعة او تلجأ للوسيلة المناسبة لها لمنع الحمل مدة معينة بما يدفع الضرر عنها، فهذا لا بأس به وذلك مراعاة للحاجة، شريطة ألا تطول المدة اكثر مما هو معتاد، فزيادة الأولاد وكثرتهم يرجع بالنفع على الأمة، ولا ينبغي ان نشغل أنفسنا بالرزق فقد تكفل الله بذلك".