شهدت محكمة باليرمو صقلية مفاجأة صاعقة في الساعات الأخيرة من مرافعات المحاكمة الجارية عن العلاقات التي تمكنت مافيا "كوزا نوسترا" من نسجها مع رجالات السياسة والحكم في ايطاليا. وحصل خلال المرافعة مساء أول من أمس تطور دراماتيكي عندما أعلن المافيوي التائب جواكينو جوفريه، الذي يتعاون مع القضاء الايطالي منذ حزيران يونيو الماضي، أن "عراب المافيا الأكبر ستيفانو بونتادي كان يلتقي مع رئيس الحكومة الايطالية سيلفيو برلوسكوني في قصره فيلا آركوري في ضواحي ميلانو. وقال جوفريه إن بونتادي وعدداً من الأشخاص المقربين إليه "كانوا يلتقون مع برلوسكوني عندما كانوا يذهبون إلى الفيلا بحجة لقاء صديقهم فيتوريو مانغانو" المتهم بالانضمام إلى المافيا والذي كان يعمل مشرفاً على اسطبل الفيلا. وكان جوفريه يجيب عن أسئلة المحكمة عبر اتصال بالأقمار الاصطناعية من موقع سري للغاية وضع فيه خشية تعرضه للقتل على أيدي المافيا، بسبب كشفه الكثير من الأسرار المهمة، خصوصاً في ما يتعلق بعلاقات "كوزا نوسترا" التي تنشط بالذات في جزيرة صقلية مع أقطاب الحكم الحالي وأوساط من حزب "إلى الأمام يا ايطاليا"، الذي أسسه ويتزعمه الرئيس الحالي للحكومة برلوسكوني في عام 1993 ويحتل موقع الغالبية الحاكمة في ايطاليا اليوم. وعن الظروف التي أوصلت مسؤول الإسطبل المتهم بالانتماء إلى المافيا إلى العمل في فيلا برلوسكوني، قال جوفريه إن رئيس الحكومة "كان يخشى تعرّضه للخطف لذا قام ساعده الأيمن ومرشحه في صقلية وعضو مجلس الشيوخ الايطالي مارتشيلو ديلوتري بتعريف مانغانو إليه". وجاءت هذه التفاصيل في المحاكمة التي يتعرض إليها ديلوتري، بتهمة التعاون مع "كوزا نوسترا" وحصوله على دعمها في الانتخابات. لكن اعترافات جوفريه حولت ديلوتري من مجرد متهم بالعلاقة مع المافيا إلى "شخص موثوق به وقادر على الإيفاء بالتزاماته" ل"كوزا نوسترا". وفيما يعد المافيوي التائب مصدراً مهماً للمعلومات عن المافيا والأوضاع الجديدة التي آلت إليها بعد وقوع عدد كبير من عرابيها الكبار مثل توتو ريينا وصهره ليو لوكا باغاريلا والقاتل جوفاني بروسكا في يد العدالة. وترى أوساط قضائية أن ما بدأ جوفريه بالإفصاح عنه للقضاة والمحققين يمكن أن يعد بأهمية المعلومات التي كشفها التائب الأكبر تومازو بوشيتا، الذي أفرغ، في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات ما في جعبته عن البناء الهرمي لمافيا "كوزا نوسترا" وتفرعاتها الاخطبوطية في عالمي السياسة والاقتصاد. وكانت تلك المعلومات التي جمعها القاضيان جيوفاني فالكوني وباولو بورسيلينو كلاهما من أصل صقلّي ساهمت في فضح أسرار المافيا وإحداث شرخ كبير في ما كان يسمى حتى تلك اللحظة ب"جدار المطاط الصامت" الذي أحاطت المافيا به نفسها وتمكنت بواسطتها من تحقيق "انتصاراتها" على الدولة الايطالية ومؤسساتها. يذكر أن جوفريه 57 عاماً كان رأساً للجنة المافيا في منطقة كاكّامو قرب باليرمو وكان مختبئاً عن الأنظار منذ عام 1994. وقد وصف الوضع في صقلية بأن "كوزا نوسترا" أقامت علاقاتها الأساسية فيها مع الحزب الديموقراطي المسيحي، كما أنها دعمت الحزب الاشتراكي الذي صعد نجمه مطلع الثمانينات. وبعد البوادر الأولى لميلاد حزب "إلى الأمام يا ايطاليا" الذي أسسه برلوسكوني في عام 1993 ركزت "كوزا نوسترا" دعمها له، وكان العراب الأكبر توتو ريينا هو "صاحب هذه النظرية"، وأضاف: "لم نتسلّم أوامر للتصويت لمصلحة هذا الحزب، وإنما نصائح، وقد التزمنا تلك النصائح".