يبدو الاصلاحيون والديموقراطيون العرب، عشية التحرك الاميركي لإطاحة نظام صدام حسين، وكأنهم في سبات شتوي عميق، في انتظار "ربيع بغداد" الآتي لا محالة على ظهر الدبابات الاميركية. فعلى رغم انحسار وتراجع ما تبقى من هامش لحرية التعبير وحق المعارضة والرأي الآخر في العالم العربي، منذ أحداث ايلول سبتمبر الأسود، انكفأت المعارضات السياسية العربية على نفسها، وارتأت عدم التصعيد، في انتظار مرور زوبعة الصحراء علها تخلق ظروفاً اكثر ملاءمة للتحرك لاحقاً، في ظل نظام عربي جديد قد تفرضه الأجندة الاميركية. ولعل الاصلاحيين والديموقراطيين العرب، الذين أمضوا عقوداً في انتظار "غودو" عربي ينقذهم من حال الشلل التي أبقت الأنظمة القمعية جاثمة على صدور شعوبها، يتطلعون اليوم الى "غودو" اميركي مثل "تومي فرانكس" ليوفر لهم فرصة تحقيق هامش أوسع من الحرية والديموقراطية واحترام حقوق الانسان! قبل ثلاث سنوات، القت جوديث كيبر، مديرة مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن، محاضرة في العاصمة الأردنية، تساءلت فيها عن أسباب غياب القوى الاصلاحية عن دول عربية ليس معروفاً عنها دمويتها في التعامل مع المعارضة. وأبدت الباحثة الاميركية استغرابها لعدم استعداد الاصلاحيين دفع ثمن رغبتهم في التغيير نحو الأفضل، وهو الثمن الذي دفعته كل الشعوب المقهورة، قبل حصولها على الحرية والديموقراطية. واكدت كيبر ان بلادها ليست قادرة على دعم تيارات اصلاحية وتحديثية ضعيفة وخائفة في أحسن الأحوال، أو غير موجودة في اسوأها. الحال هي ان الديموقراطية لا تأتي على طبق من فضة، ولا يمكن فرضها بقوة خارجية ما لم تسع اليها الشعوب وتدفع ثمنها. صحيح ان القوى الخارجية تستطيع المساعدة، على غرار الدور الذي لعبته دول المعسكر الغربي في أوروبا الشرقية. إلا ان ذلك ما كان ليتحقق بمعزل عن نضال القوى الاصلاحية على مدى عقود في مواجهة القمع وتكميم الأفواه والارهاب الرسمي المؤسسي. فهل هناك نظراء عرب لفاتسلاف هافل التشيخي وليخ فاونسا البولندي أو حتى بوريس يلتسن الروسي؟ أخطر ما في الواقع العربي اليوم هو ان اصلاحييه، على افتراض انهم اصلاحيون بالفعل وموجودون بالفعل، لا يحركون ساكناً لمحاولة رمي حجر في مستنقع الفساد والتخلف والاستبداد الذي يعيشون فيه. وباستثناء قلة غير منظمة تقبع اليوم في السجون، فإن دعاة الديموقراطية في الأحزاب والنقابات، وما تسمى مؤسسات المجتمع المدني، يقفون مكتوفين، من المحيط الى الخليج، يتفرجون على "فيلم اميركي طويل" لعلهم يلعبون فيه يوماً دور "كومبارس" الى جانب البطل، في مقابل 29 مليون دولار يدفعها المخرج كولن باول! الأكيد هو ان الشعوب العربية لن تقتنع بديموقراطية يقودها اشخاص يسكتون اليوم عما يجري حولهم من قمع واستبداد، في انتظار ربيع بغداد و... فرانكس وباول. فإذا كان هناك اصلاحيون ديموقراطيون بالفعل، فإن عليهم ان يتحركوا اليوم وليس غداً، للمطالبة بالإصلاح والديموقراطية والعمل من أجلهما. خلاف ذلك، فإنهم سيضطرون الى الإجابة عن سؤال مشروع سيطرح عليهم بعد ربيع بغداد: "أبسيفكم أم بسيف الاميركاني دخلتم على السياسة تاني؟!".