كان الجزء الثاني من المسلسل السوري "بقعة ضوء" بكل المقاييس حدث الدراما التلفزيونية السورية هذا الموسم، خصوصاً انه حظي بمتابعة جماهيرية كثيفة، جعلته مثار نقاشات في معظم البيوت، التي اعتاد افرادها ان يكون شهر الصوم مكرساً - خصوصاً في فترة المساء - لمشاهدة الاعمال التلفزيونية الجديدة. و"بقعة ضوء" الذي اعده الفنانان ايمن رضا وباسم ياخور حقق هذا النجاح اللافت بسبب تصديه لأشكال مختلفة من التشوهات الاجتماعية والسياسية في قالب كوميدي، استفاد على صعيد الشكل من تجربة "مرايا" ياسر العظمة لجهة اعتماد اللوحة التمثيلية القصيرة، وإن يكن في الوقت ذاته استفاد من اخطاء "مرايا"، حين قدم المعدّان لوحات تمثيلية شديدة التكثيف، فتخلصا من نقطة الضعف الرئيسة في "مرايا"، ونعني الاطالات والحشو. نضيف الى ذلك ان "بقعة ضوء" اعتمد في لوحاته التمثيلية حكايات من الواقع الراهن الذي يعيشه الناس، ولم يهرب الى التاريخ، لا في مضمون الحكايات، ولا في الملابس والديكورات التي كان يمكن ان تصيب المشاهد بنوع من التغريب الذي يخفف من حرارة المشاهد التمثيلية وقد يفقدها كثيراً من تأثيرها المرجو. اهم ما في "بقعة ضوء" انه يشبه استراحة يتنفس خلالها عدد كبير من نجوم الدراما السورية، فيكتبون لوحاتهم التمثيلية ويلعبون ادوارهم في صورة اقرب الى ممارسة الهواية منها الى الاحتراف الذي ينتبه اكثر ما ينتبه الى السوق ومتطلباتها، فنحن هنا امام عمل يتوغل بعيداً في نقديته، ويحرص في الوقت ذاته على ان يصوغ هذا النقد في قالب كوميدي نظيف، يسجل له استقلاله التام عن كل الاعمال الكوميدية التي طفحت بها محطات التلفزيون في السنوات العشر الاخيرة، بكل ما فيها من تهريج وقفز. الممثلون في "بقعة ضوء" كلهم نجوم، وأدوارهم كلها رئىسة، بل إن لعبة ترتيب الاسماء، وما تسببه في العادة من صراعات، تختفي من شارة المسلسل، لتحل مكانها سردية مختلفة للأسماء سمتها المشاركة وليس الصراع. تقوم حكايات "بقعة ضوء" بعرض مشكلة او حال اجتماعية من خلال مفارقات جارحة فيها الكثير من لغة الكاريكاتور وشكله، ولكن في تصعيد درامي يضعها في مدى رؤية المشاهد وفي مساحة وعيه، بفنية عالية تبقي الكوميديا في دائرة الوعي، ولا تذهب في الوقت نفسه بالمتعة الفنية التي تظل اساسية، حاضرة وبقوة. ولعل التأليف "الجماعي"، او اذا شئنا الدقة تأليف مجموعة كبيرة من الفنانين، ساهم هو الآخر في منح العمل حيوية وتنوعاً، وجدّد الافكار والمواضيع التي تطرقت اليها حكاياته الكثيرة. وفي "بقعة ضوء" كسب المشاهد الأمل في استعادة الكوميديا، في الوقت ذاته الذي كسب الليث حجو، مخرجاً جاداً يضاف الى الدراما السورية ويغني مسيرتها.