فشلت عملية الولادة المتعثرة ل"بيان سياسي" تجمع عليه الفصائل الفلسطينية التي شاركت في حوار جرى بينها على مدى أربعة أيام في القاهرة، وتعدت لجنة الصياغة مساحة الوقت الذي كان محدداً لها، فاستمرت في عملها حتى الليل، وتعثر الاتفاق حول الاقتراح المصري بوقف العمليات العسكرية ضد الاسرائيليين حتى بعدما اقترح الجانب المصري أن تكون الهدنة لمدة ستة شهور فقط وليس سنة كاملة، كما كان وارداً في الورقة المصرية التي قدمت عند بداية الحوار. وقالت مصادر قريبة من الحوار إن الأحداث التي وقعت في الاراضي الفلسطينية خلال اليومين الماضيين صبت في مصلحة من رفضوا منذ البداية مسألة الهدنة كحركتي "حماس" و"الجهاد"، كما ساهمت في تخفيف الضغوط التي كان المصريون وممثلو "فتح" يمارسونها للخروج باتفاق على وقف العمليات. وعقد رئيس جهاز المخابرات المصري السيد عمرو سليمان اجتماعاً مساء أول من أمس مع رؤساء الوفود، اتفق خلاله الجميع على استمرار الحوار مستقبلاً بعدما فشلوا في الوصول إلى صيغة ترضي جميع الاطراف. وقال رئيس وفد اللجنة الشعبية الدكتور ماهر الطاهر ل"الحياة" إن تناقضات لم تحل بين الفصائل بينها مسألة القيادة الموحدة وإطلاق الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات على رغم أن جميع الفصائل طالبت بإطلاقه إضافة إلى المواقف من القرارات الدولية التي تعترف بإسرائيل، وكذلك شأن وقف العمليات العسكرية داخل الخط الأخضر التي اعترضت عليها بشدة حركتا "حماس" و"الجهاد"، مشيراً إلى أنه تم الاتفاق على أن تستكمل الاجتماعات بين ممثلي الفصائل لاحقاً "بعدما تتضح الظروف والمتغيرات التي ستسفر عنها الانتخابات الاسرائيلية والموقف من قضية العراق". لكن مصدراً في حركة حماس أكد ل"الحياة" أن "الحركة أصرت على ان لا يتضمن البيان السياسي للحوار أي عبارة عن هدنة أو تجميد أو وقف للعمليات المسلحة ضد الاسرائيليين"، وذكرت مصادر فلسطينية ان المسؤولين المصريين أبدوا مرونة كبيرة في قبول الطرح الفلسطيني لمختلف الفصائل بعدما رأوا أن شارون لم يلتزم حتى ضبط النفس وأصر على ضرب الحوار قبل أن ينتهي. لكن المصادر اشارت الى أن ممثلي الفصائل أعربوا عن تفهم في الدور المصري لاتخاذ الفصائل الفلسطينية مواقفها لاحقاً وفقاً للظرف الذي ستكون عليه الاوضاع على الأرض. وكشفت المصادر أن النقاشات التي سبقت فشل الاتفاق على البيان السياسي تركزت على ايقاف العنف بشكل كامل. وبالنسبة الى قضية دخول حركتي "حماس" و"الجهاد" اطار منظمة التحرير، كشفت المصادر أن الحركتين رفضتا الأمر تماماً باعتبار أن المنظمة تعاني من الاساس انهياراً تسبب في فقدان الثقة فيها ما سيجعل دخول الحركتين اليها على رغم اعتراف المنظمة بإسرائيل "أمراً غير وارد وغير مجدٍ من الأساس". وطرح بعض الفصائل يوم الرابع من شباط فبراير موعداً لجولة أخرى من الحوار، لكن مصادر شاركت في الاجتماعات استبعدت أن تعقد تلك الجولة في موعدها. وأصدرت حركة "حماس" بياناً أمس حصلت "الحياة" على نسخة منه تضمن تصريحاً لعضو المكتب السياسي للحركة السيد محمد نزال عبر فيه عن أسفه "لعدم توصل الفصائل الفلسطينية المجتمعة في القاهرة منذ الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني يناير الجاري إلى بيان يعبّر عن القواسم المشتركة ويتم إعلانه لجماهير شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية". وحمّل نزال أطرافاً فلسطينية - لم يحددها - المسؤولية عن ذلك، بسبب ما وصفه بتعنتها وإصرارها على فرض رؤيتها على كل الفصائل الفلسطينية. وقال نزال ان "حركة حماس أبدت إيجابية عالية إزاء الحوار الفلسطيني، حيث شاركت بأعلى مستوى سياسي فيها عبر ترؤس السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة وفدها المشارك في الحوار، كما حرصت على أن يكون الحوار شاملاً لأكبر عدد ممكن من الفصائل الفلسطينية"، مشيراً إلى أن وفد "حماس" "أبدى مرونة كبيرة وطرح صيغاً عدة ليخرج المجتمعون ببيان مشترك، ولكن كان هناك إصرار على تضمين البيان مواقف تخالف استراتيجية حماس وفصائل فلسطينية أخرى سواء بالاعتراف بالشرعية الدولية التي تعني الاعتراف بالكيان الصهيوني، أو بالإعلان عن وقف المقاومة، يعني رفع راية الاستسلام للعدو الصهيوني في الوقت الذي يستمر فيه العدوان الصهيوني على شعبنا الفلسطيني". وأكد نزال أن المقاومة هي الخيار الاستراتيجي لحركة حماس وأنها لا تخضع للمفاوضات. وفي غزة، علمت "الحياة" ان الاعلان عن ارجاء الحوار الى الشهر المقبل ليس الا "تخريجة" كي لا يظهر ان الفلسطينيين ومن خلفهم مصر بكل ثقلها فشلوا في التوصل الى اتفاق يوحد الساحة الفلسطينية ويقدم مبادرة وبرنامجاً سياسياً وكفاحياً موحداً للمرة الاولى في تاريخ الصراع العربي - الاسرائيلي. ورأى الشيخ نافذ عزام احد قيادي "حركة الجهاد الاسلامي" ان اجواء الحوار كانت ايجابية على رغم عدم خروج المجتمعين ببيان ختامي او الاتفاق على عدد من القضايا الخلافية. وشدد عزام في حديث ل"الحياة" في غزة امس على انه "كان من الصعب على الحركة القبول بكل ما طرح في الحوار خصوصاً الهدنة وبالذات في هذا الوقت، في ظل التصعيد الاسرائيلي"، مشيراً الى ان "مجزرة حي الزيتون في غزة تشكل مثالاً واضحاً على التصعيد الاسرائيلي". وطالب عزام بمواصلة الحوار، مشددا على ان "التحدي كبير والكل يتحمل واجب المضي قدماً في الحوار للتوصل الى صيغة يتوحد حولها الفلسطينيون لمواجهة الخطر المشترك". وقال رمزي رباح عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية ل"الحياة"انه "امكن التوصل الى قناعة واقعية ومشتركة وقابلة ان ترى النور سواء في الموضوع السياسي او اساليب النضال تقوم على استمرار الانتفاضة والمقاومة كحق مشروع في مواجهة العدوان الاسرائيلي والجنود من المستوطنين وحصر البحث في تحييد المدنيين من الطرفين وهناك توافق على ذلك، لكن تخريجها باعلان فلسطيني واضح امر يحتاج الى جواب من حركة حماس". واعرب رباح عن اعتقاده بأن حركتي "حماس" و"الجهاد" ستأخذان في الاعتبار لدى تقديم جوابهما النهائي الشهر المقبل انه يمكن اتهامهما بافشال الحوار والتسبب في عدم توحيد الساحة الفلسطينية واستمرار التشرذم والخلافات في هذه الساحة.