وقّعت الحكومة السويسرية الفيديرالية، اتفاق ضريبة مع بريطانيا، شبيهاً بالاتفاق الذي وقعته ألمانيا، ويأتي ضمن خطة معروفة باسم «روبيك» تتمحور حول فرض ضريبة على الحسابات المصرفية للأوروبيين غير المقيمين في سويسرا، في مقابل مواصلة الأخيرة الاحتفاظ بسريتها المصرفية من جهة، وحصول المصارف والشركات السويسرية على مفاتيح إضافية للتوغل داخل أسواق الخدمات المالية الأوروبية من جهة أخرى. وعلى غرار لندن، يُتوقع إبرام اتفاقات ضريبية أخرى مع كل من النمسا ولوكسمبورغ وبلجيكا واليونان والنروج ودول اسكندنافية أخرى، خلال الشهور المقبلة. ويسود التشاؤم احتمال نجاح أي اتفاق ضريبي مع إيطاليا وفرنسا، إذ أن حكومتي البلدين تنتظران تبلور السيناريو الأوروبي بعد تفعيل الاتفاقين السويسري - الألماني والسويسري- البريطاني. وأمام البريطانيين الذي يملكون حسابات مصرفية سويسرية ولم يحصلوا على تصاريح إقامة على الأراضي الفيديرالية، خياران. إذ في حال امتنع أي منهم عن التصريح بثروته في سويسرا أمام حكومة بلده، فان الضريبة السويسرية ستأخذ ما نسبته 27 في المئة من أمواله مقارنة ب26.3 في المئة من أموال الزبائن الألمان في سويسرا. أما إذا أراد الزبون البريطاني التصريح عن ثروته عبر السلطات السويسرية، فان الضريبة القصوى ستشكّل 34 في المئة من ثروته. وستدفع المصارف السويسرية 500 مليون فرنك سويسري (552 مليون دولار) مسبقاً إلى حكومة لندن مع تفعيل اتفاق التعاون الضريبي، وستعمل على تحصيل ما دفعته من زبائنها البريطانيين، في حين ستدفع لحكومة برلين نحو بليوني فرنك في أسرع وقت ممكن. ويُتوقع أن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ عام 2013 بعد إقراره في البرلمانين البريطاني والسويسري. يذكر أن الاتفاق لا يشمل تبادل المعلومات آلياً، بيد أنه يلجأ إلى آلية تخوّل السلطات البريطانية تقديم طلب للحصول على معلومات معينة من حكومة برن، ويكفي أن يكون الطلب مرتبطاً باسم مواطن بريطاني معين مشتبه به، من دون ذكر اسم المصرف. وسيُسمح للسلطات البريطانية بتقديم 500 طلب استفسار مصرفي، اعتماداً على شكوك وأسباب منطقية، إلى الحكومة الفيديرالية كل سنة، أي أن بريطانيا لن تستطيع الاستفسار عشوائياً عن حسابات الزبائن البريطانيين في سويسرا. ويشير عدد من المحللين إلى أن سويسرا خرجت فائزة من معارك ضريبية مع الدول المجاورة، إذ أنها احتفظت بسريتها المصرفية، كما أن إقبال المستثمرين الأجانب على إيداع مدخراتهم في خزائن مصارفها يبقى عادة «مقدسة» لا تقف أمامها قوة الاتفاقات الضريبية التي ستعاني على الأرجح من ثغرات. ويُنظر حالياً إلى السكندينافيين والإيطاليين والفرنسيين والألمان من رجال أعمال وغيرهم، على أنهم المتمسّكون الأبرز بتهريب أموالهم إلى سويسرا، نظراً للأوضاع المالية العالمية السائدة التي تحضّهم على إيجاد موانئ آمنة لأموالهم بعيداً عن مجهر السلطات الضريبية في دولهم. ولا شك في أن جزءاً من الأموال المهربة إلى سويسرا ينتمي إلى عمليات غسل أموال ببلايين الفرنكات، ويقدّر خبراء مصرفيون سويسريون الأموال الأوروبية الخاصة التي أفلتت من قبضة السلطات الضريبية الأوروبية واستقرت في خزائن المصارف السويسرية بأكثر من 780 بليون فرنك. كما أن دخول سويسرا إلى اتفاق «شينغن»، الذي رفع الحواجز الجمركية بينها وبين الدول المجاورة، ساعد في تسهيل نقل المال إلى مصارفها براً. وتهندس المصارف السويسرية الثغرات في الاتفاقات الضريبية بين سويسرا ودول أخرى، إذ بدلاً من تأسيس حساب مصرفي سويسري للمواطنين الأوروبيين الراغبين في تهريب أموالهم من وطنهم الأم، تعمل المصارف على تأجير صناديق مرمّزة، معروفة باسم «سايف ديبوزيت بوكسز»، تتيح للزبون إيداع ما يشاء من أموال ومجوهرات وملفات حساسة وغيرها، ب750 فرنكاً في السنة. وتعتبر هذه الوسيلة الأفضل لإخفاء المال وعدم دفع أي ضريبة عليه، في حين تبقى المسافة الجغرافية سيدة الموقف، إذ تزيد سهولة الحصول على هذه الصناديق مع تقلّص المسافة الجغرافية، ما يعني أن البريطانيين الراغبين في تهريب أموالهم إلى سويسرا لن يفكروا بنقلها براً. ويتوقف مراقبون سويسريون للتنويه بأن وتيرة الإقبال على استئجار صناديق الإيداع «الحدودية» تزايدت أخيراً، مع فقدان رجال الأعمال ثقتهم بالتكنولوجيا التي تتعقّب تحركاتهم المصرفية، ما يدفعهم إلى السفر شخصياً إلى سويسرا لإيداع أموالهم الناتجة من عمليات مشبوهة.