أيقظت عملية الدهم التي نفّذتها القوى الأمنية والقضائية الألمانية ل 13 فرعاً تابعاً للمصرف السويسري «كريديه سويس» في ألمانيا الأربعاء الماضي، اشتباهاً لسلطات في برلين بمواصلة المؤسسات المالية السويسرية اعتماد طرق ملتوية في اصطياد ودائع من الخارج بوسائل غير مشروعة. وكان تقرير بثه التلفزيون الألماني أخيراً زاد في شكوك السلطات الألمانية المعنية في جدّية الاتفاقات التي وقعتها مع سويسرا في الأشهر الماضية، بعد مرحلة من التوتر السياسي الذي ساد في البلدين، وانتهى بتوقيع وزير المال الألماني فولفغانغ شويبله وزميله السويسري هانس - رودولف ميرتس على اتفاق مشترك يقضي بتبادل المعلومات لتضييق الخناق على مهرّبي الأموال الألمان إلى سويسرا لتفادي دفع الضرائب عليها. وفي ألمانيا، حيث يُعتبر التهرّب من دفع الضرائب في ألمانيا جريمة كبيرة عقوبتها قاسية جداً، وبدأت لجنة مشتركة من البلدين البحث عن سبل تؤدي إلى تحديد الأموال والأملاك التي هُرِّبت في الماضي إلى القطاع المصرفي السويسري، لفَرض ضرائب عليها بمفعول رجعي، على أن تنهي اللجنة أعمالها في أيلول (سبتمبر) المقبل. ومع أن سويسرا وجّهت بموافقتها هذه ضربة قاصمة إلى مبدأ سرّية المصارف فيها، أملت بالحصول على تسهيلات إضافية لدخول السوق المالية الألمانية، لكن لا بد لها قبل ذلك من إبرام اتفاق حول الضريبة المزدوجة في برلماني الدولتين، والتأكد من أن المصارف السويسرية تخلّت بالفعل عن وسائل تشجيع تهريب أموال ألمانية إليها لتفادي الضرائب. ويشبه الاتفاق المذكور الاتفاق - النموذج الذي تعتمده الدول الأعضاء في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» وسبق أن وقعته 22 دولة مع سويسرا. وهو يسمح لمصلحة الضرائب الألمانية بالحصول على مساعدة من نظيرتها السويسرية في حالات فردية، إنما من دون أن تتلقّى معلومات ضريبية بصورة آلية، كما يلحظ فقط الحالات الجديدة، لا القديمة منها. لكن اللجنة المشكّلة ستنكبّ على دراسة موضوع الحالات القديمة وكيفية التعاطي معها، بعد إصرار ألمانيا على عدم ترك أصحابها يفلتون من العقاب. وينصّ الاتفاق على أن السلطات السويسرية غير معنية بتقديم معلومات عن أشخاص حصلت السلطات الألمانية على أسمائهم بواسطة شراء اسطوانات مدمّجة ومهرّبة من عاملين غير معروفين في مصارف سويسرية. وحصلت عملية الدهم الأربعاء الماضي، استناداً إلى اسطوانة مدمّجة اشترتها حكومة ولاية شمال الراين ووستفاليا قبل شهرين تقريباً عليها أسماء آلاف من المتهربين من دفع الضرائب في «كريديه سويس»، بينهم نحو ألف شخص لم يصرحوا عن أموالهم بصورة طوعية، وفقاً لتسريبات قدّرت حجم أموالهم ب 1.2 بليون يورو. وأوردت معلومات أخرى أن المصرف يدير مئة بليون فرنك سويسري تقريباً، هي ودائع لزبائن ألمان وبريطانيين وفرنسيين وإيطاليين يرجّح أن تكون مهرّبة لعدم دفع الضريبة. ولفتت النشرة الاقتصادية الصادرة أخيراً عن «غرفة التجارة والصناعة العربية - الألمانية» إلى «الأزمة السياسية والديبلوماسية التي نشبت بين برلين وبرن العام الماضي، إثر إعلان الحكومة الألمانية المسيحية - الاشتراكية السابقة استعدادها لشراء اسطوانة مدمّجة من مواطن سويسري تتضمّن أسماء نحو 1500 من مهرّبي الأموال إلى المصرف المذكور لقاء مبلغ من المال»، وذكّرت باتهام وزير المال الاشتراكي السابق بيير شتاينيروك سويسرا بتشجيع تهريب الأموال إليها. وسبق ذلك تهديد «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» برن بوضعها على اللائحة السوداء، إذا لم تظهر استعدادها لمحاربة التهرّب من دفع الضرائب. وبعد إعطاء الحكومة الألمانية مهلة لمهرّبي الأموال للتصريح عن أنفسهم طوعاً بهدف التخفيف من العقوبات التي تنتظرهم قبل الكشف عن أسمائهم، تقدّم نحو 11 ألف ألماني للإعلان عن أنفسهم أمام مصلحة الضرائب. وكشفت مصادر في المصلحة آنذاك أن الضرائب والفائدة عليها التي ستُجمع منهم وتدخل خزينة الدولة تناهز 300 مليون يورو. لكن قلق المسؤولين الألمان من استمرار تهريب الأموال إلى سويسرا بطرق سرّية مختلفة عاد من جديد بعدما نشرت «القناة الثانية» الألمانية نهاية حزيران (يونيو) الماضي تقريراً مصوراً عن مكاتب سويسرية خاصة تعمل بتكليف من عدد من المصارف والمؤسسات المالية لإرشاد الراغبين في تهريب أموالهم إلى الطرق والوسائل التي تمكّنهم من ذلك من دون افتضاح أمرهم. وأظهر التقرير بالصوت والصورة إثباتات دامغة تفضح مسؤولي بعض هذه المكاتب الساعين إلى تجويف الجهود التي تبذلها السلطات الألمانية.