انها حرب غريبة تلك التي تقترب من العراق. حرب لا تريدها الدول القريبة والبعيدة. ففي نادي الخمسة الكبار في مجلس الامن كان يمكن للولايات المتحدة ان تعاني الوحدة لولا حماسة طوني بلير. لا روسيا راغبة ولا الصين مؤيدة ولا فرنسا قابلة. هذا من دون ان ننسى المانيا شرودر التي تجاهر بمعارضتها للخيار العسكري. وفي المنطقة، واذا استثنينا اسرائيل، يصعب العثور على دول متحمسة للحرب. ويمكن القول ان دول المنطقة معارضة او خائفة. والمعارضون أنواع وأسبابهم مختلفة. وما يجمع الخائفين هو القلق على العراق وعلى الاستقرار في المنطقة. هكذا تبدو الحرب المقتربة غريبة. كأنها تفتقر الى القدرة على الاقناع لجهة الربط بين الارهاب واسلحة الدمار الشامل. وكأنها متهمة بالاستناد الى اسلوب الكيل بمكيالين حين تعاقب ترسانة متهالكة وتغض النظر عن ترسانة دائمة التجدد. وهي لدى أهل المنطقة متهمة ايضاً. فلماذا يُعَاقب نظام صدام حسين اليوم ولم يُعَاقب سابقاً؟ وهل المقصود شطب التهديد الذي يشكّله النظام العراقي أم تغيير العراق والمنطقة في اطار الرد على 11 ايلول سبتمبر واعادة صوغ موازين القوى؟ وهل المقصود ترويض الاقليم لمعالجة جذور التطرّف أم الإمساك مباشرة بمنابع النفط والممرات؟ كل هذه الاسئلة مطروحة لدى الحكومات والرأي العام على رغم افتقار النظام العراقي الى الجاذبية والشعبية سواء لجهة علاقاته مع جيرانه او علاقته بالعراقيين انفسهم. ولعل ما نراه من جاذبية وشعبية نابع من مشاعر الكره لسياسة الولاياتالمتحدة بفعل موقفها من النزاع العربي الاسرائيلي وملفات اخرى. انها حرب مُربكة مفتوحة على اضطراب كبير. صعبة التسويق ومرورها بهدوء متعذّر. ثلاثة تطورات التقت البارحة لتقول ان الحرب لن تكون بسيطة الوقع في المنطقة. الاول الكمين الذي استهدف اميركيين في الكويت وهو ليس الاول من نوعه في هذا البلد الذي ترتدي علاقاته مع الولاياتالمتحدة قدراً استثنائياً من الخصوصية. الثاني تعثّر الحوار الفلسطيني الفلسطيني في القاهرة نظراً الى غياب الضمانات التي يمكن ان تشجع "حماس" و"الجهاد" على تقديم هدية بحجم وقف العمليات داخل "الخط الاخضر". والثالث عودة العمليات الى مزارع شبعا، ما ذكّر الجميع بأن جبهة جنوبلبنان لا تحتاج الى كبير جهد لتعاود الاشتعال. هذا من دون ان ننسى الارتباك الواضح في جهود منع الحرب على مستوى الموعد "الاقليمي" وتباين حسابات الدول المدعوة اليه. آلة الحرب تتحرك وكلما تقدمت بدت وعورة الطريق وتزايدت مخاوف اهل المنطقة التي تبدو موعودة ليس فقط بعراق بلا صدام بل ايضاً بموسم طويل من الاضطراب الكبير.