بعد هجمات 11 أيلول سبتمبر كان لدى الولاياتالمتحدة عنوان تذهب اليه. كان اسامة بن لادن متحصناً في افغانستان. ورفض الملا عمر فك التحالف مع ضيفه. ولم يكن أمام الرئيس جورج بوش غير الذهاب الى الحرب. ولم يكن أمام أصدقاء الولاياتالمتحدة وخصومها غير الاقرار بحقها في الرد بعدما نقل بن لادن الحرب الى الأرض الأميركية، مستهدفاً رموز هيبة الولاياتالمتحدة ونجاحها. هكذا بدأت الحرب مع انقضاض الطائرات على برجي مركز التجارة العالمي والبنتاغون. ولعل أول طلقة في تلك الحرب كانت المتفجرة التي أودت بحياة "أسد بانشير" احمد شاه مسعود قبل ثلاثة أيام من "الهجمات المباركة". واغتيال مسعود كان يرمي بوضوح الى حرمان الولاياتالمتحدة من حليف ميداني كبير ان اختارت الرد على المسرح الأفغاني. ها نحن نعرف موعد بداية الحرب لكن يتعذر التكهن بموعد نهايتها. ويكفي أن يكون الشريط الأخير لاسامة بن لادن صحيحاً للتأكد انها لا تزال في البدايات. صحيح ان الآلة العسكرية الاميركية نجحت في اسقاط حكم "طالبان" وحرمان "القاعدة" من الملاذ الآمن. لكن الصحيح أيضاً هو أن اقفال الساحة الأفغانية، وهو غير محكم حتى الآن، جعل "القاعدة" تنتشر وتوسّع مسرح الحرب. وبهذا المعنى تصبح معركة افغانستان مجرد معركة في حرب طويلة لن يمكن خوض فصولها المقبلة بالحشود العسكرية. اخطر ما في الحرب الجديدة صعوبة حسمها واعلان انتهائها. يكفي تحريك خلية صغيرة نائمة لإيقاظ سيل من المخاوف. يكفي انذار كاذب لإرباك طائرة أو قطار. يكفي بيان تهديد لاعلان حال الاستنفار على الحدود وفي الموانئ والمطارات ومحيط المواقع الحيوية. يكفي استهداف حفنة من السياح لاشاعة القلق واحداث خسائر جسيمة. اخطر ما في الحرب العالمية هو غياب العنوان الواضح. والأشد خطورة الاشتباه بعناوين كثيرة يستلزم الوصول اليها الاصطدام بسيادة الدول أو تقاليدها أو التوازنات التي تحكمها. بهذا المعنى تبدو المواجهة مع صدام حسين اسهل منها مع بن لادن. فعنوان الأول معروف حتى وان نجح شخصياً في اخفاء مقر اقامته الفعلي وتبديله. لكنه رئيس بلاد لها جيش ومطارات وثكنات وجسور. وفي المواجهة معه تستطيع الولاياتالمتحدة اعلان موعد الحرب وربما التأكد من القدرة على حسمها واعلان نهايتها. قصة بن لادن مختلفة. وحتى ولو غاب فقد يرثه رجل آخر بلا عنوان. وللتذكير فقط استلزم الايقاع بكارلوس مطاردة دامت عقدين. وغاب وديع حداد من دون أن يدركه أحد. ولم يسقط "أبو نضال" برصاص من استهدفهم. وإذا قيل ان الثلاثة عثروا دائماً على ملاذات آمنة في عالم المعسكرين، فإن المطلوبين الجدد قادرون على العثور على ملاذات من قماشة أخرى تبقي حربهم مفتوحة وتبقي الولاياتالمتحدة غارقة في حرب بلا عناوين واضحة.