المعارك لا تزال كرّاً وفراً والحرب لا تزال في بدايتها. بهذ العبارة يمكن اختصار حصيلة السنة 2002 من "الحرب على الإرهاب" التي تشنها الولايات المتحدة ضد تنظيم "القاعدة" والجماعات الأخرى القريبة من فكره أو المتحالفة معه. بدأت السنة 2002 والولايات المتحدة تعيش نوعاً من الانتشاء بانتصارها السريع على "القاعدة" ومضيفيها الأفغان ممثلين بحركة "طالبان" بقيادة الملا عمر. ففي خلال أقل من شهرين من بدء "الحرب على الإرهاب"، كانت "القاعدة" فقدت معسكراتها الأفغانية التي خرّجت في السنوات الماضية مئات، وربما الآلاف، من "الراغبين في الجهاد" الآتين من مختلف أنحاء العالم، بما فيه أوروبا والولايات المتحدة نفسها. وأكثر من ذلك، بدأ الأميركيون ال2002 معتقدين انهم قضوا على الأرجح على أسامة بن لادن في معركة تورا بورا، على الحدود الأفغانية - الباكستانية، وهي المنطقة التي حوصرت فيها فلول "القاعدة" بعد انهيار حركة "طالبان". وبعد سقوط تورا بورا، واصل الأميركيون حملتهم على "القاعدة"، محققين مزيداً من الانتصارات. إذ استطاعوا، بمساعدة الأجهزة الأمنية الباكستانية، اعتقال أحد أبرز القادة الميدانيين في التنظيم "أبو زبيدة"، وهو شاب فلسطيني نشأ في الخليج وتنبع أهمية من كونه مسؤولاً عن تحريك خلايا عديدة وتوجيهها لتنفيذ عمليات. ثم استطاعوا، بالتنسيق مع المغاربة هذه المرة، كشف خلية ل"القاعدة" تعتقد الأجهزة الأمنية انها كانت تخطط لمهاجمة سفن حربية أميركية وبريطانية في مضيق جبل طارق. بعد ذلك جاء اعتقال رمزي بن الشيبة في باكستان، وتلاه اعتقال مسؤول العمليات في منطقة الخليج عبدالرحيم الناشري، وقتل مسؤول "القاعدة" في اليمن أبو علي الحارثي في أول عملية اغتيال في إطار "الحرب على الإرهاب" خارج أفغانستان وباكستان، ليزيد من الشعور بأن الحرب الأميركية - التي رافقتها جهود كبيرة لمنع وصول الأموال والمساعدات الى تنظيم أسامة بن لادن - تُحقق مزيداً من التقدم. لكن "القاعدة" كانت تبدو، على رغم كل هذه "الانجازات" الأميركية، وكأنها أفاقت من صدمة الضربة التي تعرّضت لها في أفغانستان، بل انها بدأت في النصف الثاني من 2002 توّسع حربها الى خارج باكستان، وهي البلد الأساسي الذي تركّز فيه نشاطها منذ طردها من أفغانستان. وشملت معظم العمليات في باكستان أهدافاً "سهلة"، مثل مهاجمة كنيسة يرتادها غربيون، لكنها كانت تتطور باستمرار لتشمل عمليات انتحارية تفجير باص لمهندسين فرنسيين في كراتشي. بعد ذلك، انتقلت العمليات لتطال "أهدافاً غربية" في دول أجنبية: تفجير كنيس جربة التونسي ومقتل السياح الألمان والفرنسيين، ومهاجمة المنتجع السياحي في بالي في أندونيسيا مقتل قرابة 200 سائح معظمهم من استراليا، وتفجير ناقلة النفط الفرنسية "ليمبورغ" قبالة سواحل اليمن. وإضافة الى عودة عمليات "القاعدة"، وزّع تنظيم أسامة بن لادن، في ذكرى ما يُطلق عليه "غزوتي نيويورك وواشنطن" في 11 أيلول سبتمبر 2001، أشرطة سمعية بدا الأميركيون انهم مقتنعون أنها لأسامة بن لادن، مما خيّب آمال المسؤولين الأميركيين بقضائهم عليه. بن لادن يُقلق الأميركيين حيّاً وميتاً لم تتوقع أميركا ان تسير حربها في أفغانستان بالسرعة التي سارت فيها منذ بدء العمليات العسكرية في تشرين الأول اكتوبر 2001، بعد شهر من الهجمات الانتحارية التي شنّها تنظيم "القاعدة" ضد نيويورك وواشنطن. فمع بزوع فجر العام الجديد، 2002، كانت القوات الأميركية قد أكملت للتو عمليتها الضخمة في "الجبال البيضاء" في تورا بورا حيث حوصر مئات من أعضاء "القاعدة" الذين التفّوا حول زعيمهم أسامة بن لادن بعد سقوط نظام حركة "طالبان". والظاهر ان الأميركيين اعتقدوا، في الشهور الأوائل منذ 2002، ان عمليتهم في تورا بورا حققت أهدافها بالقضاء على فلول تنظيم بن لادن الذين بقيت طائرات ال"بي-52" تدك مواقعهم على مدى أسابيع بقنابل ضخمة بعضها لم يُستخدم منذ أيام حرب فيتنام. ولعل ما أثار بهجة الأميركيين أكثر بسقوط تورا بورا كان اعتقادهم ان أسامة بن لادن نفسه لم ينج من الضربة، إذ انه لم يظهر علناً منذ رصد الأميركيين مكالمة له باللاسلكي يحض فيها مقاتليه على الصمود في تورا بورا. وما زاد الغموض ان الأميركيين استطاعوا اعتقال بعض حرّاسه الشخصيين، لكن هؤلاء لم يُقدّموا أي معلومات مؤكدة عن مصيره سوى القول انه كان معهم في المعركة. وانطلاقاً من قاعدة ان "غياب الدليل على الحياة لا يؤكد الوفاة"، أرسل الأميركيون فرقاً مختصة لجمع الحمض النووي دي ان اي من ضحايا "القاعدة" الذين تلاشت جثث بعضهم بالكامل بفعل القصف الأميركي. بل ان الأميركيين لجأوا الى نبش قبور حُفرت حديثاً في تلك الجبال على الحدود الأفغانية - الباكستانية على أمل العثور على ما يؤكد ان زعيم "القاعدة" مدفون فيها. وازداد الغموض حول مصير بن لادن مع توزيع أنصار "القاعدة" في ربيع 2002 شريط فيديو مصوّراً يظهر فيه زعيم التنظيم وبجواره زعيم "جماعة الجهاد" المصرية الدكتور أيمن الظواهري. لكن ذلك الشريط عزز الشكوك بوفاة بن لادن بدل ان يُساعد في إقناع انصاره بأنه حي، إذ تبيّن ان التسجيل تم في 2001، أي قبل معركة تورا بورا، وأجرى مُعدّو الشريط مونتاجاً له ليظهر وكأنه حديث. ومنذ ذلك الوقت، لجأ الأميركيون الى سياسة عدم ذكر بن لادن في تصريحاتهم، والاكتفاء بالقول ان "المعركة ضد الإرهاب" ليست محصورة بشخص بل هي ضد تيار متشدد يؤمن بأفكار "القاعدة". وظل الأمر على هذا المنوال حتى الخريف عندما وزّع أنصار "القاعدة" شريطين صوتيين قصيرين لبن لادن تحدث في آخرهما تشرين الثاني/نوفمبر عن عمليات حصلت حديثاً، وهو ما اعتبره الأميركيون دليلاً كافياً يؤكد ان زعيم "القاعدة" ما زال حيّاً يرزق، على رغم ان تحليلاً قامت به شركة متخصصة لمصلحة التلفزيون الفرنسي خلص الى ان شريط بن لادن الأخير مزوّر بنسبة 95 في المئة. ويتعامل الأميركيون مع موضوع بن لادن حالياً على افتراض انه حي ويختبئ على الأرجح في منطقة على الحدود الافغانية - الباكستانية على رغم ان تقارير أخرى زعمت انه يختبئ في إحدى المناطق الايرانية. اعتقال "ابو زبيدة": الضربة الاولى لأميركا في اذار مارس 2002 وجّه الأميركيون ضربة قوية الى "القاعدة" باعتقال أحد أبرز قادتها الميدانيين "أبو زبيدة"، وهو شاب فلسطيني نشأ في الخليج ويُعد قريباً جداً من أسامة بن لادن. وعلى رغم صغر سنه في الثلاثينات، كان "ابو زبيدة" يتولّى مسؤوليات أساسية في "القاعدة": الإشراف على الراغبين في الانضمام الى التنظيم، ثم ترتيب إدخالهم من باكستان الى معسكرات "القاعدة" في أفغانستان، ثم توجيههم لاحقاً لتنفيذ عمليات ضد المصالح الغربية. ولا شك ان الأميركيين كانوا يعرفون الكثير عنه. فاسمه ورد في كثير من التحقيقات التي قاموا في السنوات الماضية، بدءاً من الهجمات التي كانت تحضّر لها "القاعدة" في الأردن عشية عيد الميلاد في نهاية 1999، ومروراً ب"مؤامرة الألفية" التي كان يعتزم الجزائري أحمد رسام تنفيذها ضد مطار لوس انجليس خلال احتفالات بدء الألفية الجديدة، وانتهاء بمؤامرة تفجير السفارة الأميركية في باريس والتي كان مُكلّفاً القيام بها الفرنسي الجزائري الأصل جمال بغّال الذي شرح للمحققين دور "أبو زبيدة" في تدريبه وتكليفه تدبير العملية التي كان يُفترض ان تكون "انتحارية". ولذلك لم يكن مُستغرباً مدى الفرحة التي شعر بها الأميركيون عندما رصدوا مكان اختفاء "أبو زبيدة" في مدينة فيصل آباد الباكستانية. وتحت جُنح الظلام، قامت وحدات خاصة من القوات الباكستانية يرافقها عناصر من الاستخبارات الأميركية بدهم مقر "أبو زبيدة" الذي رفض ان يستسلم ورفاقه واشتبكوا مع قوات الأمن التي قتلت بعضهم وأسرت الآخرين وعلى رأسهم "أبو زبيدة" نفسه الذي أصيب بالرصاص في بطنه. ويُحقق معه حالياً في مكان غير معروف ليس في قاعدة غوانتانامو باي في كوبا. "خلية المغرب": هجمات انتحارية في جبل طارق وحقق الأميركيون في بداية الصيف ضربة "وقائية" مهمة ضد "القاعدة" عندما ساعدوا السلطات المغربية في كشف خلية للتنظيم تضم ثلاثة سعوديين كانوا يخططون، كما يزعم الإدعاء، لمهاجمة سفن تابعة لحلف شمال الأطلسي خلال عبورها مضيق جبل طارق ومهاجمة أهداف يرتادها غربيون أو يهود في المغرب نفسه. وأحال الإدعاء، بعد تحقيقات طويلة مع الموقوفين، السعوديين الثلاثة عبدالله مسفّر الغامدي وزهير هلال وهلال العسيري وسبعة مغاربة بما فيهم زوجتان لإثنين من المتهمين السعوديين للمحاكمة بتهمة التحضير لعمليات إرهابية. وفي حين يُقدّم المغاربة كشف الخلية بصفته نجاحاً باهراً لإجهزة الأمن، يقول أنصار الموقوفين ان السلطات سعت من خلال توجيه التهم اليهم الى "إرضاء الأميركيين". ويُزعم ان الخيط الأول الذي قاد الى كشف الخلية جاء من خلال معلومات أدلى بها معتقلون مغاربة في غوانتانامو تحدثوا عن سعوديين متزوجين من مغربيات وقدّموا بعض المعلومات عن أوصافهم وكناهم. وتبيّن للمحققين لاحقاً ان أفراد الخلية كانوا مع بقايا "القاعدة" في أفغانستان وتلقوا أوامر بالانتقال الى الدول التي جاؤوا منها والتحضير لعمليات جديدة بعد سقوط تورا بورا في يد الأميركيين. رمزي بن الشيبة ... ليس أسامة بن لادن في أيلول سبتمبر 2002، حققت الولايات المتحدة ضربة جديدة ل"القاعدة" عبر اعتقال أحد الأشخاص الرئيسيين في التحضير لهجمات 11 سبتمبر: اليمني رمزي بن الشيبة. ففي ذلك الشهر، شنت قوات الأمن الباكستانية هجوماً على مقر رصدته الاستخبارات الأميركية كمركز لاختفاء شخصية مهمة في "القاعدة" في كراتشي. وما كاد الأمن الباكستاني يقتحم المبنى المحدد حتى واجه وابلاً غزيراً من النار، ولاحظ ان المتحصّنين في داخله يستميتون في الدفاع عن المحاصرين. ولشدة المقاومة، اعتقد قائد الهجوم ان الموجود في الداخل هو أسامة بن لادن نفسه، وأخذ يدير المعركة على هذا الأساس. وبعد لحظات "هدنة" فاوض من في الداخل على خروج النساء، وكن عربيات، لكن الرجال رفضوا الاستسلام. فدارت المعركة من غرفة الى غرفة حتى حوصر ابن الشيبة في مطبخ الشقة ونفذت ذخيرته، فحمل سكيناً وحاول طعن الجندي الذي تقدّم لاعتقاله وأخذ يصيح فيه بأعلى صوته: ستذهب الى النار ستذهب الى النار. واحتاج الجندي ورفاقه بعد ذلك فترة من الوقت للمعالجة من الصدمة التي شعروا بها بسبب العملية وكلام ابن الشيبة عن "احتراقهم في جهنم". وسلّم الباكستانيون ابن الشيبة الى الأميركيين الذين نقلوه للتحقيق في إحدى قواعدهم خارج غوانتانامو. وثمة من يشكك في ان يكون هذ الشاب اليمني "صيداً ثميناً" للأميركيين باعتبار ان معلوماته الأساسية تنحصر في الترتيب لهجمات 11 سبتمبر مع بقية أفراد "خلية هامبورغ" والتي قُتل قادتها محمد عطا ومروان الشحي وزياد الجراح في الطائرات المخطوفة التي ضربت الولايات المتحدة. عبدالسلام الحيلة: رجل "الأفغان العرب" وفي نهاية أيلول سبتمبر الماضي تسلّم الأميركيون مسؤولاً أمنياً يمنياً بارزاً يشتبهون في معرفته بأسرار خطيرة تتعلق ب"القاعدة" وأفرادها الذين كانوا ينشطون إنطلاقاً من اليمن. ولا يزال الكثير من الغموض يحيط بملابسات تسلّم الأميركيين هذا الرجل الذائع الصيت في أوساط الإسلاميين. فعبدالسلام الحيلة المنتمي الى قبيلة بني حشيش والمسؤول في اللجنة المركزية لحزب المؤتمر الشعبي الحاكم، ليس بالرجل العادي. فهو ضابط كبير في الأمن السياسي كان مكلّفاً ملفات العديد من الأصوليين العرب المقيمين في اليمن. وهو لعب دوراً بارزاً في ترحيل مئات منهم الى خارج اليمن لتفادي طلب بلادهم تسلّمهم. ويبدو ان اهتمام الأميركيين به يرتبط بدوره في أمرين أساسيين: ففي العامين 1995 و1996 اتصل شيخ معروف يدعى "أبو ابراهيم المصري" بالسلطات اليمنية عارضاً عليها "خدماته" في شأن نشاط "جماعة الجهاد" وزعيمها الدكتور أيمن الظواهري كاشفاً انه يقيم في منطقة تعز وليس في أفغانستان، كما كان يُعتقد وكذلك تنظيم "القاعدة" وزعيمه أسامة بن لادن. ولم يكن الضابط اليمني الذي تولّى أمر "أبو إبراهيم" وسجّل له عروضه السرية بالعمل مع الأمن السياسي، سوى الحيلة نفسه الذي أبلغ "جماعة الجهاد" بأن في وسطها عميلاً. اعتقلت الجماعة "أبو إبراهيم" وعذّبته حتى اعترف بالعمل لمصلحة الأمن المصري. لكن الذي حصل ان "جماعة الجهاد" قررت قتل "أبو ابراهيم" بعد إجراء مزيد من التحقيقات معه في أفغانستان لم تكن تريد قتله في اليمن لكي لا تُغضب اليمنيين، فحاولت نقله الى هناك بعد إقناعه بأنها عفت عنه بعد استتابته. واستغل "ابو ابراهيم" الفرصة وفر الى مصر، ويبدو انه روى لأجهزة الأمن هناك ما حصل معه ودور الحيلة في تسليمه الى "جماعة الجهاد". أما الأمر الثاني الذي أثار اهتمام الأميركيين بالحيلة فكانت زيارته لإيطاليا ولقاءاته مع "مسؤول التزوير" في "جماعة الجهاد" عبدالقادر السيد المعروف باسم "أبو صالح". وكان الحيلة يعرف "أبو صالح" منذ تاريخ إقامة الأخير في اليمن قبل طلبه اللجوء في ايطاليا. والذي حصل ان الاستخبارات الإيطالية كانت تعرف أهمية "أبو صالح" فوضعت أجهزة تنصت في سيارته "السيترون". وحصل ان الحيلة زار ايطاليا في صيف العام 2000 واستقبله "أبو صالح" وأخذه معه في سيارته حيث دار حديث أشار فيه الحيلة الى ان الأميركيين سيدفعون ثمناً غالياً وان شيئاً ما يُحضّر لهم تُستخدم فيه "طائرات" و"مطارات" و"ستكتب عنه صحف العالم". ويشتبه الأميركيون الآن بأن الحيلة كان على علم مسبق بالتحضيرات لهجمات 11 سبتمبر. والظاهر ان الأميركيين نجحوا في استدارج الحيلة الى خارج اليمن من خلال إقناعه بمشروع تجاري في مصر. ولا يُعرف إذا كان الحيلة نسي ما حصل ب"أبو ابراهيم"، لكنه جاء الى القاهرة في أيلول سبتمبر وبعد أربعة أيام اختفى ولم يُعثر له على أثر. وتنفي القاهرة ضلوعها في اختفائه، قائلة انه ترك أراضيها بطائرة أميركية متوجهة الى باكو عاصمة أذربيجان. مقتل الحارثي: أميركا تضرب في اليمن في تشرين الثاني نوفمبر 2002، انطلقت طائرة "بريديتور" أميركية من دون طيار من قاعدة في المنطقة تردد انها في جيبوتي وأخذت تُحلّق فوق مناطق يمنية، كما فعلت على مدى أسابيع. هذه المرة عثرت الطائرة التي تُحرّكها من بُعد وكالة الاستخبارات المركزية سي. اي. اي، على هدفها الذي كانت تبحث عنها منذ فترة طويلة: زعيم "القاعدة" في اليمن قايد سنيان الحارثي أبو علي الذي كان يتحرّك بسيارة ذات دفع رباعي ممتلئة تحمل ستة من أنصاره. كانت السيارة تعبر طريقاً صحراوياً في منطقة النقعة بمحافظة مأرب على بعد 200 كلم شرق صنعاء عندما استخدم واحد ممن فيها هاتفه الذي يعمل بالأقمار الصناعية. توقفت السيارة للحظة الى جانب الطريق وخرج منها أحد ركابها ليقضي حاجة. ما ان خرج منها حتى كان صاروخ "هل فاير" نار الجحيم ينطلق من تحت جناح طائرة ال"سي. اي. اي" ويقضي على الحارثي ورفاقه الستة. لم يتمكن الأميركيون من كتمان سرّ بمثل هذا الحجم، على رغم وعدهم السلطات اليمنية بأن يُنسّقوا معها مسبقاً ما يُعلن في هذا الشأن، خصوصاً ان قرار قتل الحارثي اتخذه الجانبان بعدما أيقن الأميركيون بأن اليمنيين غير قادرين على توقيفه. وهم كانوا حاولوا ذلك قبل شهور، لكن محاولتهم فشلت فشلت ذريعاً عندما أطبق رجال القبائل على قوات الأمن التي حاولت محاصرته في منطقة حصون آل جلال وقتلوا 18 من أفرادها. وبمقتل الحارثي، خسرت "القاعدة" أبرز قادتها في اليمن وأحد أبرز المشتبه في ضلوعهم في عملية تفجير المدمرة الأميركية "كول" في ميناء عدن في تشرين الأول اكتوبر 2000 مما أدى الى مقتل 17 من المارينز. ويُعتقد ان "أبو عاصم الأهدل" محمد حمدي الأهدل حلّ محل الحارثي في قيادة "القاعدة" في اليمن. وهو حالياً أبرز المطلوبين لدى السلطات اليمنية. اعتقال الناشري: أبرز مسؤولي "القاعدة" في الخليج لم تكد تمر أيام على قتل "أبو علي الحارثي" حتى وجّه الأميركيون ضربة قوية أخرى لتنظيم "القاعدة" من خلال حصولهم على مسؤول عمليات التنظيم في كل الخليج عبدالرحيم الناشري المعروف باسماء وكنى مختلفة. والناشري، وهو من أصول يمنية أو سعودية، يُعتبر أكبر قادة "القاعدة" الذين يسقطون في يد الأميركيين بعد "أبو زبيدة". وهو كان موضوعاً ضمن قائمة أبرز 20 شخصاً في "القاعدة". وتكمن أهميته في كونه على معرفة بالعديد من خلايا "القاعدة" الناشطة في الخليج، كما انه على علاقة وثيقة بأسامة بن لادن نفسه يتردد ان الرجلين مرتبطان بصلة زواج بين عائلتيهما. ولا يبدو ان علاقته بإبن لادن أفادت الأميركيين كثيراً، كون معلوماته عن مكان اختباء زعيم "القاعدة" توقفت منذ نهاية 2001 عندما انتهت معركة تورا بورا ب"اختفاء" بن لادن. وذكرت معلومات أميركية ان سلطات الأمن في الإمارات العربية المتحدة اعتقلت الناشري خلال وجوده في إمارة أم القيوين للتدرب على الطيران في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، وسلّمته الى الأميركيين الذين نقلوه الى مركز اعتقال لوكالة الاستخبارات المركزية سي. اي. اي في الأردن بحيث لا يكون خاضعاً للسيادة الأميركية ولا تكون واشنطن مسؤولة عنه بالتالي. "أرصدة الإرهاب" في موازاة حربهم العسكرية، شن الأميركيون أيضاً حرباً من نوع آخر استهدفت حرمان "القاعدة" من الأموال التي يمكن ان تصلها، بطريقة غير مباشرة، من مؤسسات وجمعيات خيرية. وهكذا لجأت إدارة الرئيس جورج بوش الى تجميد أرصدة شخصيات ومؤسسات ومراكز "حوالة" بزعم علاقتها ب"الإرهاب". وكانت تلك اللوائح تزداد كل بضعة أسابيع، بحيث صارت تضم مئات الأشخاص والمؤسسات التي رفع العديد منها دعاوى قضائية ضد الإدارة الأميركية بحجة الزج بها في دعم الإرهاب. وتقول الولايات المتحدة انها جمّدت مع دول أخرى 112 مليون دولار من "أرصدة لها علاقة بالإرهاب"، وان قرابة 160 دولة أصدرت أوامر بمنع التصرّف بحسابات مصرفية يُشتبه في علاقة أصحابها بالإرهاب 70 مليون دولار جُمّدت خارج الولايات المتحدة. ويُشكك كثيرون حالياً في هذه "الحرب الأميركية"، على أساس انها تخلط بين الإرهاب والإسلام من خلال منع نشاط جميعات خيرية بحجة ان بعض أموالها ذهب خطأ الى "القاعدة". "القاعدة" تفيق من ضربة أفغانستان ... في باكستان بدأت السنة 2002 وتنظيم "القاعدة" يترنّح لشدة الضربة الأميركية التي تعرّض لها في أفغانستان بعد سقوط نظام حركة "طالبان" التي آوته منذ 1996. كانت معركة تورا بورا قد انتهت للتو، ولم يبق لتنظيم أسامة بن لادن أي وجود مهم على الأرض الأفغانية. انسحب من استطاع النجاة من تورا بورا الى باكستان حيث احتمى عند قبائل بشتونية معروفة بامتدادها داخل أفغانستان. ومن هناك بدأت "الهجرة الكبيرة": الى داخل باكستان، خصوصاً كراتشي معقل المتشددين، أو الى إيران، ومن هاتين الدولتين في اتجاه الخليج خصوصاً وبقية أنحاء العالم. إذن، كانت الشهور الثلاثة الأولى من ال2002 فترة ل"استرجاع النفس" وتقويم ما حصل للتنظيم. الملاحظة الأولى التي توصل اليها من نجا من أفغانستان ان "القاعدة" فقدت التواصل مع قيادتها. فأسامة بن لادن "غائب عن السمع"، وكذلك أيمن الظواهري، زعيم "جماعة الجهاد" الرجل الثاني في "القاعدة" التي باتت "قاعدة الجهاد". لم يعد هناك قائد عسكري ل"القاعدة" بعد مقتل محمد عاطف أبو حفص المصري بصاروخ أميركي ضرب مقره قرب كابول في نهاية 2001. انعكس كل ذلك التضعضع في قوة التنظيم وفاعليته، إذ فشل في القيام بعملية بارزة واحدة طوال الشهور الثلاثة الأولى من ال2002. لكن ذلك لا يبدو بالشيء الغريب، نظراً لضخامة الضربة الأميركية وسرعة نجاحها على الأرض ضد حركة "طالبان" التي خاضت معركتها الأخيرة ك"جيش" ضد الأميركيين في معركة شاهي كوت في ولاية باكتيا في آذار مارس الماضي. ومنذ ذلك الوقت، صارت عمليات "طالبان" ضد الأميركيين وحلفائهم الأفغان عبارة عن "حرب عصابات" تقودها مجموعات مكوّنة من بضعة عناصر على الأكثر. وهكذا، في ظل انكفاء "القاعدة" إما لعدم القدرة وإما لأنها كانت مشغولة بالتقاط النفس والتحضير لعمليات جديدة بدا ان جماعات باكستانية تعتنق فكرها وترتبط بعلاقات وثيقة معها تولّت القيام بالعمليات نيابة عنها. بدأت العمليات مُبكراً. ففي كانون الثاني يناير خطفت جماعة مسلحة الصحافي الأميركي دانيال بيرل في كراتشي وقطعت رأسه دين متشددون باكستانيون بخطفه وقتله، وإن كانت تقارير تزعم ان الذي نفّذ عملية الذبح يمني الجنسية. بعد ذلك. كرّت سبحة العمليات التي تركّزت في كراتشي وإسلام آباد واستهدفت في العموم أهدافاً يرتادها غربيون ومسيحيون باكستانيون أبرزها القاء قنبلة على كنيسة برتستانتية في إسلام آباد في آذار/مارس مما أدى الى مقتل خمسة أشخاص بينهم أميركيان. ومنذ ذلك الوقت والعمليات في تطور مستمر، وإن كان معظمها استهدف "أهدافاً سهلة" كالكنائس والمدارس والمراكز الطبية المرتبطة ببعثات دينية أجنبية. وشهدت تلك الهجمات في الصيف تطوراً نوعياً تمثّل في تحوّل بعضها الى عمليات انتحارية. وهذا بالتحديد ما حصل في كراتشي في ايار مايو عندما صدمت سيارة مفخخة باصاً يُقل مهندسين فرنسيين يعملون في برنامج لبناء غواصات للجيش الباكستاني، مما أدى الى مقتل 15 شخصاً بينهم 11 مهندساً فرنسياً. ووقع بعد ذلك بشهر هجوم على القنصلية الأميركية في كراتشي عندما انفجرت سيارة مفخخة قرب مدخلها مما أدى الى مقتل 11 باكستانياً تردد ان سائقة السيارة، وهي مُدرّسة، لم تكن تعرف بأنها مفخخة. تفجير جربة: خلايا "القاعدة" تستيقظ تفجير كنيس "الغريبة" في جربة كان العملية الأولى البارزة التي ردت فيها "القاعدة"، خارج باكستان، على "الحرب الأميركية". ففي 11 نيسان ابريل 2002، وخلال تفقّد مجموعة من السياح الأجانب هذا الكنيس الذي يُعدّ الثاني من حيث الأهمية لليهود الشرقيين السفارديم، اقترب نزار نوار، وهو أحد المرشدين السياحيين التونسيين، من المدخل وفجّر صهريجاً مملوئاً بالوقود والمتفجرات. قُتل في التفجير 21 شخصاً معظمهم سياح المان 14 وفرنسيين. لم يمر وقت قصير على التفجير الذي صدم التونسيين الذين لم تشهد بلادهم حادثاً بهذا الحجم منذ فترة طويلة، حتى أعلنت "القاعدة" مسؤوليتها عنه ووزّعت نبذة عن الانتحاري الذي نفّذه قالت انه يُدعى "سيف الله" مع وصية كتبها بخط يده. وأظهرت التحقيقات فعلاً ان نوّار مرتبط ب"القاعدة"، وإن كانت تفاصيل علاقته بها لم تتوضح سوى بعد وفاته وثمة جوانب كثيرة منها ما زالت غير واضحة. ويبدو ان علاقته بالتنظيم بدأت بعد انتقاله الى كندا التي انتقل منها الى أفغانستان لتلقي تدريبات في معسكرات "القاعدة". والظاهر ان عائلته التي كانت تعيش وما زالت في مدينة ليون الفرنسية، لم تكن تدري بعلاقته بتنظيم أسامة بن لادن، بل كانت تعتقد انه يدرس في كندا ويعمل لاحقاً في اليابان. بعد تلقيه التدريبات اللازمة، عاد نزار الى تونس ك"خلية نائمة" ل"القاعدة" حيث عمل مرشداً سياحياً في انتظار فرصة تنفيذه ما جاء من أجله. وسنحت تلك الفرصة في صباح ذلك اليوم من أيام نيسان ابريل الماضي، وهي فرصة كان يُحضّر لها، على ما يبدو، منذ فترة. إذ اشترى هاتفاً جوّالاً من فرنسا اشتراه له شقيقه وليد الموقوف حالياً بتهمة مساعدة نزار في التحضير للجريمة، وأخذّ يُحضّر الصهريج المفخخ في كاراج منزل يملكه أحد أقربائه في جربة. وقبل وقت قصير من تنفيذه العملية، اتصل نزار بصديق له يقيم في دويسبرغ وطلب منه "الدعاء له". كانت السلطات الألمانية تتنصّت على المكالمة كون الشخص الألماني من أصل بولندي والذي اعتنق الإسلام، يرتبط بالعديد من أفراد "خلية هامبورغ" التي نفّذت هجمات 11 أيلول سبتمبر في الولايات المتحدة. لكنها لم تفهم المقصود من طلب نزار "الدعاء" له، وربما لو كانت فهمت لما كان في إمكانها ان تفعل شيئاً لتلافي الكارثة التي كانت ستنزل بمواطنيها بعد ساعات في جربة. لم يكتف نزار بذلك، بل اتصل أيضاً بأحد قادة "القاعدة" في باكستان خالد شيخ محمد ليبلغه بأن العملية باتت جاهزة وانه على وشك تنفيذها. وأوحى ذلك الاتصال للأميركيين بأن شيخ محمد، وهو باكستاني - كويتي، بات المسؤول الأبرز عن عمليات "القاعدة" في ظل اختفاء قادتها الكبار. وللشيخ محمد تاريخ طويل مع الأميركيين، بدءاً بالمحاولة الأولى لتفجير مركز التجارة العالمي عام 1993 يرتبط بصلة قرابة مع "مهندس" عملية التفجير رمزي يوسف، مروراً بمحاولة تفجير 11 طائرة أميركية دفعة واحدة خلال تحليقها في جنوب شرقي آسيا أُجريت اختبارات على العملية عام 1995 من خلال وضع قنبلة داخل طائرة يابانية. وانكشفت المؤامرة عندما احترقت مواد كيماوية كانت خلية القاعدة تمزجها في غرفة فندق في مانيلا. "ليمبورغ": نسخة مُكررة من هجوم "كول" كانت ناقلة النفط الفرنسية "ليمبورغ" تقترب من ميناء في المُكلا على خليج عدن يوم 6 تشرين الاول اكتوبر 2002، عندما لاحظ أحد ملاحيها قارباً صغيراً يقترب منها. ظل القارب يُسرع في اتجاه الناقلة. ما هي إلا لحظات حتى سمع من على متنها دوي انفجار يأتي من وسطها وبدأت النار تندلع منها. لم يكن لدى بحارة "ليمبورغ" شك في ان ما حصل عبارة عن عمل مدبّر ضدها. لكن السلطات اليمنية رفضت في شدة هذه النظرية، تماماً كما فعلت في تشرين الأول اكتوبر 2000 عندما انفجر زورق "انتحاري" بالسفينة الحربية الأميركية "كول" في ميناء عدن، مما أدى الى مقتل 17 من عناصر "المارينز". ومثلما اضطرت بعد أيام الى الإقرار بأن انفجار "كول" كان عملاً مُدبراً، كان عليها هذه المرة أيضاً ان تُقر بأن ما حصل ل"ليمبورغ" كان عملاً مدبراً أيضاً. لم يُوقع تفجير الناقلة الفرنسية خسائر بشرية كبيرة. إذ لم يُقتل سوى أحد ملاحتها البلغار. لكن آثاره الأخرى كانت ذات دلالات قوية. إذ أظهر الانفجار مدى الخطر الذي يمكن ان تُشكّله "القاعدة" لخطوط نقل النفط من الخليج الى الأسواق العالمية، كما أظهر ان هذا التنظيم لا يزال ناشطاً في اليمن على رغم كل جهود حكومة الرئيس علي عبدالله صالح لضربه واعتقال أفراده. ولعل أخطر ما في عملية اليمن أنها كانت الشرارة التي أطلقت سلسلة من العمليات التي استهدفت الأميركيين في الخليج. فبعد تفجير "ليمبورغ" بيومين هاجم كويتيان من "القاعدة" قوة ل"المارينز" الاميركيين في جزيرة فيلكا مما أوقع قتيلين في صفوف الأميركيين والمهاجمين الإثنين انس الكندري وجاسم الهاجري. ووقعت هجمات أخرى على الأميركيين في الكويت في الأيام التي تلت هجوم فيلكا، لكنها لم توقع قتلى. كما وقع هجوم آخر في مطار إمارة الفجيرة في الإمارات استهدف طائرة أميركية، لكنه لم يُوقع سوى جريح واحد هو المُهاجم. تفجير بالي: "القاعدة" تضرب في أندونيسيا كانت جزيرة بالي الأندونيسية يوم 12 تشرين الأول اكتوبر 2002 مسرحاً لأكبر ضربة تُنسب الى "القاعدة" وأنصارها هذه السنة. ففي مساء ذلك اليوم وقعت انفجاران في أحد الملاهي الليلية لهذه الجزيرة التي يرتادها غالباً السياح الأجانب وتحديداً الاستراليين. وكانت الحصيلة مُرعبة بالفعل: أكثر من 180 قتيلاً غالبيتهم العظمى شبان استراليون قُتل أيضاً ما لا يقل عن 30 بريطانياً. توجّهت الأنظار فوراً الى "القاعدة"، كون المحققين الأميركيين كانوا يعلمون بخطط التنظيم لتنفيذ هجمات في أندونيسيا من خلال تحقيقهم من الكويتي عمر الفاروق الذي سلّمته ماليزيا في بداية السنة. انهار الفاروق بعد فترة وجيزة من التحقيق معه وقدّم معلومات مذهلة عن علاقة "القاعدة" بتنظيم إسلامي يُعرف ب"الجماعة الإسلامية" التي يقودها شيخ يمني الأصل يُدعى أبو بكر باعشير. وإنطلاقاً من أقواله هذه، بدا المحققون الأميركيون مقتنعين بأن تفجيرات بالي وراءها خلية ل"الجماعة الإسلامية" مرتبطة ب"القاعدة". لكن الأميركيين لم يكونوا متأكدين ان الأندونيسيين قادرون على حل لغز التفجيرات، كونهم حكومة جاكرتا رفضت في السابق ضغوطاً كبيرة مارستها واشنطن لشن حملة على "الجماعة الإسلامية" وأنصارها. لكن الأميركيين كانوا مُخطئين. إذ لم تكد تمر أيام على التفجيرات حتى حقق الأندونيسيون اختراقاً مُهماً في التحقيق. وبدأ الخيط إنطلاقاً من معلومات عن دراجة نارية كانت متروكة أمام مسجد في بالي. وتبيّن ان صاحبها من أفراد "الجماعة الإسلامية" المعروفين. وبعد ملاحقته واعتقاله بدأ أفراد خليته يقعون بدورهم في قبضة قوات الأمن واحداً تلو الآخر. ومثّل المتهمون لاحقاً جريمة بالي أمام المحققين. وعلى رأس المتهمين شقيقان هما "عمروسي" و"مخلص" علي عمرون، إضافة الى "مهندس" العملية المعروف باسم "إمام سامودرا" الذي أكد للمحققين ان "انتحارياً" يدعى إقبال نفّذها بعد دخوله "بار بادي" الذي سقط فيه معظم الضحايا. واعتقلت أجهزة الأمن أيضاً زعيم "الجماعة الإسلامية" الشيخ باعشير للتحقيق معه في هجمات إرهابية منسوبة الى جماعته. وهو ينفي ضلوعه في الإرهاب. ولا يزال قائد العمليات في جماعته والمعروف باسم "الحنبلي"، فاراً من وجه السلطات. اغتيال فولي: "القاعدة" تضرب في الأردن ضربة "القاعدة" الجديدة كانت في الأردن. ففي صباح 28 تشرين الأول اكتوبر كمن مسلحون للديبلوماسي الأميركي لورنس فولي المسؤول في وكالة المعونة الاميركية يو اس ايد وعاجلوه بثماني رصاصات في حديقة منزله في عمان اثناء صعوده الى سيارته متوجها الى عمله. انصب اهتمام المحققين في البدء على صلة تنظيم "القاعدة" بهذا الاعتداء، لكن ذلك لم يمكن الحزم به على اعتبار ان مناصرين للعراق يمكن ان يكونوا وراءه نتيجة التهديدات الأميركية بقلب نظام الرئيس صدام حسين. لكن تلك الشكوك زالت بعد فترة قصيرة عندما اعتقلت أجهزة الأمن ليبياً سالم بن صويد واردنياً ياسر فتحي ابراهيم قالت انهما اعترفا بأنهما من "القاعدة" ونفّذا العملية بتكليف من فضيل نزال الخلايلة المعروف باسم "ابو مصعب الزرقاوي" ومساعده معمر احمد يوسف. والزرقاوي مسؤول بارز في "القاعدة" وتعتقد السلطات ان يتنقل في منطقة على الحدود العراقية - الإيرانية. ويقول مسؤولون ألمان ان هذا الرجل المبتورة ساقه يُعد من أخطر قادة "القاعدة" ويُعرف عنه انه أجرى اختبارات على تنفيذ هجمات كيماوية. وبعد فترة قضيرة من قتل فولي في الأردن، اغتيلت مُبشّرة أميركية في صيدا، جنوب لبنان، على يد مسلحين يُشتبه في أنهم من الإسلاميين المتشددين. هجومان في مومباسا يُحققان أقل من "نصف نجاح" الخميس 28 تشرين الثاني نوفمبر الماضي كان موعداً أعدّته "القاعدة" ليكون يوماً مُميّزاً. كانت تخطط له ليشهد عملية من عملياتها الضخمة: تفجير فندق يرتاده يهود في مومباسا، على الساحل الكيني، وإسقاط طائرة إسرائيلية محمّلة بمئات الركاب العائدين من إجازتهم في كينيا. ولا شك ان نجاح الهجومين كان سيجعلهما من أكبر عمليات "القاعدة" هذه السنة، ويُسكت ألسنة منتقدي هذا التنظيم الذي يقولون انه لم يقم بعملية واحدة ضد إسرائيل على رغم استخدامه معاناة الفلسطينيين حجة لتبرير عملياته ضد أميركا، الداعم الأول للدولة العبرية. لكن الهجومين لم يُحققا سوى ما يُمكن ان يُعتبر أقل من "نصف نجاح". أما النجاح فتمثّل في تفجير انتحاريين إثنين وربما ثلاثة سيارتهما المفخخة في فندق "باراديس" الجنّة المملوك لإسرائيليين في مومباسا. وعلى رغم ان الانفجار الضخم تسبب في احتراق الفندق الذي يتسع لمئتي سائح عدا الموظفين، إلا ان خسائره البشرية كانت محدودة. إذ قُتل، بحسب حصيلة للشرطة الكينية، 11 شخصاً فقط هم ستة كينيين بينهم إثنان من أعضاء فرقة موسيقية كانت تُرحّب بالضيوف الجدد وسائحان إسرائيليان و"ثلاثة انتحاريين". على بُعد مسافة قصيرة من الفندق، كانت "القاعدة" تُحضّر لعملية أكبر، لكن الفشل كان من نصيبها. ففي الوقت نفسه الذي كانت "الجنّة" تحترق بنيران السيارة المفخخة، كانت خلية ثانية ل"القاعدة" تُطلق صاروخي "سام 7" روسيي الصنع على طائرة مدنية إسرائيلية بعد لحظات من إقلاعها من مطار مومباسا. لكن مُطلقي الصاروخين لم يكونا يملكان الخبرة في هذا الميدان بلا شك، إذ مرّ الصاروخان أمام قائد الطائرة الذي شاهدهما يمران بقربه. أبلغ قائد الطائرة الجيش الإسرائيلي بما حصل معه، فأرسل اليه طائرات حربية تولّت مرافقة الطائرة المدنية حتى وصولها الى إسرائيل. كان الهجومان أول عملية مباشرة من "القاعدة" ضد هدفين إسرائيليين. لكنهما لم يكونا العملية الأولى لتنظيم أسامة بن لادن في القرن الإفريقي. إذ كانت "القاعدة" نفّذت في اب اغسطس 1998 أكبر عملياتها ضد الأميركيين حتى ذلك التاريخ، من خلال تفجير سفارتي الولايات المتحدة - في وقت متزامن - في كل من نيروبي كينيا ودار السلام تنزانيا. وأدى الهجومان وقتها الى مقتل 213 شخصاً بينهم 12 أميركياً فقط وجرح قرابة خمسة آلاف آخرين. وردت الولايات المتحدة وقتها بقصف معسكرات "القاعدة" داخل أفغانستان. وشهد القرن الإفريقي قبل ذلك بسنوات المواجهة الأولى بين الولايات المتحدة و"القاعدة". ففي العام 1993 ساعد تنظيم أسامة بن لادن الصوماليين في قتل نحو 18 جندياً أميركياً كانوا يُشاركون في قوة تابعة للأمم المتحدة جاءت لمساعدة السكان إثر المجاعة التي ضربت بلادهم في بداية التسعينات إثر سقوط نظام سياد بري وتفكك الحكومة المركزية. مسرح موسكو: "رسالة شيشانية" تتبناها "القاعدة" كانت المسرحية الموسيقية بدأت قبل وقت وجيز عندما وصل نحو 50 شيشانياً الى المسرح الواقع في قلب العاصمة الروسية مساء الأربعاء 23 تشرين الأول اكتوبر 2002. نزل المسلحون، رجالاً ونساء، من باصات أقلتهم الى المسرح الذي كان يضم قرابة 750 شخصاً. سيطروا على مداخله ومخارجه، قبل ان يشرحوا للرأي العام - عبر الانترنت وشاشات التلفزيون العربية والأجنبية - المهمة التي جاؤوا للقيام بها: إرغام الروس على سحب قواتهم من جمهورية الشيشان خلال أسبوع، وإلا فإنهم سيلجأون الى قتل الرهائن جميعاً. قالوا انهم جاؤوا الى موسكو ليموتوا من أجل قضيتهم العادلة، بحسب ما قال زعيم الخاطفين مظفّر باراييف. وهم ماتوا بالفعل، من دون ان يُطلقوا رصاصة واحدة. فبعد أيام من محاصرتهم، اقتحمت القوات الخاصة الروسية ليل الجمعة - السبت المسرح لتجد الخاطفين ال 50 موتى ومعهم 129 من رهائنهم. قُتل هؤلاء جميعاً بغاز غامض أدخله الروس عبر أنابيب التدفئة المركزية. لكن الظاهر ان الروس أرداوا ضمان نجاح العملية فاستخدموا كمية كبيرة من الغاز السام، مما أدى الى هذا العدد الكبير من الضحايا. وعلى رغم ان "القاعدة" لم تُشارك في عملية المسرح مباشرة، إلا انها أشادت بها في إطار بيان أشاد بعمليات أخرى حصلت في أنحاء مختلفة من العالم في تلك الفترة واستهدفت مصالح غربية مثل تفجير الناقلة الفرنسية في اليمن والهجوم على المارينز في فيلكا وتفجير بالي وقتل الديبلوماسي الأميركي لورنس فولي في الأردن.