كان واضحاً منذ البداية ان واشنطن ستتحرك لاطاحة النظام العراقي، ان عاجلاً أم آجلاً، بعدما استنفدت 11 عاماً في محاولة إفهام صدام حسين أمراً بدهياً: ليس مسموحاً لأي دولة ان تهدد المصالح الأميركية الحيوية في منطقة تحوي 63 في المئة من احتياط النفط العالمي، واسرائيل، والسوق المرشحة لأن تكون من بين أسرع الأسواق نمواً في العالم. غالبية دول المنطقة فهمت الرسالة منذ تحركت واشنطن لاحتواء الثورة الايرانية بمساعدة العراق ومن ثم لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي. إلا أن النظام العراقي، الذي لم يتعلم الدرس، استخدم النفط سلاحاً ليسعى الى تحقيق ما فشل في تحقيقه بالانتصار على ايران وبعدها باحتلاله الكويت. فهو نجح في كسر العزلة السياسية المفروضة عليه، واستقطب نفوذاً في المنطقة على حساب النفوذ الأميركي، ساعده في ذلك فشل التسوية السلمية في المنطقة إثر صعود اليمين الاسرائيلي ومعه القوى الراديكالية. وعمل التحالف بين القوى الراديكالية في المنطقة، على تقويض النفوذ الأميركي، وتهديد مصالح واشنطن التي بدأت تخسر حلفاءها التقليديين تحت وطأة موجة التطرف المتفاقمة في الشرق الأوسط. وساهمت تلك الموجة في دفع دول صديقة لاميركا، مثل الأردن ومصر وبعض الدول الخليجية، الى الانفتاح على بغداد في شكل ازعج الإدارة الأميركية اليمينية. فهل يعقل ان تبقى واشنطن مكتوفة فيما تعيد دول تتلقى مساعدات اميركية، وأخرى ترتبط بها بمعاهدات دفاع مشترك، بناء جسور مع نظام تنتظر اميركا انهياره منذ حرب الخليج الثانية؟ لهذا، لم تكن مصادفة ان اسرائيل تلقت الضوء الأخضر لاجتياح الضفة الغربية للمرة الأولى غداة انعقاد القمة العربية في بيروت، والتي شهدت شبه مصالحة عربية - عراقية غاب عنها كل من الملك عبدالله الثاني والرئيس حسني مبارك. اذ ان هامش المناورة، الذي كانت الادارة الاميركية الديموقراطية سمحت به في السابق، لم يعد موجوداً في عهد اليمين الاميركي، الذي يرى في انحسار نفوذه في منطقة الخليج تهديداً أكبر بكثير من انهيار عملية السلام العربية - الاسرائيلية. وليس سراً ان المحاولات العربية لفرض التسوية السلمية في فلسطين كأولوية على الأجندة الدولية فشلت في مواجهة اصرار واشنطن على سياسة "العراق أولاً" قبل اقامة دولة فلسطينية بعد ثلاث سنوات، أي في حال إعادة انتخاب الرئيس الأميركي. وفيما تواصل واشنطن خطواتها الديبلوماسية لتهيئة الأجواء تمهيداً للانقضاض على النظام العراقي، تتواصل الخطوات العسكرية في اتجاه الحسم على الأرض بعدما تمكنت الطائرات الأميركية والبريطانية من تدمير خطوط الدفاع العراقية في الشمال والجنوب والغرب من دون مقاومة عراقية ومن دون الاعلان من أي جانب، عن بدء العمليات العسكرية! وتظهر كل المؤشرات ان القوات الأميركية لن تواجه أية مقاومة حقيقية قبل وصولها الى بغداد. إذ انه ليس في وارد أركان النظام العراقي الدفاع عن الأراضي والأجواء العراقية بقدر ما يهمهم الدفاع عن النظام نفسه، وهو ما يتطلب عدم استنفاد قدرات النظام في الدفاع عن أي شيء آخر.