لعل نتانياهو تمكن من تنفيذ تهديده الشهير باحراق واشنطن، أقله في ما يخص سياستها في الشرق الأوسط. إذ أن ازدراءه الولاياتالمتحدة وتمرده على تحذيراتها إزاء رفضه مبادرتها لإعادة الانتشار في الضفة الغربية، جعلا الإدارة الأميركية، التي لم تفعل شيئاً يذكر في مواجهة هذا الازدراء والاستهتار، تبدو كأنها نمر من ورق. وهذا ما يدفع دول المنطقة الآن الى إعادة النظر بمدى استجابتها متطلبات المصالح الأميركية الاقليمية. وباتت الدول الصديقة للولايات المتحدة تعرف الآن أكثر من أي وقت مضى، ان لا سياسة ناجحة أو فاعلة لواشنطن حيال العراق أو ايران بعد حرب الخليج الثانية، وان لا حول ولا قوة للولايات المتحدة في ما يتعلق بالسياسات التي تتبعها الحكومة الاسرائيلية لتغيير قواعد اللعبة في المنطقة. وهناك من يتساءل: ان لم تستطع واشنطن اقناع حليفتها الاستراتيجية اسرائيل بمراعاة مصالحها الاقليمية، فلِمَ يراعيها الآخرون؟ وما الجدوى من مراعاة مصالح أميركية باتت تتضارب مع المصالح الوطنية والاستراتيجية لدول عربية وصارت عبئاً عليها؟ وهناك أمثلة عديدة على معاودة دول صديقة للولايات المتحدة النظر في الموقف من واشنطن بعد تولي نتانياهو السلطة في اسرائيل وانهيار عملية السلام بشروطها المتعاقد عليها. والزعيم الاسرائيلي اليميني لا يخشى شيئاً طالما ان نفوذه في الكونغرس والاعلام الأميركيين أكبر من نفوذ الرئيس كلينتون والوزيرة اولبرايت. وهو لا يخشى شيئاً من داخل اسرائيل لأن أحداً غير قادر على تهديد موقعه بخاصة ان المعارضة تعترف بأنها بحاجة الى "فياغرا سياسية". ولعل ما قاله الرئيس صدام حسين عن بدء انهيار نظام العقوبات المفروضة على العراق يتضمن جانباً صحيحاً، اذ ان مضاعفة كميات النفط المسموح للعراق بتصديرها الى درجة تفوق قدرته التصديرية، واستقبال كبار المسؤولين العراقيين في كثير من العواصم العربية وغيرها، لا يوحيان بنجاح السياسة الأميركية تجاه بغداد. الآن، وبعدما أحرق نتانياهو واشنطن وأعلن الكونغرس أرضاً اسرائيلية محتلة رغم أنف كلينتون واولبرايت، فإن دول المنطقة ليست في مزاج لاسترضاء واشنطن أو مراعاة مصالحها وسياساتها في المنطقة. فهل ستحمل واشنطن اسرائيل مسؤولية فشل سياساتها وربما تهديد مصالحها في المنطقة؟