يصرف مراقبو الحرب الأميركية والحليفة الجديدة على صدام حسين وحكمه معظم همهم الى جلاء الأسباب الأميركية، أو حتى "البوشية" او "التشينية" نسبة الى الرئيس الأميركي وإلى نائبه للحرب المزمعة والمتوقعة. فمن استتمام ما ابتدأه الأب العتيد، الرئيس الواحد والأربعون، في الحرب الأولى 1991 - 1992، وتركه الى الابن وديعة، الى المصالح النفطية الثابتة السيطرة على الاحتياط وضبط الأسعار والطارئة درء الثقل النفطي السعودي، وبينهما "الغطرسة" الأميركية المزمنة والانفراد "الأحادي" الذي تورثه القوة صاحبها - يمر التخمين والاستدلال بألوان العلل كلها. ولكنها كلها علل تدور في دائرة واحدة هي دائرة "العدوان" الأميركي وحلفائه. ويُعفى من الدخول في دائرة العلل هذه طرف الحرب الثاني وهو عراق صدام حسين وعشيرته وأصحابه وعسكره. فتنفى المسؤولية عن الطرف "العراقي"، اي المستولي على العراق وموارده وأجهزته، بذريعة ان المبادر الى الحرب والاشتباك هو وحده المعتدي، وهو العدوان كله. ومن توجه إليه وعليه العمليات الأولى هو الضحية، او المعتدى عليه. وسبق لإيران الخمينية، في 1980، ان احتجت على العراق الصدامي بالحجج التي يحتج اليوم بها جهاز الدعاوة العراقي. فنبه العراق الملالي الإيرانيين، المتربعين في السلطة منذ وقت قريب، الى ان هجوم قواته على عبادان يجبه سياسة تصدير الثورة "الإسلامية" الشيعية الى العراق، المختلط المذاهب والأديان والأقوام، وما يترتب على التصدي هذا من تقويض للدولة والسيادة العراقيين. وفي ضوء الأحوال السياسية والاجتماعية والعسكرية الظرفية، يومذاك، بدا احد دواعي إقدام العراق على مهاجمة ايران، غداة استيلاء الملا الخميني على حكمها، وربما الداعي المرجح هو حال الضعف التي انتابت الدولة المستولية الجديدة. فهي عمدت الى تدمير قوتها العسكرية التقليدية التي ورثتها عن الشاه محمد رضا بهلوي، وأججت المنازعات السياسية والأهلية داخل اجنحة الحكم المضطرب وبين اجنحة الحكم وبين المعارضة، واستعدت الأكراد والسنّة الإيرانيين، فقمعت الأولين واغتالت علماء الآخرين، وبثت الخوف في جوارها القريب. ولم تنفك قيادة ايران الجديدة، في خضم هذه الدوامة وعلى رغم تضافر عوامل الضعف على الدولة، عن تهديد جارها. فكانت المنازعات الإيرانية الداخلية، والضعف الذي نجم عنها، فجوة الفراغ التي بعثت السياسة العراقية على انتهاز الفرصة، وشبهت على القيادة العراقية يسر الاستفادة منها. فالضعف يدعو الى الحرب، ويوهم بالقدرة على حسمها سريعاً وبتكلفة قليلة. وعلى هذا فالضعف السياسي الداخلي يتحمل جزءاً من التبعة المعنوية عن الحرب التي تصيبه الدولة الضعيفة، ولو ابتدأها الجار القوي خلافاً للحق والقانون. فقد تترتب الحرب، اي الداعي إليها، على هذا الضعف، وخصوصاً على عوامله وأعراضه السياسية والاجتماعية تداعي السيادة الداخلية، حدة الأزمات، توالد الانقسامات والمنازعات من غير انصبة تحكيم، تآكل الإجماع على الهيئات.... وعلى مثال فنلندا المشهور عشية الحرب الثانية وغداتها، قد يؤدي دفاع القوة الصغيرة عن نفسها، وتماسكها السياسي والمعنوي، الى ردع الجار القوي، الاتحاد السوفياتي "العظيم" يومها، ولجم عدوانه، وإلى تقيد ميزان القوة بميزان العدالة، مضطراً. وقلما تنجح المجتمعات المضطربة والقلقة في اكتساب المناعة السياسية والحقوقية والمعنوية التي تقيها استدراج الحروب الداخلية والإقليمية، وتحميها من الوصايات والتجاذبات الدولية المتناقضة. وكان الانتباه الى الرابطة هذه، بين الاضطراب الداخلي وبين المنافسة الخارجية، الإقليمية والدولية، والتوسل بها، كانا ركناً من اركان الحرب الباردة وعلاقاتها، والسبب الأول فيما عرف بالحروب المحلية، ومعظمها اهلي وداخلي. ويكاد يجمع المراقبون على ان الشرق الأوسط، بين شمال افريقيا والمحيط الهندي، هو منذ الحرب الثانية "قوس أزمات" مزمن ومزمنة، على قول سائر لزبيغنيو بريجنسكي. وتضطلع عوامل جغرافية واقتصادية واستراتيجية معروفة بأدوار متفاوتة في توالد الأزمات وإزمانها. فالنفط، وتوسط طرق المواصلات التجارية والعسكرية أوروبا وآسيا وافريقيا جميعاً، ومحاذاة مصادر الهجرات الى بلدان اوروبا، وجوار محيطين كبيرين، ووراثة التاريخ الديني القديم، كلها تحمل القوى الكبيرة على المنافسة الشديدة على بلدان الشرق الأوسط، وتقاسم السيطرة عليها. وبإزاء هذه المنافسة تشكو مجتمعات الشرق الأوسط ودوله من تنافر عناصرها وتفاوتها، وامتناعها على الجمع والتجانس التلقائيين والداخليين. ورد احد كبار مؤرخي حوض المتوسط، الفرنسي فرنان بروديل، تخلف بلدان الحوض ومجتمعاته عن المشاركة في انعطاف تاريخ العالم الكبير - في القرن السادس عشر قرن اتساع الأرض والنهضة ونشوء الدولة والإصلاح الديني والبدايات الرأسمالية - رد التخلف هذا الى تفاوت المجتمعات والبلدان المتوسطية، اجتماعاً داخلياً وفيما بينها، وإلى تنافر عناصرها وجماعاتها. ولعل الحلم المحلي، المزمن كذلك، تارة ببسمارك عربي، وتارة اخرى بصلاح الدين معاصر، وتارة ثالثة باستئناف الإسلام الأول، صورة معكوسة لتحكم العجز عن تعبئة الموارد المعنوية والمادية وتأليبها حول قطب جامع وثابت. فتبدو الحرب علاج هذا العجز، ودواء التنافر والتفاوت الداخليين. وتُلَخص السياسة في قيادة الحرب هذه في الدوائر الثلاث، الداخلية والإقليمية و"العالمية"، والإعداد لها. فعلى الجبهة الداخلية يكاد لا يخلو بلد او مجتمع من بلدان الشرق الأوسط ومجتمعاته من صراع طويل وعميق بين الطاقم الحاكم، وداخل الطاقم الحاكم المقتصر على جماعة او عصبية غالبة وبين الجماعات والعصبيات المحكومة، وداخل الجماعات الأهلية والسياسية نفسها، القومية منها او المحلية البلدية او المذهبية او الحزبية. ويسري "معيار الصديق/ العدو" في العلاقات السياسية الداخلية و عليها. ويقوم المعيار الحربي هذا محل المعايير الحقوقية والتحكيمية والتمثيلية التي تسود العلاقات السياسية في الدولة الوطنية المندمجة والمسالمة الداخل. وتقتتل جماعات الداخل وعصبياته الأهلية على مثال مزدوج. فهي تقتتل على مثال حروب الداخل التي ينزع كل طرف فيها الى انتزاع غلبة تامة على الطرف الآخر، أو الأطراف الأخرى، من غير قيد على غلبته او انتصاره. وهي تتوسل في حربها بما تتوسل به الجيوش في حروبها الخارجية من قوة غايتها شل قوة الخصم، إذا لم يذعن لشروط خصمه. ولعل توسل قوات صدام حسين العسكرية بالغازات السامة في جزر مجنون والفاو، بإزاء القوات الإيرانية، وفي كردستان العراق، بإزاء السكان المدنيين الأكراد، في غضون عامي 1986 و1987، قرينة على توحيد الحربين، الخارجية والداخلية، في حرب واحدة. وحين قمعت بعض القوات الحكومية والأهلية، في اليمن الجنوبي عام 1986، القوات الحكومية والأهلية "المتمردة"، كانت محصلة الخسائر، في اسبوع واحد، عشرة آلاف قتيل. وقتل ضعفا هذا العدد في حرب اليمن الواحد، في 1994. ولم يُحص الى اليوم عدد قتلى حماه السوريين في آذار مارس 1982، ولا قتلى ايلول سبتمبر في 1970 بالأردن. ولكن الوحدة الإحصائية هي عشرة آلاف قتيل. وترتفع هذه الوحدة الى المليون في حال السودان، فيبلغ عدد الخسائر البشرية، في المحصلة الأخيرة، المليونين. وهؤلاء قتلوا في العشرين سنة الأخيرة، من 1983 إلى اليوم، عشية مشاكوس. وقتلت الحرب "الإسلامية" في الجزائر نحو 180 ألفاً. في عقد واحد، 1992-2002. فهي تقارِن، من باب العدد، ما قتلته الحروب الملبننة في عقد ونصف العقد 1975-1990، وبلغ عدد ضحاياها، يومها، نحو 160 ألفاً، 145 ألفاً من القتلى و16 ألفاً من "المفقودين". ويبدو المصريون الألف الذين قتلوا في العقد الأخير، في السجل المقيت هذا، خفافاً، وأمارة على انحسار العنف الأهلي والسياسي، شأن نظيرهم في سورية والأردن وليبيا والخليج. وكان ليصدق الأمر لولا عدد السجناء الذي بلغ، في بعض الأوقات، 90 ألفاً، في بعض السجون "الوطنية"" ولولا تطاول مدد السجن السياسي عقوداً لم تقل، في بعض الأحيان، عن ثلاثة" ولولا ان مدد السجن هذه عمت المئات من المجهولين والمكتومين" ولولا، أخيراً، سريان حال الطوارئ، وقوانين تجرم الرأي وتقضي في صاحبه بالقتل، فعل أم لم يفعل، من غير ان تربط حال الطوارئ والقوانين هذه بمدد انقضاء أو بشروط بطلان. ومثل هذه الحروب الداخلية قادت بلدانها ومجتمعاتها إلى منازعات أو حروب إقليمية كثيرة، ولا تزال تقودها الى هذه وتلك. فلا ينفك الداخل من سطوة الخلافات بين الدول، وكثيراً ما يفضي إليها، وينفخ فيها. فالمنازعات اللبنانية - "العربية" والفلسطينية - "العربية"، والأردنية - السورية في 1970، وفي 1979 كادت تقع حرب إقليمية لا شأن لها ب"القضية" الفلسطينية، والعراقية - السورية، والعراقية - الخليجية، والخليجية - اليمنية، والمصرية - الليبية، والسودانية - المصرية، والليبية - التونسية، والجزائرية - المغربية، بقيت كامنة في معظم الأوقات. ولكنها لم تفتأ تنفجر، في ربع القرن الأخير، غارة خاطفة، أو أزمة مسلحة متطاولة، أو اغتيالاً، أو وصاية ثقيلة لا تختلف في شيء عن الاحتلال، أو "تصفية" داخلية جراء تواطؤ مع الدولة "الشقيقة"، أو حرباً معلنة. ولم تحل "مركزية" المسألة الفلسطينية، على ما يقال، بين الدول وبين الاقتتال وتبييت العداوة، أو جهرها غالباً. فكانت الحروب الكبيرة والمتعمدة، إذا استثنيت "حرب أوكتوبر" 1973، حرب الخليج الأولى العراقية - الإيرانية والحرب الثانية العراقية - "الكويتية" فالدولية. وانقسمت الدول في كلتا الحربين حزبين. وتعاون كل حزب مع دولته المحاربة، وحاول شق الصف الوطني والداخلي في دول الحزب الخصم. فتعرجت خطوط العلاقات الإقليمية وتشابكت تحت وطأة نزعات واعتبارات متضاربة ومتنافرة. واختلط التضامن "الفلسطيني"، أو المناوئ للدولة العبرية، بالعداء "الإيراني"، أي بالتحالف على إيران الخمينية جبهاً لتهديدها عدداً من البلدان، من طريق جماعات موالية أو من طريق منظمات عسكرية ناشئة. وأُعمل "معيار الصديق / العدو" في المنازعات هذه، شأنه في المنازعات الداخلية والأهلية. و حملت المنازعات بين الدول على المنازعات الأهلية. فأنكر المتحاربون المساواة بينهم، ولم يقروا بتمتع المحاربين بكيانات سياسية وحقوقية أو بسيادة ثابتة. ولا أقروا بما يترتب على السيادة هذه من حرب محدودة هي حرب الأقران والأنداد. فصدرت الحرب، المعلنة أو المواربة، عن حقوق قومية تاريخية تفضي، في آخر المطاف، إلى محق سيادة الدولة المغلوبة، وإلى شق جماعاتها، ونصب الحرب الأهلية ميزاناً إذا جاز القول لعلاقات الجماعات بعضها ببعض. وأبطل هذا المعيار الذي يحول، بحسب كلاوزفيتز منظر الحرب الكبير، بين الحرب وبين جنوح المتحاربين إلى الإبادة المتبادلة. وهذا المعيار هو المساواة الحقوقية. فالدول، أي الكيانات الوطنية، يعقل حروبها، ويقيدها إقرارُها المتبادل برسوها على كيانات وطنية مستقلة وسيدة، وبتمييز المدنيين من العسكريين، وبقوانين معاملة الأسرى فلا يقتلون، ولا يستعملون في محاربة أهلهم، ولا يقسرون على تغيير معتقداتهم، ولا تكتم جثتهم...، وإدانة الاستيلاء على الموارد. ويقيد المنازعات الداخلية استواء الجماعات الوطنية سواسية. وهي لا تستوي على هذا النحو إلا إذا انحلت إلى أفراد يتساوون في الحقوق والتبعات. فإذا استظهر المتحاربون، أو أحدهم، بصدوره في حربه عن مرتبة "قومية" أو مذهبية أعلى من مرتبة خصمه، وأقرب إلى "الحق"، لم يلق ما يمنعه من استتباع الخصم، أي الحط به إلى تابع وقاصر، أو إبادته. والحروب التي يضمر أصحابها مثل هذه الغاية حروب لا تنتهي، على غرار الحروب الملبننة أو مثال إقامة عراق صدام حسين على حروبه منذ عقدين من الزمن. وكانت الحروب النابليونية حروب إبادة حصدت ثلاثة ملايين قتيل على هذا القدر أو ذاك، شأن الحروب الهتلرية والسيطرة العنصرية الأوروبية في المستعمرات. وانطواء سياسة قومية أو دينية على مثل هذا الوجه يبعثها لا محالة على الدوام والاستئناف. فإذا حسب أرييل شارون أن "حرب الاستقلال" الإسرائىلية لم تنته، دعاه حسبانه إلى استئناف الاستيطان والتوسع، ومنعه من بناء سور واقٍ فعلاً على حدود فلسطينية وإسرائيلية حظّها من القبول راجح. وليست استطالة الحروب هذه هي سمتها الأظهر ربما، بل توسلها في المنازعات الإقليمية والداخلية بوسائل الدائرة الثالثة من الحروب وهي دائرة الحرب في "أرض السباء"، أو "السيبة". وكانت الجيوش الأوروبية تخوض مثل هذه الحرب في تعقب القراصنة بحراً، وقطاع الطرق براً. ونجم العنف الاستعماري عن إنزال بلدان الفتوح، وأهلها، منزلة أرض السباء والقرصنة وقطع الطريق. ففي هذا الضرب من الحرب لا يُنهى عن شيئ، على شاكلة الاقتصاص العلني من المجرمين والقتلة في عصر لم يتقادم عليه الزمن كثيراً من السلخ وتقطيع الأوصال الأوروبيين إلى الخازوق العثماني. والحق أن دوائر الحرب الثلاث هذه نزعت تدريجاً إلى الاقتصار على دائرة واحدة يسودها المثال الديموقراطي والكوسموبوليتي، الحقوقي والقانوني. ويلتمس هذا المثال، في آخر مطافه أو تمام مطافه التاريخي، طيَّ الحرب بما هي علاقة سياسية، أو سياسة تتوسل بوسائل غير الوسائل السياسية، بحسب تعريف كلاوزفيتز السائر. وتميل الدول الأوروبية اليوم، وهي تحسب أنها بلغت حد الدائرة التي ابتدأتها معاهدة فيستفاليا قبل قرنين ونصف القرن، وأرست معالم "النظام الأوروبي" وقواه المتوازنة والمتساوية قانوناً، وأنجزت تحوله إلى قانون علاقات دولي. فتتردد في الموقف الألماني الرسمي أصداء المساواة بين العلاقات السياسية الداخلية وبين العلاقات السياسية الخارجية. وتطرح الحرب من هذه وتلك على حد واحد. فيصح في الدول، وفي المجتمع الدولي، بحسب رأي المستشار الألماني شرودر، الاحتكام إلى "الحجة الأرجح"، على قول أحد كبار المفكرين الألمان المعاصرين وداعية "الأخلاق الإجرائية". ويقلل هذا الرأي من ثقل الواقعة السياسية الدولية قياساً على الواقعة السياسية الفردية والداخلية. فدولة الحق والقانون والتحكيم والتمثيل نشأت عن تجريد المواطنين الأفراد من السلاح، وقصرت السلاح والعنف على القوة الشرعية. وهذا ما لم يحصل، ولا يعقل اليوم حصوله في الدول التي يأتلف منها المجتمع الدولي إن في إطار الأممالمتحدة أو في إطار منظمات إقليمية. فالقول ان الحرب، ويقصد بها الحرب الوقائية الأميركية على وجه الخصوص، نكوص إلى نظام دولي "تاسع عشري" على قول مؤرخ أميركي، وارتداد عن النازع الديموقراطي والصبغة الديموقراطية الآخذة في الغلبة على العلاقات الدولية، هذا القول يغفل واقع العلاقات الدولية، من وجه، ويتناسى صدوره عن التجربة الأوروبية في الحربين "العظميين" أو العالميتين، من وجه آخر. ونبه روبرت كوغن وفرنسيس فوكوياما، الأميركيان كذلك، إلى ان الأمن الأوروبي الجماعي والمستقر منذ نصف قرن، وغداة المجزرتين العظميين، ما كان له ان يستقر أو يستتب لولا مرابطة ثلاثمائة ألف جندي أميركي، مع ذخائرهم النووية المحمولة، علي الأرض الأوروبية، وجعلهم الأرض الأوروبية "حمى"، وقيامهم منها ومن أهلها ودولها ومجتمعاتها مقام الدرع الواقية والرادعة بإزاء القوة السوفياتية. ولا يحسم هذا مسألة عراق صدام حسين، بديهة، ولا يدعو الى حربه. ولكن معالجة المسألة على شاكلة الدعوة السوفياتية إلى "السلم"، أو شاكلة "حركة أنصار السلم" وهي حركة كانت تجمع الأنصار في الغرب، بينما الصواريخ النووية تنصب في بلدان يستبد في حكمها طغاة مجربون وعتاة - تتستر على أحوال الحرب في البلدان والمجتمعات العربية المعاصرة. والتهويل المحلي بنتائج الحرب، إذا وقعت، قريب من صدور الدعوة إلى العفة عمن لم يستحيوا يومياً من أنواع الهتك كلها. * كاتب لبناني.