هناك طرفان بالغا التناقض قاطعا الانتخابات في المغرب. الأول هو حزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي، الذي ولد عام 1983 من انشقاق عن الاتحاد الاشتراكي. والثاني هو جماعة العدل والاحسان غير المعترف بها رسمياً ويعيش زعيمها الروحي الشيخ عبدالسلام ياسين في دارته في سلا تحت رقابة مشددة لا تمنعه من الالتقاء بأنصاره لكنها تضطره إلى الحد من حركته. حزب الطليعة لم يكتف ببيان يعلن فيه مقاطعة الاقتراع، بل قام بحملة جماهيرية للدعوة إلى المقاطعة، وتبدو نسبة المشاركة في التصويت كأنها "انتصار" له. أما جماعة العدل والاحسان فلم يكن مطروحاً أن تشجع على التصويت أو المقاطعة، لأنها في موقع يقصيها عن العملية الانتخابية. رئيس حزب الطليعة أحمد بن جلون يعتبر أن نداء المقاطعة كان "تعبيراً عن غالبية محبطة من المسلسلات الانتخابية المزورة، وما حصال أمس لم يكن عزوفاً عن المشاركة وإنما نفوراً منها. فالناس جربوا هذه اللعبة وجربوا الأشخاص وعرفوا أن ما سمي تناوباً ديموقراطياً إنما هو تناوب ممنوح ومخزني" المخزن هو الدولة أو الإدارة والسلطة. ويرى الناطق باسم "جماعة العدل" فتح الله ارسلان أن الخريطة السياسية التي تفرزها الانتخابات هي التي يقررها المخزن، ولا حزب يحصل على غالبية، إذاً ستكون حكومة فسيفسائية، أي حكومة ضعيفة، ولا حزب يستطيع أن يطبق برنامجه وإنما سنجد خليطاً من البرامج، ولكن الجميع يعرف أن الحكومة لا تخطط ولا تحكم، فلكل قطاع "لجنة عليا تصنع له القرارات". ويقرّ بن جلون بأن السلطة مارست الحياد هذه المرة، لكنه يلاحظ أنها "تركت الحبل على الغارب ففتحت الباب لكل أنواع الخروقات التي ارتكبتها الأحزاب كافة، من استخدام الأموال أو استخدام العنف بواسطة العصابات، إلى استعمال وسائل وتجهيزات وأبنية عمومية، ولم يكن هناك ردع فاعل للخروقات أي أن السلطة مارست الحياد السلبي لتحصل على نتائج يسهل التحكم بإدارتها في ما بعد لأنه لا يمكن استخراج أكثرية برلمانية فاعلة ومتجانسة معها". أما أرسلان فيقوّم تجربة الحكومة الحالية مستنتجاً أن الأحزاب "فقدت قاعدتها وأصبحت أجهزة فوقية"، لكنه يستثني حزب العدالة والتنمية الإسلامي مشيراً إلى أن لديه "مناضلين يعملون كما عمل اليساريون سابقاً"، ويضيف: "نختلف معهم في توجههم إلى الإصلاح من الداخل، ونعتبر أن هذه مرحلة تجاوزها المغرب. فهذا ما كان يطرحه اليسار بدعوته إلى عدم ترك الكراسي فارغة، وإلى العمل لإصلاح النظام من داخله لكن الذي حصل أن النظام هو الذي أصلحهم من داخلهم واستقطبهم". لكن نظرة الأحزاب الأخرى إلى "العدل والاحسان" تتفق على أن الجماعة تكتفي بانتهاج السلبية وترفض النظام متجاهلة أن غالبية الشعب ترتضيه ولا تعتبر أولويتها في تغييره وإنما في تحسين الأوضاع المعيشية وتطوير الدولة وقطاعات الانتاج لتتمكن من مواجهة الأعباء الملقاة على عناصر المجتمع كافة. ومن الواضح أن نداء المقاطعة من حزب الطليعة لا يكتفي بالسلبية، إذ أن بن جلون يطرح جملة متطلبات أساسية يمكنها أن تجعل الاستحقاق الانتخابي أبعد ما يكون عن "المهزلة"، فالمطلوب "اصلاحات دستورية وجهاز تنفيذي قوي وفصل حقيقي بين السلطات واستقلال حقيقي للقضاء، وكل ذلك ممكن انطلاقاً من الدستور الحالي، إذا توفرت الجدية، وإلا فإننا سنشهد استمراراً للمسلسلات الانتخابية المزورة بطريقة أو بأخرى". وعلى رغم أن الطليعة لا يلتقي مع العدل والاحسان في أي طرح سياسي، إلا أنهما عبرا في الانتخابات الأخيرة مع جهات أخرى حركة النهج الديموقراطي وجمعيات امازيغية وإسلامية عن تيار كبير وعميق في المجتمع المغربي فقد ثقته في اللعبة السياسية القائمة ولم يجد في تجربة الأحزاب في الحكم ما يبدل انطباعاته وقناعاته.