توجه الناخبون المغاربة أمس إلى صناديق الاقتراع لانتخاب 325 عضواً في مجلس النواب لولاية تدوم خمس سنوات. ووسط مخاوف من تدني نسبة المشاركة، أعلنت مراجع رسمية اتخاذ اجراءات صارمة في مواجهة أي خروق أو انتهاكات لقوانين تنظيم الانتخابات. وقال مصدر في وزارة الداخلية إن اجراءات عقابية اتخذت ضد عاملين في الإدارة نتيجة تورطهم في سلوكات منافية للحياد. وشملت هذه الاجراءات نحو 30 من العاملين في الداخلية. وفيما فتحت السلطات القضائية تحقيقاً حول تجاوزات في مدينة بركان شمال شرقي البلاد، دانت محكمة في القنيطرة شمال العاصمة الرباط متهمين في نزاع بين مناصري مترشحين بالسجن لفترة عامين، واعتقلت السلطات مناصرين لأحد المترشحين في مدينة صفرو، شمال فاس، قالت إنهم كانوا يوزعون أموالاً للتأثير على الناخبين. وعرفت مناطق أخرى، مثل تيفلت شمال الرباط وطانطان على الساحل الأطلسي، بعض أعمال عنف، وتردد أن ملثمين هاجموا أنصار أحد المرشحين. إلى ذلك، وصف رئيس الوزراء المغربي السيد عبدالرحمن اليوسفي أجواء اقتراع أمس بأنها "مطمئنة" وتدعم التوجه الديموقراطي في البلاد. وعبر في تصريح صحافي لدى ادلائه بصوته في دائرة في الدار البيضاء، عن أمله في أن تكون الديموقراطية المنتصر الرقم واحد في التجربة. في حين رأت مصادر في اختياره الدار البيضاء للتصويت ايحاء بالانفتاح على عالم التجارة والاقتصاد، إذ تشكل المدينة مركز الثقل الاقتصادي للبلاد، لكنها عرفت انشقاقاً داخل الاتحاد الاشتراكي على خلفية انعقاد مؤتمره الأخير هناك. وصرح السيد عباس الفاسي، زعيم حزب الاستقلال وزير العمل، ان الاستحقاقات "ستشكل قطيعة مع الماضي"، في إشارة إلى مآخذ حزبه على التجارب الانتخابية السابقة. وأعرب السيد عبدالمجيد بوزوبع، الأمين العام للمؤتمر الاتحادي، عن أمله في أن "تعزز التجربة الراهنة موقع المغرب في الخارج وتدعم الجبهة الداخلية". ووصف زعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي الدكتور عبدالكريم الخطيب، أجواء الانتخابات بأنها كانت عادية حتى الصباح. وتمنى أن يحقق حزبه "نتائج مهمة". أما زعيم تجمع الأحرار أحمد عصمان فقد وصف اقتراع أمس بأنه يسير في اتجاه "افراز خريطة سياسية جديدة وسيكون لمجلس النواب صدقيته". لكن زعيم الحركة الوطنية الشعبية المحجوبي احرضان صرح بأن "استخدام المال الحرام في الانتخابات غير معقول". وقال إن الخروق جاءت من أشخاص "كنا نظنهم أخياراً". وأعرب زعيم الحركة الشعبية محند العنصر عن مخاوفه من تسجيل نسبة مشاركة ضعيفة، وقال ان من الصعب التكهن بنتائج حزبه في اقتراع من هذا النوع. وأضاف "لم نتبلغ حتى صباح اليوم أمس حدوث اشياء خطيرة باستثناء خروقات محدودة". ووصف السيد محمد اليازعي الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي بالانابة الاقتراع بأنه "عادل". وأضاف: "لن نعرف الخريطة السياسية حتى السبت. غير أن قوة سياسية متجذرة في الساحة ستسجل نتائج توازي حضورها". لكن السيد علي بلحاج، زعيم رابطة الحريات، وصف الخروقات بأنها "صدرت عن المرشحين وليس الإدارة"، وأضاف: "لكنها أقل أهمية وبمثابة أمور عادية في الانتخابات". الى ذلك، قال سياسي مخضرم ل"الحياة" ان الأهم في نمط الاقتراع بالقائمة في انتخابات أمس انه "خلخل الخريطة السياسية" في البلاد. وتوقع ان تختفي معالم هيمنة هذا الحزب أو ذاك من مراكز النفوذ التقليدية. ووصف الاقتراع بأنه قد ينحو في اتجاه "معاقبة التحالف الحكومي" ازاء التعاطي مع الملفات الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً لدى فئات الشباب والشرائح المهمشة، ورأى ان الجانب السياسي من أداء حكومة اليوسفي يدفع في اتجاه حيازة بعض المتحالفين ضمنها، وفي مقدمهم الاتحاد الاشتراكي وتجمع الأحرار والاستقلال، على مقاعد مريحة بعض الشيء، لكن في حدود توقع ان أي تيار لن يحوز الغالبية. ورأى ان حزب العدالة والتنمية الاسلامي قد يفيد من فترة انتقاله الى معارضة الحكومة في العامين الماضيين، وان ذلك قد يؤهله لحيازة مقاعد أكثر من انتخابات 1997. ورجح ان يتأثر الاقتراع بتأثر الاسلاميين بالموقف الاقليمي من خلال تجربة الجزائر والموقف الدولي في سياق تداعيات "الحرب ضد الارهاب". ورأى المصدر ذاته ان نسبة عدم المشاركة، مهما كانت، لا تعني اندراجها في موقف المقاطعة الذي دعت اليه أحزاب يسارية صغيرة والتزمته جماعة العدل والاحسان المحظورة، لكنه ناتج عن "استشراء فقدان الأمل". وتوقع السياسي المغربي ان تفيد الحكومة المقبلة من هذه الثغرات، خصوصاً في الملفات الاقتصادية والاجتماعية. وعلمت "الحياة" ان اجتماعات تشاورية انعقدت في اليومين الأخيرين بين بعض الزعامات السياسية لاستقراء الوضع، لكنها لن ترتدي طابع التحالف الا بعد ظهور نتائج الاقتراع. وان كان لافتاً ان قيادات الاتحاد الاشتراكي، على رغم الضربة التي تلقاها الحزب في مؤتمر الدار البيضاء، بدت اكثر تفاؤلاً في امكان قيادة الاشتراكيين طبعة قادمة من حكومة التناوب، مع امكان تغيير التحالف. وقال مسؤولون في أحزاب جديدة انهم يتوقون الى حيازة ما يخول بعض هذه الاحزاب لتشكيل كتل نيابية اي حوالى 14 مقعداً. لكن ذلك لن يكون سهلاً نظراً الى اتساع رقعة الدوائر وصعوبة المنافسات. وافادت تحليلات ان نمط الاقتراع بالقوائم يفيد المرشحين الرئيسيين، وقد يفسح في المجال أمام نجاح ما بين 2 أو 3 أو حتى 4 مرشحين في المنطقة الواحدة في حال تقارب الارقام التي يحصل عليها المرشحون، الأمر الذي يفسر عدم احدام المنافسات بين مرشحين من أحزاب شبه متقاربة مع بعضها. إلا ان حظوظ الاشتراكيين، وحتى بعض التيارات المحسوبة على اليسار، قد تعزز من خلال قوائم النساء. اذ يراهن الاشتراكي على حيازة نحو ربع المقاعد. ويُتوقع ان يستفيد حزب العدالة والتنمية بدوره من قوائم النساء ويُعزّز وضعه في البرلمان المقبل.