تحولت انتفاضة الأقصى في عامها الثاني الى حرب طاحنة بين طرفين غير متكافئين عسكرياً بعد ان بدأت بحركة مقاومة شعبية وسيلتها المركزية الحجر. وللمرة الأولى في الصراع العربي - الاسرائيلي باستثناء الحروب قاربت نسبة القتلى بين الطرفين 3:1 بسقوط 1897 شهيداً فلسطينياً مقابل 613 قتيلاً اسرائيلياً، فيما كانت هذه النسبة 10:1 في بدايات الانتفاضة. ورافق ذلك تدمير اسرائيلي منهجي لمقومات المجتمع الفلسطيني الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية واضرار مادية جسيمة لحقت بالاقتصاد الاسرائيلي، وسجلت سوابق تاريخية منذ انشاء الدولة العبرية. عشية بدء العام الثالث لانتفاضة الأقصى، يعتقد الفلسطينيون والاسرائيليون ان الانفجار الذي اشعلت فتيله الزيارة التي قام بها زعيم المعارضة اليمينية الاسرائيلية آنذاك، رئيس الحكومة الحالية ارييل شارون لباحة المسجد الأقصى، كان حتمياً بعدما فشل خيار وقف الصراع من طرف واحد من خلال اتفاقات اوسلو المرحلية، وبعد مواصلة عمليات التوسع الاستيطاني واحتلال معظم المناطق الريفية، وفشل قمة كامب ديفيد في صيف عام 2000. ومع صعود اليمين الى سدة الحكم في اسرائيل وشروع قادة أركان الجيش الاسرائيلي بإخراج خططهم العسكرية المعدة منذ سنوات، كما كشف لاحقاً، من الادراج، وتسارع وتيرة الرد الفلسطيني العسكري بما فيه العمليات العسكرية والتفجيرية داخل "الخط الأخضر"، شن شارون حربه "على مراحل" وجدت لها ترجمة في المسميات المختلفة للعمليات العسكرية بدءاً من "الكرة الملتهبة" مروراً "بالسور الواقي" و"الطريق الحازم" وآخرها "مسألة وقت" التي ما زالت قائمة، رافعاً شعار "ان لا حل مع الفلسطينيين إلا عبر مدفع الدبابة فقط". وابرز مفاصل هذه الحرب: - توسيع المستوطنات القائمة لجهة السكان والأرض بنسبة 60 في المئة، وبناء 47 مستوطنة جديدة ليتضاعف عدد المستوطنات التي شيدت منذ التوقيع على اتفاقات اوسلو. - ضم 42 في المئة من الضفة الى المستوطنات التي لا تزيد مساحتها المبنية 1.7 في المئة. - تقسيم المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية الى أكثر من 300 معزل وحرمان الفلسطينيين بشكل مطلق من استخدام شوارعهم وطرقاتهم. - رفع وتيرة الاغتيالات والاعتقالات لقادة الانتفاضة من التنظيمات المختلفة كمقدمة للاجتياح الشامل واعادة احتلال مناطق السلطة. - اعتبار الرئيس ياسر عرفات "غير ذي صلة" وحصاره داخل مقره 6 مرات في أقل من سنة. - اعلان شارون رسمياً "موت" اتفاقات اوسلو وتلك الموقعة بعد التطبيق العملي على الأرض. - احياء فكرة "أرض اسرائيل الكبرى" والاعلان ان هذه الأرض بما فيها الضفة وقطاع غزة ملك لليهود فقط ويمكن للعرب ان يقيموا فيها. وبلغت حرب شارون على الفلسطينيين ذروتها في 29 آذار مارس الماضي بعد موجة من العمليات التفجيرية، وبدأت تفاصيلها بالتكشف بشهادات الجنود الاسرائيليين انفسهم الذين اكدوا فيها بشاعة ما نفذته اياديهم ضد الفلسطينيين، بما في ذلك الأوامر العسكرية "بضرب الفلسطينيين حتى الموت" كما كشف جنود من وحدة "غولاني" المختارة على التلفزيون الاسرائيلي في مقتطفات من فيلم حذفت الرقابة العسكرية معظمه. وذكرت أحداث نابلس ومخيم جنين ورام الله وغيرها من مناطق الضفة بأفعال "التتار" بما حملته من دمار وتخريب طاول مناحي الحياة الفلسطينية كافة وشمل حملة اعتقالات جماعية غير مسبوقة طاولت ايضا القادة السياسيون، وفي مقدمهم أمين سر حركة "فتح" في الضفة مروان البرغوثي. وما ان أعلنت اسرائيل "الانتصار" حتى استأنفت العمليات التفجيرية وانتقل المستوى العسكري الى تشييد سور واق من الحديد والاسمنت يقتطع المزيد من الأراضي الفلسطينية ويفصل المزارعين الفلسطينيين عن اراضيهم. في غضون ذلك، كشف استطلاع للرأي العام الفلسطيني أُجراه مركز القدس للاعلام ان 80.6 في المئة من الفلسطينيين يؤيدون استمرار الانتفاضة والعمليات العسكرية. وبعد ان تدنت شعبية عرفات في اعقاب صفقتي "المقاطعة" و"كنيسة المهد" في أوج الاجتياح الكبير الأول في نيسان ابريل الماضي، عادت شعبيته لترتفع في ظل حصاره في مقره منذ اسبوع. وفي عامها الثاني، برزت بقوة مسألة البحث عن "بديل" للرئيس الفلسطيني، وسجلت بوادر خلافات داخل حركة "فتح" التنظيم الرئيسي وانقسامه إلى ثلاثة معسكرات: معسكر على يمين عرفات نفسه، يسعى الى وقف الانتفاضة، لكن وفقاً لمحاذير محددة، والمعسكر "الوسطي" الذي يترأسه عرفات نفسه. اسرائيلياً، ما زالت الحكومة الاسرائيلية تعد كما جاء على لسان شارون لإعادة احتلال قطاع غزة لاستكمال المشهد الذي كانت عليه المنطقة عشية الانتفاضة الشعبية الأولى. كما تصر على ابقاء عرفات في "عزلته"، بينما فشلت الحملات العسكرية كافة في وقف الانتفاضة أو العمليات التفجيرية. اما الفلسطينيون، فيسجلون انجازين لصالح الانتفاضة أولهما أول اعتراف اميركي واضح بضرورة اقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة كما ورد على لسان الرئيس جورج بوش، والوحدة الوطنية بعد الانقسام في اعقاب اتفاقات اوسلو.