اختتمت مساء الأحد الماضي الدورة التاسعة والخمسون لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي بفوز فيلم "أخوات المجدلية" للمخرج البريطاني بيتر مولان بجائزة الأسد الذهبي. ولم يرد للسينما العربية في هذه الدورة إلا ذكر بسيط من خلال فيلم "صندوق عجب" للمخرج التونسي رضا الباهي الذي عرض خارج المسابقة الرسمية. وعلى عكس ما اعتيد عليه في السنوات السابقة، إذ كان تسليم الجوائز يعني إغلاق ملف المهرجان وطي صفحاته والعودة الى الحديث عنه فقط خلال الربيع التالي، فإن هذه الدورة من المهرجان ستكون، لأسباب عدة، مادة لجدل وسجال كبيرين بدءاً من إناطة الإدارة إلى مدير المهرجانات السويسري المخضرم موريتز دي هادلن، الذي تمكن في وقت قياسي أربعة شهور فحسب من إنجاز برنامج كامل، لكنه عجز عن إقامة المهرجان بمعناه الاحتفالي، مروراً بالجدل الذي أثير حول السينما العربية وحول الجزء الذي أنجزه الفنان يوسف شاهين ضمن العمل "الكورالي" حول أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر، وصولاً إلى الفيلم الذي منحته لجنة التحكيم الدولية للمهرجان والتي ترأستها النجمة الصينية غونغ لي جائزة الأسد الذهبي. وإذا كان ملف الإدارة سيطوى بالفعل، وسيرجأ الحديث عنه إلى وقت لاحق، فإن القضيتين الأخريين سيستمر الحديث فيهما طويلاً. فبينما ينشغل العالم الغربي المسيحي بأسره، بمصير المواطنة الأفريقية صفية التي كانت محكمة عشائرية حكمت عليها بالرجم، فإن فيلم "أخوات المجدلية" يأتي صفعة مؤلمة وقاسية لحقبة طويلة من تاريخ الكنيسة الكاثوليكية التي حجزت حريات الكثير من النساء أكثر من ثلاثين ألفاً في بريطانيا وحدها وعرضتهن إلى التعذيب والمهانة والموت في ظروف لا إنسانية، بدعوى "الخطيئة". ويتناول بيتر مولان هذا الملف بشجاعة يحترم عليها، مؤكداً عدم تخوفه من انتقادات الفاتيكان أو الكنيسة الكاثوليكية "لأن فيلمي ليس ضد الدين أو الكنيسة بل ضد تجاوزات رجال الدين" و"على الكنيسة ألاّ تطالب الناس بطلب المغفرة بتقديم الاعترافات حول الخطايا الصغيرة، بل عليها أن تعترف بأن ما أعرضه في الفيلم كان موجوداً بالفعل وأن على الكنيسة أن تطلب الصفح والغفران عنه". موعد جوائز دائم ويبدو بيتر مولان وكأنه على موعد دائم مع الجوائز في المهرجانات الكبرى. فبعد حصوله قبل سنوات على جائزة أفضل ممثل في مهرجان "كان" السينمائي الدولي عن دوره في فيلم "إسمي جو" من إخراج كين لوتش الذي كان أداره في فيلم "رف راف"، فاز في العام نفسه 1998 فيلمه الروائي الطويل الأول "أيتام" بجائزة أسبوع النقاد في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، ليسجل دخوله ضمن الأصوات السينمائية المتميزة في خريطة السينما الأوروبية، إضافة الى ما كان أنجزه أستاذه كين لوتش باتجاه ما اصطلح على تسميته ب"نهضة السينما البريطانية". وقلما تمكنت لجنة تحكيم دولية في المهرجانات الكبرى من إصدار قرارها بمنح الجائزة الأساسية من تحقيق إجماع كبير حول الفيلم الذي منحته الجائزة بقدر ما تمكنت من ذلك اللجنة الدولية التي ترأستها النجمة الصينية غونغ لي التي سبق وأن فازت بجائزة "الأسد الذهبي" عن فيلم زوجها السابق تسانغ ييمو "الفوانيس الحمراء" وبجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم "حكاية كيو جو" من إخراج ييمو نفسه. منافسو مولان في هذه الدورة كانوا قلة ضئيلة، لكنهم كانوا على قدر كبير من الأهمية ونالت أفلامهم بالفعل الجوائز الأخرى، فكما كان توقع هذا الملحق يوم الجمعة الماضي، فقد حصل المخرج الروسي الأصل آندريه كونتشالوفسكي على "الجائزة الخاصة للجنة التحكيم الدولية" عن فيلمه "منزل المجانين" الذي يصور فيه العالم الذي نعيشه اليوم كما لو كان مصحاً للأمراض العقلية. وكانت ممثلته الشابة الجميلة جوليا فيستوفسكي مرشحة قوية لجائزة أفضل ممثلة التي منحت إلى النجمة الهوليوودية جوليان مور عن دورها في فيلم "بعيداً من الفردوس". وهذه هي الجائزة الوحيدة التي عادت بها السينما الأميركية من المهرجان بعد أن كانت تتنافس على أكثر من جائزة، وبالذات في مجال التمثيل النسائي من خلال النجمة المكسيكية سلمى حايك التي أدت دور فريدا كالو من إخراج جولي تيمور. وكانت السينما الأميركية تسعى أيضاً إلى تحقيق نجاح كبير من خلال شريط الحائز على الأوسكار ب"الجمال الأميركي" سام مينديس الذي جاء إلى الليدو برفقة توم هانكس بطل فيلمه "الطريق إلى برديشين" والذي أدى البطولة إلى جانب النجم الكبير بول نيومان، إلا أن الفيلم ونجميه الكبيرين اللذين أديا دوريهما ببراعة وجمال خارقين، لم يدخلوا ضمن القائمة المتنافسة على الجوائز، كما لم يدخل الفيلم الفرنسي الجميل "رجل القطار" لباتريك ليكونت الذي منح جائزة الجمهور. قضايا ملتهبة وكما اعتبر فيلم "واحات" للكوري لي تشانغ دونغ منذ لحظة عرضه منافساً قوياً على الأسد الذهبي فقد فاز مخرجه بجائزة أفضل مخرج، كما فازت ممثلته الشابة مون سو - ري بجائزة ماتشيللو ماستروياني لأفضل ممثل شاب. أفلام أخرى مثل "فوهرر إيكس" للألماني وينفريد بونينغيل و"عراة" لدوريس دوري حققت حضوراً كبيراً وقدمت قبل كل شيء سلسلة من القضايا الملتهبة التي تجتاح عالم الشبيبة الأوروبية اليوم، ومنها بالذات ما ظهر في فيلم "فوهرر إيكس" من الأسباب الكامنة وراء صعود الحركات النازية الجديدة وانتماء الشباب إليها، إضافة إلى تقديمهما مجموعة جديدة من الممثلين الشباب. وما يؤسف له حقاً هو خروج فيلم "قضايا محبوبة ممنوعة" من إخراج ستيفان فريرس من منطقة الجوائز وبالذات خروج بطله الأسود تشيويتيل إيجيوفورو الذي أدى دوره إلى جانب النجمة الفرنسية الصاعدة أودري توتو، والذي كان يتوقع أن يتنافس على جائزة التمثيل الرجالي التي منحت، عن استحقاق، إلى النجم الايطالي الشاب ستيفانو اكورسي عن دوره الصعب الذي شخص به فترة من حياة الشاعر الإيطالي "القلق" دينو كامبانا وحبه العاصف مع الكاتبة سيبيلا أليرامو في مطلع القرن الماضي. والفيلم بعنوان "رحلة إسمها الحب" من إخراج المخرج والممثل ميكيلي بلاتشيدو وبطولة النجمة الإيطالية لاورا مورانتي، الى جانب أكورسي.