"كأنَّ قلوبَ الطير رطباً ويابساً على وكرها العُنَّابُ والحشف البالي" * * * كأن لمْ تكُنْ، يا امرأ القيس، مستبدّاً أن تقول" أنا المثنّى الفَردُ الذي خَرجَ من عَباءةِ طَلَلٍ لا يَعرفُ أن يُؤاخيَ إلاّ القَصِيَّ أو يُفارقَ إلاّ القمم تَؤمّهُ الكثبانُ والأيائلُ وتَنضَحُ بين ساقيهِ إناثُ الدِّمقس وعذارى الهياكل المثنى الذي ماتَ طللاً طللاً في قوافيه تتهدج البراري لا حدأةَ لا رِخَّ يُنقّرُ وجهَهُ أو يخدشُ رخاءَهُ... * * * قِفا... يا امرأ القيس أنتَ والحتفَ الذي استردّك قِفا، أنتَ والصوتَ الذي قَادك قِفا أنتَ والغربةَ التي آختكَ لتُغذّا السير كالجِمالِ في الأثر ثُم إبكِيا وانهِلا ما تَيسّرَ من المُدى قبل أن تُعرِّجا لتُنشِدا وكأن لم، يا امرأ القيسِ تكُنْ في سَكَراتِكَ خِباءً حَملْتَ له الليلَ والنهارَ وسائدَ تَحتَ أعطافِ ذاتِ بَعلٍ تَفترشُهما لِتفترشَها يَتّقدُ الرملُ بالجَمراتِ وصوتُكَ بالصبواتِ وأنت عباءةٌ، شغافٌ فوق هودجها معلّقٌ بأهدابها مُستبداً أن تَقول" أنا الجبلُ المُعتمر بالغيمِ مُجللٌ بالبُجادِ اليمانيّ وراءَهُ الأطلالُ والدارات والعذارى تمشي في سُكرةِ احتضارْ * * * وكأن لم، يا امرأ القيسِ، تَكُنْ دماً يَقطرُ من غيمةِ الثأر فوق النّهادِ والنّجادِ على أكمام العاقول والغاف فوق هضاب الجزيرة ولمّا تزل مُشرعةً بين أمسِها والأمسِ تخرجُ منها الأيامُ كالجمالِ المعبّدةِ بالقار مستبداً أن تقول" أنا القدحُ المترعُ بالأناشيد في مفازةِ الروحِ والجسد أنا سجادةُ الوليمةِ للخيولِ، والنساءِ والأسمار، أنا سماءُ النجومِ المشدودةِ الى صخور الجبال أنا الوديانُ السحيقةُ تومض كلمعِ اليدينِ بعد المطر أنا مَنْ يَنحرُ الذبائحَ للعُشّاقِ لا للآلهة للعذارى لا للهياكل يَسكُبُ على أقدامهِنَّ المسكَ لا على عَتباتِ المعابد ولهن يُشعِلُ القوافيَ كالفتيل اليابس، يُضيءُ الغيوبَ بهمسِ المضاجع، يطوفُ الصحارى وراء أطيافهن وينضو لهن ثيابَ الغسق. * * * كأن لم، يا امرأ القيسِ تَكُنْ معلقاً بِغمدِ شهوتكِ ونَصلِ جَسدِك بين الآلهة والأقداس في كعبةِ الغيبِ الإبراهيمي ولم تَنمْ في قُلوب الطيرِ، حَشفاً وعُنّاباً ترتدي قَميصكَ الموشومَ بالقُروح ليسّاقَطَ نفساً نفساً رُوحُك المعلّقُ فوق الهاوية كمصباح راهب مستبداً أن تقول" أنا من يَطوفُ الأمصارَ وراءَ قطرةٍ تُطفِئُ نِقمةَ الرمال أو زُوّادةٍ لغربةِ فارس أفقتُ، بعد طعنةِ، لأحملَ مملكَةً بينَ يدينْ كجنينْ. وكأن لم، يا امرأ القيسِ، تُومِئْ لي في دَمّون عندما كنتُ أبحثُ في أسواقِ حضرموت عن فصّ من قلادةِ عَفراءَ أو قَناةٍ من بقايا الغزاوات في عندل، مستبداً أن تقول لي" "قفا" ثم تمضي.