ما زالت "الموجة" الشبابية في السينما المصرية مشتدة للموسم الخامس على التوالي، وما زالت حمى الإيرادات والتنافس على قمتها الهاجس المسيطر على الغالبية العظمى من صانعي الأفلام المصريين. وفي هذا الإطار يأتي "سحر العيون" من إخراج فخر الدين نجيدة. ويبدو ان منتجة الفيلم مي مسحال التي كانت دخلت مجال الإنتاج بفيلم "ليه يا بنفسج" للراحل رضوان الكاشف، أعلنت توبتها عن الاتجاه الفني بعد فيلمي "رومانتيكا" لزكي فطين عبد الوهاب، و"هارمونيكا" لفخر الدين نجيدة نفسه، فقدمت قبل أعوام فيلماً ينتمي ل"الموجة" عنوانه "فرقة بنات وبس" لشريف شعبان. أما نجيدة فكان عليه أن يمحو الأثر السيئ من وجدان منتجته وكذلك من وجدان المشاهدين كما يبدو. فلم يجد سوى "سحر العيون". ولكن ماذا أضاف إليه هذا الفيلم كمخرج ينضم إلى قائمة مخرجي "الموجة" الشبابية؟ السيناريو، والحوار الذي كتبته نهى العمروسي يعاني من التفكك والضعف، وهي الخطوة الأولى لكي تصنع فيلماً شبابياً: لا تضع في الحسبان ضرورة بناء السيناريو مفككاً ولكن يجب أن تراعي وجود مكونات "التوليفة" وليس فقط على مستوى السيناريو، بل كذلك على مستوى اختيار الممثلين من أبطال العمل. فالغناء موجود عبر عامر منيب كريم. فعلى رغم أن مهنته في الفيلم مخرج إعلانات، وليست مطرباً، قدم 4 أغان تتسم بالضعف على مستوى اللحن والكلمات وكذلك بالنسبة الى تنفيذها بصرياً. والكوميديا موجودة عبر محمد لطفي الذي يؤدي في الفيلم شخصية سيد بخة وهو مكوجي خفيف الظل يسعى للغناء والتمثيل على غرار شعبان عبد الرحيم. أما الفتاة الجميلة فلها وجود أيضاً عبر حلا شيحة التي لعبت دور الفتاة الثرية "ساسو"أو "سمية". وتكتمل الأنماط بنموذجي الشر: الساحر والنصاب ولعب دورهما حسن حسني وسامي العدل. كل هذه الأدوار غلفها الأداء النمطي ولم تخرج عن حيز المألوف. الاستثناء الوحيد خارج تركيبات الأنماط هي نيلي كريم التي لعبت دور الفتاة الريفية البسيطة كابر التي تعيش في منزل عمها المستشار مع ابنة عمها الجامعية ريهام عبد الغفور. هنا استطاعت نيلي أن تخترق حاجز النمط وتؤدي في كل نطاق بحسب احتياجه، من الكوميديا العفوية والمبررة بحسب الموقف، الى المشاعر الرومانسية والسذاجة والغيرة. لقد اجتهدت نيلي كثيراً في إطار محدودية السيناريو ومحدودية أداء زملائها في الفيلم. ولكن بدا اجتهادها واضحاً عندما جمعها مشهدان مع القديرة سوسن بدر التي ظهرت ضيفة شرف ولعبت دور والدة عامر منيب. تُستكمل الأنماط الشخصية بصورة براقة قدمها مدير التصوير محمد شفيق في ثاني فيلم بعد "اللبيس"، وأماكن تصوير جذابة وفخمة من مكتب وفيلات ومراقص المدير الفني فوزي العوامري، وهي محاولة لخلق جو عام مبهر، إذ تدور الأحداث في طبقة بعيدة كل البعد من الطبقات الوسطى ودونها التي ينتمي إليها معظم المشاهدين ما يشجعهم على الفرجة على هؤلاء الآخرين. وهو منطق جذب يحاول ترويجه بعض صانعي ما يسمى بالسينما الشبابية. أما محتوى هذا الشريط - ويفترض أن يكون أهم العناصر - فتتراجع أهميته، ولكننا إذا أردنا التوقف عنده سنجد أن سمية تحب كريم مخرج الإعلانات وشريك والدها في وكالة إعلانية بينما لا يبادلها هو المشاعر نفسها. وعلى الجانب الآخر هناك كابر التي تحب سيد المكوجي وتكتشف أنه يحب فتاة أخرى. فتلجأ سمية وكابر الى الساحر الشهير "شمردل" الذي اشتهر بالتوفيق بين النساء والرجال...، وقبل أن يبدأ الساحر في ممارسة ألعابه يظهر له نصاب كان شريكه في السجن ويبدأ في مساومته حتى لا يفضحه، ثم يراهنه على تبديل قصص الحب فيجعل سمية تحب سيد، وكابر تحب كريم .... يقبل الساحر الرهان وتبدأ بالفعل لعبة الحب العكسية ما يفجر المفارقات التي تعج بالسخرية تارة، وبالافتعال والسذاجة تارة أخرى. ولكن النصاب يرفض التسليم بالخسارة، ويبدأ في كشف ألعاب الساحر لأطراف اللعبة. الغريب في الأمر أن المشاهد سيرى ساحراً حقيقياً يرصد شخصياتنا عبر بلورته السحرية ...، وفي الوقت نفسه يزرع السيناريو فكرة أن هذا الرجل ليس سوى نصاب. ثم نرى قبل النهاية مشهد المقولة هكذا يسمونه عندما يعنف كريم الفتاتين لأنهما لجأتا الى السحر والدجل، ويقول إنه لو كان هناك سحر لكنا تقدمنا وانتصرنا وأخرجنا الإسرائيليين من فلسطين .... وبغض النظر عن كون هذا المشهد مباشراً وساذجاً ويكشف ضعف عامر منيب التمثيلي، إلا أنه يضعنا أمام سؤال مهم: هل نسيت كاتبة السيناريو والمخرج مشاهد البلورة السحرية وأرادا أن ينفيا فكرة السحر فجأة؟ بالتالي لن نستطيع أن نصدقهما سواء نفيا أم لم ينفيا. فليس هناك فارق. فالسذاجة والتلفيق يغلفان الشريط بكل تفاصيله. المأزق الأساس الذي وقع فيه الفيلم على المستوى التقني كان في تنفيذ الخدع والمؤثرات البصرية من طريق الفيديو، ثم نقلها إلى السينما مرة أخرى نُفذت الخدع والنقل من طريق إحدى الشركات المصرية، فبدا واضحاً الفرق بين اللقطات السينمائية واللقطات المنقولة من الفيديو. وتتابع هذه اللقطات، مع الفرق في جودتها، أدى ازدياد الإحساس بوطأة "الكولاج" أو المزج بين امور شتى منتفية الصلة ببعضها بعضاً على مستويين: الموضوع والتقنية. وكذلك يمكن القول عن تخبط المخرج في تقنياته ابتداء من زواياه ومروراً "بالميزانسين" واختياره لممثلي الأدوار الثانوية. ولا يستطيع المشاهد أن ينسى المشهد/ الكارثة الذي أدت فيه إحدى العارضات دور خطيبة كريم السابقة، وكان الأداء المأسوي مفجراً لضحكات المشاهدين من دون أن يقصد صناع الفيلم ذلك. لكن ضعف السيناريو وسيطرة الخفة والاستخفاف لا تنفيان مجهودات المدير الفني ومهندس الديكور فوزي العوامري خصوصاً في ديكور شقة كريم ومكتبه وديكور وكر النصاب. ولكن يؤخذ عليه تكرار أحد أماكن تصوير فيلم "أصحاب ولاّ بيزنس". وكذلك يجب التنويه بمجهودات المونتيرة داليا هلال في خلق إيقاع للفيلم وهو غير موجود بالسيناريو، وكذلك مونتاج أغاني الفيديو كليب المقحمة التي يغلب عليها ضعف التنفيذ. مدير التصوير محمد شفيق قدم صورة موازية للأجواء المكانية، ولم يحاول المزايدة درامياً في إضاءته، حتى في أماكن التصوير الداخلية، أو في مشاهد الليل الخارجية. ولكن كان عليه مناقشة مخرج الفيلم ومنتجته في الخلط بين لقطات الفيديو والسينما خصوصاً أن بعض الخدع والمؤثرات كان يمكن تنفيذه بالسينما مباشرة مثل لقطة الثبات. والبعض الآخر ليس له محل درامي هل تتذكرون لقطات البلورة؟.