برز مصطلح السينما المستقلة مصطلح الأوساط النقدية السينمائية مع نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة، وبات مصطلحاً متداولاً في أوساط صُناع الأفلام يعبرون به عن إنتاج خاص ورؤى مختلفة. ولأن المصطلح قادم من الخارج فقد صاحبه تعريفه، بحيث يُشير إلى الإنتاج المحدود الكلفة، والرؤى المغايرة للأفلام السائدة. منذ البداية احتكرت الأفلام الروائية القصيرة، والأفلام الوثائقية هذا الوصف، وقدم العديد من صُناع الأفلام الكثير مما جاء تحت عنوان الفيلم المستقل. ثم لاحقاً خبت الأحاديث عن السينما المستقلة بوصفها ظاهرة جديدة، حيث تعددت المدارس التي تُعلم السينما، ما بين حكومي وأهلي وأصبح من اليسير صناعة فيلم عبر وسائط الديجيتال كما أن تقنية الصورة الفائقة الجودة HD ساهمت في شكل واضح في اتساع الصناعة. الآن ثمة أفلام روائية طويلة تعتمد بنية السينما المستقلة (منخفضة التكاليف/ قلة عدد المشاركين/ تعتمد تقنيات التصوير الرقمي HD) لكن المُلاحظ هنا أن الأفلام التي يمكن أن تنتمي إلى هذا الإنتاج الجديد اعتمدت تيمة الرعب كسياق درامي لها، فبعد النجاح الذي حققه فيلم «وردة»، نرى فيلماً آخر يحمل الصيغ الدرامية نفسها (فيلم خارج الكيانات الكبرى في الإنتاج/ منخفض التكاليف) هو فيلم «نجمة داوود». الأفلام الجديدة لا تحتاج إلى شاشات عرض كبيرة وإن بدأت في قاعات عرض لبضعة أيام، وإنما هي تعتمد مواقع التواصل الاجتماعي كشاشة عرض لكل مواطن، وعلى رغم ظهور فيلم «نجمة داوود» في أيار (مايو) 2015 إلا أنه حقق في أحد مواقع التواصل الاجتماعي (اليوتيوب) ما يزيد عن مئتي ألف مشاهدة خلال عدد قليل من الشهور لم يصل بعد إلى نصف العام. سينما في البيت نحن إذن أمام سينما جديدة، سينما تذهب إلى المشاهد في بيته، ولا تنتظره، سينما منخفضة التكاليف إلى مدى بعيد ففيلم «نجمة داوود» لم تتجاوز تكاليف إنتاجه خمسة عشر ألف جنيه وفق تصريحات صُناعه. وفي هذا الفيلم يلعب أحمد صديق دور الجوكر فهو كاتب السيناريو والمخرج والمصور والمسؤول عن الصوت، ومن قام بالتلوين. هذا الدور أشار إليه المخرج والناقد محمد ممدوح في كتابه عن السينما المستقلة حيث يقف على تعريف لمفهوم السينما المستقلة وما تقدمه فيقول «يكون المخرج الذي يصنع أفلاماً مستقلة مسيطراً تقريباً على كل عناصر عمله الفني كالسيناريو والتصوير والمونتاج فيما يقترب من مفهوم سينما المؤلف. كما أنها سينما تؤكد بشدة على ديموقراطية الوسيط وأحقية الجميع في التعبير عن نفسه من دون قيود.. (فهي) سينما تتعارض في غالبية أفلامها مع تقاليد العملية السينمائية السائدة سواء عبر الأفكار المهيمنة أو طريقة تقديم هذه الأفكار... أو مدة عرض الفيلم وطرق العرض بما يهدم الكثير من ثوابت السينما السائدة» كانت رؤية ممدوح استشرافية فيما ذهب إليه لتحديد مفهوم الظاهرة في كتابه الصادر قبل ثماني سنوات تحت عنوان «ديموقراطية الوسيط: صعود السينما المستقلة في مصر». فيلم «نجمة داوود» مدة عرضه 56 دقيقة، وهو من بطولة علا عادل، سندريلا النادي أحمد عفيفي ومحمد عتمان. يتحرك أحمد صديق (المؤلف/ المخرج / المصور/ مهندس الصوت) في صُنع فيلمه وفق تقاليد صناعة أفلام الرعب، يرتكز إلى التفاصيل، ولا يميل إلى اللقطات الواسعة، تقريباً عدد محدود للغاية من اللقطات الواسعة، يسعى عبر الصوت وألوان الفيلم إلى إضفاء أجواء الترقب، ينجح صديق في شكل كبير في خلق هذا العالم من الترقب، بما يصنع التشويق. المعلومات المتوافرة عن الفيلم أكثر تماسكاً من سيناريو الفيلم، فالسيناريو عانى من ضعف مبالغ فيه، الاعتماد على تيم السحر والأرواح والعوالم الأخرى من أكثر الموضوعات الرائجة في صناعة أفلام الرعب، وقد لجأ المخرج إلى الوصفة نفسها لصناعة فيلمه، نحن أمام عالم مواز تتعرف إليه البطلة عبر المرآة، لكنها لقطة وحيدة، لا تكتمل بما يضمن اللعب على هذه المنطقة في استكمال تيم الرعب. الأصوات واللعب بالإضاءة كان موفقاً فيها لدرجة كبيرة، لكن الفيلم ليس مؤثرات صوتية وصورة فقط، لابد من بناء درامي متماسك يصل ببقية عناصر الفيلم إلى الهدف المطلوب، وهو خلق إثارة وتشويق تليق بفيلم رعب. منذ بداية الفيلم وحتى منتصفه تقريباً لا نرى قصة واضحة، لكنها بعض تفاصيل لا تتناسب مع الفترة الطويلة من زمن الفيلم لنتعرف على هذه التفاصيل «فتاة كانت مسافرة وتعود من سفرها، ثم نتعرف إلى أختها، وزميلها الذي نعرف إنه يحبها لكنه لا يُصرح لها بذلك. واستلهاماً من مكونات أفلام الرعب، ستكون هناك نجمة داوود والتي يحمل اسمها الفيلم، سنرى نجمة دوواد مرسومة في أكثر من مكان، ونرى رجلاً يطارد البطلة ووجهه مغطى أشبه بوجه ممسوح الملامح، فتستغيث بصديقها، ونحن هنا لا نعرف أين ذهبت أختها التي تشاركها السكن بل وغرفة النوم. وحين يأتي الصديق يصعد إلى الشقة ويدخل، فلا يجد أياً من العلامات التي رأتها سارة (البطلة) لكن خيطاً من الدم يقوده إلى أن يرفع مرتبة السرير فيجد نجمة داوود مرسومة على الأرض وهناك حجاب، ويسرع إلى سيارته فيكون هناك لاب توب ويبدأ في البحث عن دلالة نجمة داوود، ثم يبحث عن البيوت المهجورة في المعادي! فكرة البيوت المهجورة في المعادي تحتاج إلى مراجعة، وليس هذا فحسب، بل إن السيناريو في مجمله عبارة عن مجموعة لقطات تُحاكي مثيلاتها في أفلام أخرى من دون رابط أو حبكة، فالشخص الذي يجلس في البيت المهجور ينير الشمع على نجمة داوود المرسومة من الدم هذا المشهد في تكوينه وبنيته هو نسخ غير محكم لمشهد في فيلم «التعويذة» حين يقوم الفنان فؤاد خليل باستجلاب الجن عبر طقوس السحر الأسود. أما مشهد البحث على الإنترنت عن دلالة العلامة فهو مشهد متكرر عشرات المرات في أفلام الرعب الهوليوودية. يصعب على المشاهد الوقوف على حكاية من وراء فعل المشاهدة، حتى آثار التشويق والإثارة وملامح الخوف التي يقدمها المخرج في النصف الأول من الفيلم سرعان ما تُبددها تهرؤات السيناريو، حيث لا شيء نتابع عبره: عالم الأحلام لم يظهر سوى في لقطة واحدة، الحديث عن السحر الأسود جاء مقحماً وغير مستغل، لن نناقش فكرة أن زمن الفيلم 56 دقيقة فهو اختيار المخرج، ولكن كان يمكنه تقديم حبكة درامية تلائم زمن العرض الذي اختاره. وعلى رغم خلو الفيلم من حبكة درامية مقنعة، إلا أن ذلك لا يمنع من الإشادة بهذه التجربة، وبتلك النوعية من التجارب التي ستُحدث فارقاً واضحاً في صناعة السينما في الفترة المقبلة القريبة.