قليل من اللبنانيين يعرف امينة عنابي المغنية والممثلة التونسية - الفرنسية التي أطلت علينا اخيراً في مهرجانات طرابلس فأشعلت المدرجات بأغانيها الحارة وأدائها المميز. اهم المحطات في حياتها الفنية كانت بعد اشتراكها في مسابقة الأوروفيزيون وتمثيلها فرنسا في اغنية "آخر من تكلم" سنة 1991 والالتباس الذي رافق الاحتفال، إذ بعد إعلان فوزها بالجائزة الأولى عادت وسُحبت منها لتمنح الجائزة الثانية ما اثار استهجاناً وشكّل فضيحة حينها. وتعلّق امينة قائلة: "فضيحة كبيرة كبيرة حدثت يومها، لكنها ألقت عليّ مفعولها العكسي كونها امّنت لي الدعاية المطلوبة". والغريب في الأمر، حديث امينة عن سعادة الجالية العربية والمجتمع العربي بعد الحفلة كون ما قامت به كان بمثابة "بوابة عبور الأغنية العربية نحو الغرب" وذلك لتضمين اغنيتها هذه بعض الكلمات بالعربية وصولاً الى فوزها على رغم "عنصرية" بعض الذين حذروها قائلين: "ان ربحت فأنت فرنسية وإن خسرت فأنت عربية". ورافقت هذا الحدث حملة انتقادات عربية عنيفة والسبب تحيتها الوفد الإسرائيلي المشارك والذي سارع لتهنئتها فردّت التحية من دون ان تأخذ في الاعتبار العدوان الإسرائيلي اليومي على الشعب الفلسطيني وجرائمه بحقه. لا بل على العكس وبكل بساطة ابتسمت امينة لأعضاء الوفد الإسرائيلي وبادلتهم التحية بالمثل لتستيقظ في اليوم التالي على سخط الشارع العربي وغضبه. والانتقادات العربية لأمينة لا تقتصر على هذه الواقعة فحسب، فالكثير من محطات مسيرتها الفنية كان مثار جدل، لا بل انتقاد واستهجان خصوصاً حين ظهرت في دور صغير في فيلم "شاي في الصحراء" من اخراج الإيطالي برناردو برتولوتشي حيث تفاجأت وهي في غمرة فرحها بدخول عالم السينما من بابه الواسع ولو في دور صغير، بكثير من الصحافيين العرب الذين راحوا يهاجمونها لأنها تعرّت في الفيلم امام بطله جون مالكوفيتش. والهجوم المذكور لم يكن لأن امينة تعرّت بل لأنها تقوم بدور فتاة عربية تتعرى، وهو مشهد قصّ على اية حال في معظم البلدان العربية التي عرض فيها. وتعلّق امينة على الموضوع قائلة: "لا أدري لماذا اثار هذا الأمر هذه الضجة في الصحافة العربية في الوقت الذي نرى ثناءً على افلام اخرى تحتوي مشاهد اكثر اثارة حتى لو لم يتعرّ اصحابها". ثم تفاجئك حين تبدأ الكلام عن خجلها، هي التي مثلت اكثر الأدوار جرأة اذ تقول: "انا بطبعي خجولة جداً وفي صغري كنت اخفي خجلي بالغناء. فلا انسى مثلاً كيف كنت اعبر غرفة الجلوس وأنا أغني عندما تكون مكتظة بالضيوف". ومن أكثر الأدوار السينمائية التي تركت اثراً فيها تذكر دورها في "ان شاء الله Le dimanche من اخراج يمينة بنغيغي وهو فيلم يتحدث عن الهجرة الجزائرية في الستينات باتجاه فرنسا والمشكلات التي رافقت الوافدين. وعن دورها تقول: "إنه دور جميل جداً اجسّد فيه شخصية امرأة جزائرية تعاني حال احباط بعد تركها الجزائر وذهابها الى فرنسا من دون اي معرفة باللغة الفرنسية. وبذلك تبقى مشتتة في هذا الواقع ولا يربطها مع الخارج إلا اولادها الذين يتقنون اللغة الجديدة، اما هي فتبقى على امل عودتها الى ديارها. وهو فيلم رائع يروي كيف تفقد المرأة المغربية كل ما بنته من آمال لحظة اتصالها الأول بأشخاص عنصريين، هي التي جاءت مفعمة بالأحلام. فتعود الى وطنها لتجد الراحة لكنها سرعان ما تجد انه لم يعد مرغوباً فيها هناك ايضاً. الأمر الذي يظهر صعوبة الغربة وهو امر واقعي جداً". كل الموسيقى ومن الأدوار السينمائية المهمة التي لعبتها امينة دورها في الفيلم الفرنسي المأخوذ عن رواية "الليلة المقدسة" للطاهر بن جلون، وهو دور تنكرت في بعض لحظاته بثياب رجل. وأمينة التي تعشق الموسيقى بمختلف انواعها من الجاز الى التكنو والموسيقى الافريقية والألحان اللبنانية والخليجية تعتبر نفسها السبّاقة في غناء "الراب" العربي من دون ان يخلو الأمر من المشقات إذ امتنع في بداياتها الكثير من شركات الإنتاج في فرنسا وغيرها من تحقيق حلمها. وتضيف: "كانوا يعتبرونني غير طبيعية لأدائي الراب بالعربية لذلك توجهت الى اليابان التي احاطتني برعاية، وبعدها وقّعت اول ألبوم لي سنة 1989 وحمل اسم "يا ليل". وبعد سنتين تقريباً أبصر النور ألبومي الثاني Wa di ye وتبعه الألبوم الأخير عنابي سنة 1999". وبين الألبومين الأخيرين "تفرغت لتربية ابنتي التي تبلغ اليوم 16 عاماً، ومع هذا لم أكن غائبة كلياً عن الساحة الفنية اذ قمت بتمثيل بعض الأفلام كما شاركت في موسيقى افلام اخرى". وعن هواجسها تقول امينة: "اكثر ما يهمني هو تحرر المرأة في الشرق. وهناك اغنية اكتبها تقول: "حتى حدّ ما يُحكم فيّ وأنا موت على الحرية". وهذه انا باختصار. إذن الضروري ان تحمل المرأة العربية هذا الشعار وتتحرر وأعتقد انه لن يتم ذلك إلا متى تحرر الرجل نفسه. اما انا فأجد نفسي محظوظة جداً كون امي ساعدتني كثيراً في مجتمع يعتبر الغناء حراماً. لكنني بدعم عائلتي واجهت الضغوط وكان ما كان بعد 10 سنوات في مسابقة الأوروفيزيون". وعن مشاريعها المستقبلية تقول: "سأشارك في فيلم تونسي يبدأ تصويره قريباً، كما سأقوم بجولة الى الولاياتالمتحدة لأحيي سلسلة من الحفلات قبل العودة للعمل على الألبوم الغنائي الجديد". وتختتم قائلة: "حلمي هو ان اجعل الناس يحلمون عندما اغني وآمل ان امثل المرأة العربية خير تمثيل في هذا العالم".