من حق الملك عبدالله الثاني ان يقلق. وان يدفعه هذا القلق الى الطواف على عواصم القرار أو المؤثرة فيه. فالأردن يقيم عملياً بين حربين لا يستطيع الاستقالة من مجرياتهما. الحرب المفتوحة في الضفة الغربية على يد ارييل شارون والتي تتردد اصداؤها داخل العائلة الأردنية - الفلسطينية. والحرب المفتوحة اصلاً بين الولاياتالمتحدةوالعراق والتي تنتظر اندلاع فصل ساخن وحاسم لا يستطيع الأردن تجاهل نتائجه وذيوله. وفي الحروب التي تدور حوله لا يستطيع البلد الصغير الاكتفاء بدور المتفرج. مرة يحارب وأخرى يسالم وثالثة يسعى الى الاحتماء من الجار القوي بالتحالف معه أو بالتحالف مع جار آخر. ويستفيد الأردن في حركته هذه من رصيد اعتدال نصب فوقه ما يشبه المظلة الدولية. هكذا تعايش أردن الملك حسين مع النزاع العربي - الاسرائيلي ومع الحرب العراقية - الايرانية وبعد عقد مع حرب الخليج الثانية. واتضح ان حماية الأردن تحتاج حركة دائمة والمحافظة على دور ما فضلاً عن الحكمة في ادارة حساسيات التركيبة الداخلية. من حق الملك عبدالله الثاني ان يقلق. فعالم 11 ايلول سبتمبر لم يترك لبلاده هامشاً واسعاً. ففي ظل "الحرب على الارهاب" سحق شارون الانتفاضة ولم يترك أمام ناشطيها غير خيار العمليات الانتحارية. وها هي الغيوم السوداء تقترب من العراق فتزداد وطأة الوقت على صاحب القرار في عمان. الاحتماء مما قد يضمره شارون للاردن يستلزم مظلة اميركية ودوراً ما في الحضور الاميركي في المنطقة. والحرب لاقتلاع النظام العراقي تطرح على الأردن خيارات صعبة. المشاركة فيها مكلفة في ضوء المواقف الحالية في الشارع الأردني ومعها اليأس الفلسطيني المتفاقم. ومجرد حدوث الحرب سيرفع سخونة الشارع من جهة وقد يدفع البلد الصغير الى استضافة اعداد كبيرة من اللاجئين. اما انفجار العراق بفعل محاولة اقتلاع نظامه فسيكون كارثة للمنطقة بأسرها. فمصلحة الدول الصغيرة تكمن في استقرار الجيران وتعقل خياراتهم وعدم تخطي نزاعاتهم أو حروبهم الحدود الدولية. لهذه الأسباب يطوف العاهل الأردني حاملاً مخاوفه ومحذراً قبل دخوله البيت الأبيض من "الخطأ الهائل" الذي سيرتكبه المسؤولون الاميركيون اذا تجاهلوا تحذيرات قادة اجانب وحلفاء بارزين للولايات المتحدة من عملية عسكرية ضد العراق. لم يكن متوقعاً للنصائح الملكية ان تغير قرار بوش الذي جدد اصراره على اطاحة صدام مكتفياً بوعد ب"درس كل الخيارات والتحلي بالصبر". هكذا تبدو الأزمة اعقد من ان تحل بالنصائح والتحذيرات. فالسبيل الوحيد لمنع اندلاع الحرب هو مبادرة من بغداد نفسها تجعل اتخاذ قرار الحرب اكثر صعوبة. وربما من حسن حظ الملك الأردني ان العراق أرسل اشارتين متلاحقتين تعكسان شعوره بالخطر. الأولى الدعوة التي وجهتها الحكومة العراقية، للمرة الأولى، الى هانز بليكس رئيس لجنة التحقق من نزع الأسلحة انموفيك. والثانية عدم احتفال بغداد بذكرى اجتياح الكويت. لا أحد يستطيع المغامرة والقول ان الرئيس صدام حسين اجرى مراجعة عميقة لنهجه، لكن الاشارتين تسمحان على الأقل بكسب بعض الوقت وإرجاء انطلاق ماكينة الحرب. ومن شأن أي مرونة عراقية ان تخفض مخاوف الملك الأردني ومخاوف كل العرب.