في مقابل جهود الاردن لإطفاء الحرائق التي اشعلها شارون والتي تهدد بالإتساع لتشمل المنطقة، اختارت واشنطن هذا التوقيت بالذات لتحريك ملف العقوبات "الذكية" على العراق، بدلاً من ان تسعى قبل ذلك الى لجم الثور الهائج الذي ينثر الدماء والدمار في فلسطين. ولعل واشنطن ترى أن ما يفعله شارون ليس كافياً لزعزعة امن المنطقة واستقرارها بالقدر الكافي، فقررت ان تشعل حرائق جديدة من جانبها. ومكافأة لجهوده من اجل انهاء العقوبات المفروضة على العراق وكسر العزلة السياسية عنه، يواجه الاردن تهديداً عراقياً بقطع امدادات النفط عنه ووقف التعامل التجاري معه، بحجة انه قد يقرر تطبيق قرار مفترض لمجلس الامن، يهدف، نظريا على الاقل، الى تخفيف العقوبات الاقتصادية عن جاره الشرقي! وبين الاشقاء في بغداد، وشركاء السلام المزعوم في تل ابيب، يجد الاردن نفسه، وهو حليف واشنطن من خارج حلف الاطلسي، محاطاً بالالغام التي زرعها هؤلاء، لتنفجر في وجهه كيفما تحرك! ولعل الوضع في سورية ولبنان ليس افضل حالاً بكثير بفضل ممارسات حليف واشنطن الاستراتيجي الاول في المنطقة. ففي الوقت الذي تسعى تلك الدول الى الخروج من اوضاع سياسية واقتصادية ضاغطة، تصمت واشنطن دهراً في مواجهة الحرائق الاسرائيلية المتفاقمة لتخرج في المقابل بمبادرة في شأن العراق تزيد من حال الاستقطاب الاقليمي، وكأن العراق دولة في قارة اخرى! الملك عبد الله الثاني يزور الكويت بعدما اعلن أنه لا ينوي القيام بجهود وساطة بين الكويتوالعراق، على رغم انه سيبحث "الحالة" بين البلدين. في الوقت نفسه، احجم المسؤولون الاردنيون عن التعليق في شكل مباشر على التهديدات العراقية التي لم تنشرها الصحف الاردنية. ولعل الاردن، الذي يواجه اليوم وضعا شبيها بالوضع الذي عاشه قبيل اندلاع حرب الخليج الثانية، قرر ترك خياراته مفتوحة الى اشعار آخر، على امل تحقيق توازن شبه مستحيل بين رفضه تطبيق العقوبات الذكية الاميركية في شكلها المقترح ورغبته عدم تحدي القرارات الدولية من جهة، ورفضه الابتزاز العراقي المقابل مع الحفاظ على مصالحه الاقتصادية من جهة اخرى. من المفارقات ان العاهل الاردني اطلق قبل ايام المنطقة الاقتصادية الخاصة في العقبة من ضمن اصلاحات اقتصادية واعدة يأمل الاردن بأن تجتذب استثمارات اقليمية ودولية تخرجه من ازمته الاقتصادية. لكن المؤسف ان ما يفعله الاشقاء والحلفاء لا يشكل ضمانة بإبقاء الاستثمارات بعيدة عن المنطقة فحسب، بل يهدد بتهريب الاستثمارات الموجودة اصلاً. اقل ما يمكن ان يفعله حلفاء واشنطن من العرب هو محاولة افهامها بأنها لن تنجح في تطبيق القرارات الدولية على العراق بمعزل عن تطبيق القرارات الدولية على اسرائيل. اي انها لن تستطيع التعامل بفاعلية مع تمرد العراق على تلك القرارات بمعزل عن تعاملها مع تمرد اسرائيل على ذات القرارات في شكل اكثر وقاحة ووحشية وخطورة.