يخيل للسامع باسمه للوهلة الأولى انه سيلتقي بتجمع كبير للحرامية، يحملون صناديق الحلي والأحجار الكريمة التي نهبوها، على شاكلة الأربعين حرامي في قصة علي بابا... انه سوق الحرامية، الأكثر غرابة في دمشق الذي تجد فيه أطرف الأشياء وأندرها والشارين من مختلف الطبقات والأعمار والمستويات. يقع في قلب دمشق بالقرب من سوق الحميدية، والأسواق العريقة، كسوقي الخجا والعتيق. وهو من الأسواق القديمة، ويكاد يكون معلماً من معالم دمشق. كان اسمه سوق الدراويش نسبة الى نوعية الناس الذين يرتادونه، وغالبيتهم من الدراويش، أصحاب الدخل المحدود وصغار الكسبة. أما اليوم فيعرف باسم سوق الحرامية، لأن الكثير من المعروضات في هذا السوق قد تكون مسروقة. وهنا تتنوع البضائع تنوعاً شديداً، فنجد كل شيء من البابوج الى الطربوش. ساعات، أواني، آلات موسيقية، تحفاً، انتيكات سيوف وجرار...، دراجات، تماثيل، كهربائيات، صوراً شخصية قديمة، أثاثاً، كتباً وقد نصادف كتباً تراثية نادرة وصلت بالمصادفة مع أغراض بيت كاملة، ملابس قد تكون غسيلاً مسروقاً أحذية، أشياء مختلفة، مجموعة من القمامة... وهذه البضائع منها الجديد ومنها القديم، فيها النفيس وفيها الرخيص، وسعرها خاضع لمزاج بائعها، وشطارة مشتريها وقدرته على الصمود أثناء المفاصلة، التي قد تستغرق وقتاً طويلاً. وقد نجد مثلاً شاباً مقبلاً على الزواج يتردد الى السوق في أوقات مختلفة علّه يحظى بغرفة نوم لقطة، قد لا يجد مثيلاً لها في مكان، لا سيما بالنسبة الى سعرها الذي غالباً ما يكون مقبولاً، أو قد تصادف رب عائلة يبحث عن خزانة بمواصفات جيدة، توفر عليه ثمن خزانة جديدة قد لا يملك ثمنها. ويتردد الى السوق في شكل دائم كبار السن من المتقاعدين الذين يمضون أوقاتهم في البحث عن أشياء قديمة وطريفة قد يصادفونها في السوق. وهناك هواة جمع الأشياء الغريبة الذين يتيح لهم السوق العثور على أشياء لا تخطر على بال، وقد تصبح عادة التردد الى السوق سوسة وهواية لبعضهم، فيجدون ارجلهم وقد قادتهم اليه من دون ان يكون لديهم نية في الشراء. وقسم منهم يقوده فضوله الى السوق للفرجة فحسب. وأغرب مرتادي هذا السوق، هم أشخاص سرقت منهم أشياء شخصية، كساعة أو نظارة قيّمة لسهولة نشل مثل هذه الأشياء، أو دراجة هوائية ركنها صاحبها لبرهة ومضى لحاجته، وعندما خرج لم يجدها، أو حذاء ثمين اختفى عندما خلعه صاحبه عند باب المسجد. فيثابر هذا على الحضور علّه يصادف ما فقد منه ويتعرف الى من غافله ونشله، ويروى الكثير من القصص في هذا الصدد عن أشخاص استردوا مفقوداتهم عبر ترددهم الى السوق. وتحجم النساء عادة عن "اقتحام" هذا السوق، فقلما تجد هنا امرأة، وقد يثير وجودها انتباه الناس، ويستغربون جرأتها ودخولها معمعة السوق. ومع وجود نسبة كبيرة من "الزعران" يطغى الطابع الذكوري على الموقف، فتعلو الأصوات وتثور شجارات من حين لآخر يتركز معظمها في التنافس على الأماكن الاستراتيجية في السوق. وتسمع أيضاً صيحات الباعة واعلانهم عن بضائعهم، كل بطريقته الخاصة، وبلهجته المميزة أيضاً، لأن باعة السوق متغيرون دوماً وليسوا جميعاً محترفين، بل ان منهم من يبيع لأول مرة وتكون بضاعته أثاث منزله. ولا يخلو الأمر من وجود بائعين من جنسيات غير محلية، يعرضون بضائع من بلدانهم، فهناك اليمنيون يعرضون البخور والمسك والعنبر، وهناك المصريون الشطار في التجارة، يبيعون الساعات والأواني المنزلية، وهناك الايرانيون يبيعون السجاد والبسط والعسل والحلوى الايرانية... هذا إضافة الى الباعة من أبناء البلد، الذين يملك بعضهم دكاكين متخصصة في أنواع محددة من البضائع، وبعضهم الآخر يكتفي ببسطة في الهواء الطلق يعرض عليها ما هب ودب من السلع، وهناك الدخلاء والمتعدون على الكار، وقد يدخل في عدادهم الحرامية الذين يبيعون أغراضاً مفردة، وأحياناً خاصة، كآلة تصوير أو مسجلة أو ثياباً... وهؤلاء من النوع المتغير وغير الثابت، لذلك نجد الوجوه تتبدل في هذا السوق. حتى أن الشاري لا يمكنه اعادة بضاعة تورط بشرائها أو تبديلها، لأنه ببساطة لن يجد بائعها، لذا يوصي المجربون بالحذر والتروي قبل الشراء من سوق "الشرفاء".