طالما وصف الرحالون دمشق ب"مدينة الدكاكين" حيث تتميز بأنها من أكثر المدن ازدحاما بالدكاكين والاسواق التي تشكل إغراء كبيراً للسياح لتعدد البضائع والحرف فيها ورخص أسعارها. والنهار في دمشق يبدأ مع آذان الفجر وصيحات أصحاب المحلات "يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم". وتبدو السياحة في سورية فريدة في نوعيتها بسبب تعدد الاسباب التي تدفع السياح الى زيارتها، بين زيارة دمشق القديمة أو حلب التي تضرب جذورها في التاريخ حتى العصور الوسطى او أطلال تدمر الرومانية وقلعة الحصن ومواقع أثرية ضخمة يتجاوز عددها ثلاثة آلاف من المعالم والصروح، اضافة الى مناطق الاصطياف والسهر. وقالت المصرية سماح: "تهمني كل المعالم الأثرية في سورية لانها بلد تاريخي، لكن الأهم ان أتجول في أسواقها المشهورة لأشتري على الأقل روزنامة المتطلبات التي أوصاني بها الاهل والاصدقاء". والواصل الى مدينة دمشق التاريخية تدهشه أسواقها الشعبية الواسعة المعروفة. وبعد جولة قصيرة في أنحاء هذه الاسواق يكتشف ان حاجاته كلها متوافرة من لباس وتحف وهدايا، لذلك تشكل هذه الاسواق إغراء كبير للسياح العرب والاجانب نظراً لرخص أسعارها مقارنة مع أرخص بلدان العالم، والعامل الاهم هو انخفاض قيمة الليرة السورية مقارنة مع العملات الباقية الدولار يساوي خمسين ليرة. وعلى رغم ان الاسعار نفسها تعتبر مرتفعة بالنسبة للسوريين، فهي أرخص بالنسبة لنوعيتها وجودتها بالنسبة للمتسوقين حسب قول أحد السياح اللبنانيين. ويضيف انه يزور دمشقمرات عدة في السنة والسبب الرئيسي هو التسوق. ويقول سعود من الامارات: "إننا معتادون قصد هذه الاسواق في الحميدية والحمراء والصالحية وسوق المهن اليدوية وسوق الأواني الشرقية وسوق المرجة حيث نشتري التحف الدمشقية والمجوهرات الذهبية والفضية والالبسة النسيجية، اضافة الى الحلويات الدمشقية المشهورة". وعلّق أحد بائعي المجوهرات في سوق الصاغة في الحريقة: "الاسعار لدينا تبقى منخفضة جداً قياسا الى الاسعار في أكثر الدول اذ تزيد اسعارها بأكثر من مئة في المئة احيانا". ويلاحظ قدوم بعض الأسر اللبنانية والاردنية الى دمشق للتسوق فقط والعودة في اليوم نفسه. ويشكل سوق الحميدية الاثري قبلة السياح للاطلاع والتسوق في ان، اذ تشكل هذه السوق شبكة متواصلة من المحلات والدكاكين، اضافة الى الأزقة والأرصفة التي يشغلها الباعة الجوالون ليأسسوا لوحة تشكيلية تمزج القديم بالحديث وسط مشهد يعود الى القرون الغابرة مع تحديث في الملبس. وتضم سوق الحميدية خليطاً من البشر مواطنين وسياحاً. واينما اتجهت بناظرك في السوق تطل عليك صورة البائع الدمشقي الاصيل الذي لم يتغير منذ عقود على رغم تبدل المظاهر الحضارية حوله. والتاجر الدمشقي كما هو معروف عنه من بداهة في البيع والشراء لا ينتظر الزبون ليدخل اليه، بل يسعى اليه بكل الاساليب "تفضل تجد عندنا ما يسرك" و"لا تفكر. كل شيء موجود ولن نختلف بالسعر". واللافت في التسوق في الحميدية انه على رغم ازدياد عدد السياح غير ان نوعيتهم اختلفت في الأعوام الاخيرة، اذ انهم "لا يشترون الا تذكارات صغيرة ورخيصة" كما يقول احد البائعين. ويفضل تجار الحميدية السياح العرب لا سيما القادمين من دول الخليج ولبنان والاردن فهم يقدرون التحف والصمديات الشرقية التي تعلق في المنازل ويشترون القطنيات والمجوهرات. وتنتشر في سوق الحميدية محلات بيع الصناعات الدمشقية التقليدية مثل: الاغباني، وهي أقمشة مصنوعة من الكتان ومطرزة بخيوط حرير وقصب، وصناعة الموزاييك الخشبية والتحف والمصنوعات الشرقية والنحاسية كما تباع فيه الاقمشة الحريرية والاجواخ والمطرزات وأدوات الزينة والملبوسات النسائية الجاهزة كالجلابيات على اختلاف أنواعها والتي لم تتغير تصاميمها منذ عصور. وفي وسط الحميدية يجذب الزبون دائما صوت دق البوظة في محل "بكداش" المشهور والذي تسمى البوظة باسمه وهي مصنوعة من القشطة والفستق الحلبي وهي علامة فارقة كعلامات اخرى في سوق الحميدية. "تفضّلي ياست" اما سوق الحرير على امتداد سوق الحميدية عند أعمدة معبد جوبيتر الروماني والتي يطلق عليها ايضا سوق "القيشاني"، فإن لها تسمية طريفة لدى الدمشقيين وهي سوق "تفضلي يا ست" كناية عن الحاح الباعة فيه لدعوة كل سيدة تمر في هذا السوق للدخول الى محلاتهم علهم يغرونها بالشراء. ويشكو بعض السياح من هذه العادة "يرافقك البائع كظلك لا تستطيع ان تفلت منه احيانا يكون هذا منفرا ويدعوني للخروج من المحل" فيما يرى آخرون ان "التحبب الذي يبديه بعض الباعة يغرينا بالشراء لا سيما حين يستخدم كل لغات الارض التي يحفظ منها". وفي نهاية "سوق الحرير" تبدأ سوق الطويل حيث انتقل تجار الحرير من هذه السوق وحلت محلهم حوانيت بيع كلف الخياطة النسائية ولوازمها. اما قسمها الشرقي فتكثر فيه حوانيت التمائم والتعاويذ السائدة عند سكان دمشق ومنها تعويذة "الكف" اذ تعتبر اصابع الكف المفتوحة من التمائم التي يؤمن بتأثيرها الدمشقيون فيعلقونها فوق البيوت وهي تصنع عادة من المعدن وتنقش في وسطها عبارة "ما شاء الله" أو "عين الحاسد تبلى بالعمى" او "الحسود لا يسود"، كما تباع الخرزة الزرقاء التي تطرد الحسد. ولهذه التعاويذ جمهور كبير من العرب الذين يقبلون على شرائها ايماناً منهم بفائدتها التي يقنعهم التجار بها. وتعلم السياح العرب الطريقة الدمشقية في البيع والشراء وهي المساومة اذ يقول ابو أحمد: "اعتدنا على المساومة من اهل البلد وكنا نسعد برؤية الزبون الغريب، لكن الآن الكل يساوم واصبحنا نضطر الى رفع السعر للوصول الى السعر الذي نريده". ويرفض ان يعترف بأن هناك حالات غش تحصل مع الزبون الغريب سواء كان عربياً أو أجنبياً، ويقول ان "الحالة الاقتصادية للجميع ليست ممتازة والكل تقريباً يساوم ولا يشتري الا بعد ان يتفقد الاسعار ويعرف انه لم يُغش". ويضيف: "القطعة التي أريد بيعها بألف ليرة أطلب لها ثمناً 1500 ونساوم أنا والزبون الى ان نصل الى الألف ليرة ويعتبر نفسه منتصراً ويدفع". ولا تكتمل زيارة سوق الحميدية من دون المرور في "سوق المسكية"، وهي سوق صغيرة تعتبر بحجمها الحالي بعد هدم الجزء الاكبر منها لتوسعة الفسحة أمام الجامع الاموي الشهير همزة الوصل بين الجامع والسوق. وتختص ببيع الكتب والقرطاسية منذ نشأتها غير ان تواجد باعة المسك فيها منذ نشأتها في العهد العثماني الى جانب باعة الكتب هو الذي طبعها بهذه التسمية الشائعة بين الناس حالياً. ويغلب على الكتب الموجودة في هذه السوق القصص او الكتب الدينية او التاريخية او التراثية او حكايا الاولين كسيرة الملك سيف والزير سالم وقصة عنترة. وهناك كتب تعود الى مئات السنين منها "الكباريت في اخراج العفاريت" و"اللؤلؤ والمرجان في تسخير ملوك الجان" و"اعرف بختك" و"صندوق الابراج". "التسوق متعة"، عبارة سمعتها من كثير من الزوار لا سيما النساء. ودمشق كغيرها من مدن العالم تمتاز الاسواق فيها بتخصصات محددة لكل سوق، فهناك سوق العصرونية لبيع الادوات المنزلية، وسوق الاقمشة في الحريقة، وسوق الصاغة والعطارين وسوق الخجا لبيع الحقائب الجلدية. وعلى رغم ان الاسواق التقليدية لها خصوصيتها، غير ان التطور الواسع الذي تشهده دمشق وغيرها من المدن السورية خلق اسواقا جديدة في الاحياء الاحدث مثل: "الحمراء" و"الصالحية" و"الشعلان" و"ابو رمانة" التي تعج بأعداد كبيرة من الزوار حيث تلعب الفروقات الكبيرة في الاسعار دوراً بارزاً في الاقبال الذي تشهده هذه الاسواق، خصوصاً بعدما سمحت الحكومة بعد صدور قانون الاستثمار الرقم 10 للصناعيين والتجار السوريين بتصنيع منتجات نسيجية محلية تحمل علامة تجارية لدور أزياء عالمية فبات هناك فروع لشركات "ناف ناف" و"بنتون" و"كارفن" "وكيكرز" و"بيغ ستار" التي توزع منتجاتها في أسواق دمشق الرئيسية وتتميز بالجودة وتدني الاسعار مقارنة بالبلدان الاخرى. المطاعم والمقاهي ولا تكتمل متعة التسوق الا بتذوق الاطعمة الشامية المشهورة كالكبة والتبولة والفتوش وبابا غنوش. وطالما ان دمشق تستقطب نحو 39 في المئة من السياح بدأت في السنوات الاخيرة تتنشر موضة تحويل البيوت الدمشقية القديمة الى مطاعم ومقاه بلغ عددها العام الماضي في سورية نحو 646 مطعماً تقع 242 مطعما منها في دمشق. وعلى رغم ان بعض مظاهر الركود تطل على سورية أخيراً غير ان هذه المطاعم تستمر في العمل وتستقطب سياحا واهل البلد الذين وجدوا فيها متنفساً سيما وانها تقدم الوجبات والمأكولات الشامية المعروفة والمشهورة بها دمشق وبقية المناطق السورية. وتحتفظ هذه المطاعم بطرازها الشرقي العتيق ما يجعلها محببة من قبل السياح. ويقول خالد حوارنة احد السياح الاردنيين: "خلال وجودي في دمشق لا أتناول الطعام الا في هذه المطاعم القديمة، اعجبتني الفكرة كثيراً، تجعلك تعود مئات السنين الى الوراء". اللافت في رواد هذه المطاعم من العرب والاجانب إرتداؤهم للباس العربي لا سيما الطرحة والعقال او الطربوش كنوع من الانغماس في المكان. وكان مطعم "بيانو بار" الذي يقع مقابل قصر النعسان الاثري في منطقة باب شرقي أول المطاعم التي اقيمت في هذا الاطار ثم كرت السبحة وانتشرت المطاعم ذات الطرز المعمارية العتيقة على امتداد سوق "مدحت باشا" الذي يمثل الجزء الغربي لسوق الطويل الذي شق في العصر الروماني. وما يميز هذه المطاعم على اختلافها هو حفاظها على كل ما هو تقليدي في البيت الدمشقي من غرف والبحرة والنانرجة والياسمينة والكبادة والفناء الداخلي والخارجي وغرف الطابق العلوي. والاهم هو الموسيقى الشرقية والتخت الشرقي والحان عبدالوهاب وام كلثوم والقدود ورقص المولوية، اضافة الى الجاز الغربي والموسيقى الحديثة. كما تشترك في نمط ديكوراتها الداخلية التي كان من أبرزها السيوف الدمشقية الاصيلة المعلقة على الحوائط والفسيفساء والايقونات الاثرية والزخارف الاسلامية. والى جانب المطاعم تساهم المقاهي المنتشرة في دمشق والتي يربو عددها على 177 مقهى تقع 15 منها في دمشق في جذب السياح العرب. وتعتبر قهوة "النوفرة" خلف الجامع الاموي الاثري مكاناً مستحباً للسياح، وخصوصاً الاجانب للعيش وسط عبق التاريخ في السوق القديم وتناول الشاي والقهوة والنرجيلة ولعب الطاولة. هذا كله مع الاستمتاع بحكايا الحكواتي الشعبية التي تعتبر أحد التقاليد المستمرة في مقاهي دمشق القديمة. وتختلف المقاهي في دمشق تبعا لاختلاف روادها. هناك مقهى "هافانا" وسط العاصمة في ساحة الفردوس الذي كان حتى وقت قريب تجمعاً للمثقفين والادباء والمفكرين والصحافيين قبل ان يتحولوا الى مقهى فندق "الشام" في المكان نفسه تقريباً. وهناك قهوة "الروضة" التي تستقطب معظم الفنانين والشعراء، و"الحجاز" التي يرتادها عامة الناس. لكن المشكلة التي تعانيها هذه الامكنة، هي منافسة الفنادق الكبيرة مثل "شيراتون" و"ميريديان" التي تقيم مقاهي شعبية في جنباتها مثل مقهى "النوافير" و"البرازيل" وغيرها، لكن اصحاب المقاهي الشعبية يرددون "لنا جمهورنا الذي لا يستغني عنا". ... ولليل في دمشق سحره الخاص، ويبلغ عدد الاندية الليلية في سورية نحو 42 نادياً تقع 19 منها في دمشق. ويتوافر العدد الاكبر منها في ريف دمشق "الغوطة" و"الربوة" و"دمر" "والتل" و"الزبداني" و"صيدنايا" و"معلولا". ولا يوفر القيمون على هذه النوادي طريقة لجذب السياح على مدار العام مثل استقدام فرق فنية محلية أو من روسيا ودول الاتحاد السوفياتي سابقا.