الكتاب "رجال بيض أغبياء" يستحق ان ينشر مسلسلاً في صحيفة عربية، وهو لاقى رواجاً كبيراً في الغرب، إلا انني اعتقد ان مؤلفه مايكل مور كسب كثيرين بالحملة الساخرة على جورج بوش، ثم أغضب اليهود الأميركيين وأنصار اسرائيل، فكان ان تعرض الكتاب ومؤلفه الى انتقادات شديدة، ولولا خفة دم الكتاب وشهرة مؤلفه ونجاح أعماله السابقة لربما طوي أمره. مور زار اسرائيل والأراضي المحتلة سنة 1988، مع بدء الانتفاضة الأولى، وفي حين انه يستنكر كره اليهود واستمرار اللاسامية قروناً بل ألفيات، فإنه يتحدث أيضاً عن معاناة الفلسطينيين، ويبرر الانتفاضة مع استمرار الاحتلال. ويصيب مور وتراً حساساً في اسرائيل ولدى اليهود الأميركيين، وهو يقول انه صحيح ان الفلسطينيين يعانون في البلدان العربية، ويعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية. الا ان الولاياتالمتحدة لا تدفع ثلاثة بلايين دولار في السنة لهذه البلدان "وبما ان هذه الفلوس فلوسنا فيجب ان نعتبر أنفسنا أي الأميركيين مسؤولين عن القمع والقتل والتفرقة العنصرية التي تمارسها اسرائيل في الأراضي المحتلة". مرة أخرى الكاتب أميركي ويخاطب في الأساس أميركيين، وهو يقول: "القتال في الشرق الأوسط يجب ان يتوقف الآن. اسرائيل تملك أسلحة نووية وقريباً بعض الدول العربية سيمتلكها، وعلينا ان نوقف هذا الجنون قبل ان ندفع جميعاً ثمنه". ويبدو ان أكثر ما يزعج المؤلف انه كدافع ضرائب أميركي، يساعد اسرائيل على ارتكاب جرائمها، لذلك فهو يقول انه يرفض ان تمول التفرقة العنصرية باسمه، لأنه يعتقد ان من حق جميع البشر ممارسة تقرير المصير، والانتخاب والعيش بحرية وطلب السعادة... والعرب في الضفة الغربية وقطاع غزة محرومون من هذا كله. وهكذا، فالمؤلف يقترح ان تتوقف بلاده عن اعطاء اسرائيل "شيكاً على بياض"، ويقترح: أولاً، ان يبلغ الكونغرس اسرائيل ان عليها ان توقف سفك الدم خلال 30 يوماً. وفي حين ان الارهاب الفردي سيئ فإن ارهاب الدولة شر كامل. "ولولا انني وأنت وكل دافع ضرائب أميركي يدفع أربعة سنتات من كل مرتب يقبضه لإسرائيل لما استطاعت ان تشتري الرصاص لتطلقه وتقتل الأطفال الفلسطينيين". ثانياً، اذا ارادت إسرائيل ان تستمر في الحصول على دولارات الضرائب الأميركية فعليها ان تضع خطة تنفذ خلال سنة لإنشاء دولة اسمها فلسطين، وتقدم هذه الدولة دستوراً يمنع العنف ضد اسرائيل ويضمن الممارسة الديموقراطية لكل الفلسطينيين. ثالثاً، تقدم الولاياتالمتحدة الى الفلسطينيين ضعفي ما تدفع لإسرائيل "وسيسعدني شخصياً أن أدفع حصتي في شيء من نوع خطة مارشال لبناء طرق ومدارس وصناعات تدفع أجوراً محترمة". رابعاً، تواصل الأممالمتحدة العمل لحماية اسرائيل من أي طرف يريد تدميرها، وحماية فلسطين من الأنظمة العربية المجاورة لها. مور ليس غبياً وهو يكمل معترفاً بأنه لن يجد من يصغي الى اقتراحاته، الا انه على ما يبدو لم يقطع الأمل بالرئيس عرفات، كما فعل جورج بوش، وهو مور لا بوش يوجه الى ياسر عرفات رسالة يخاطبه فيها بلقب الرئيس، في حين انه لا يتحدث عن جورج بوش إلا وهو يضع لقب الرئيس ضمن هلالين صغيرين، لأنه يعتبر انه سرق الانتخابات الأميركية. رسالة مور الى عرفات طويلة، تضيق عنها هذه السطور، فاختصر ما أمكن، وأقول ان الرجل يقترح على عرفات مواجهة مع الاسرائيليين على طريقة المهاتما غاندي، أي العصيان المدني، من دون سلاح، ويرافق ذلك اضراب عام. هذا الاقتراح ليس جديداً، وقد سمعته غير مرة، وأنا واثق من أن المعلق الأميركي توماس فريدمان قال في زاوية له ان الفلسطينيين كان يجب عليهم ان يخاطبوا "انسانية" الاسرائيليين ويحرجوهم بالمقاومة السلبية التي تركز الأنظار على محنتهم من دون قتل أو تدمير. شخصياً، اعتقد ان العصيان المدني ينفع في مواجهة شعب متحضر مثل البريطانيين، الا ان الفلسطينيين يواجهون شعباً اضطهد قديماً وحديثاً، وهو ككل مضطهد يمارس الآن اضطهاد شعب آخر، ومور نفسه يقول ان الولد الذي يتعرض للاعتداء عليه وهو صغير يكبر عدائياً، ويضطهد الآخرين عندما يتمكن من ذلك. شخصياً بت أعتقد ان الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي من دون حل، الا اذا اعتبرنا القتل المتبادل حلاً، ومايكل مور صوت صارخ في البرية، أما نحن من طلاب الحل فننفخ في زقٍ مقطوع.