10.1 تريليونات قيمة سوق الأوراق المالية    1% انخفاضا بأسعار الفائدة خلال 2024    تستضيفه السعودية وينطلق اليوم.. وزراء الأمن السيبراني العرب يناقشون الإستراتيجية والتمارين المشتركة    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    البرهان يستقبل نائب وزير الخارجية    كاساس: دفاع اليمن صعب المباراة    قدام.. كلنا معاك يا «الأخضر»    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة    جواز السفر السعودي.. تطورات ومراحل تاريخية    حوار «بين ثقافتين» يستعرض إبداعات سعودية عراقية    5 منعطفات مؤثرة في مسيرة «الطفل المعجزة» ذي ال 64 عاماً    التحذير من منتحلي المؤسسات الخيرية    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    استشهاد العشرات في غزة.. قوات الاحتلال تستهدف المستشفيات والمنازل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مترو الرياض    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    مشاهدة المباريات ضمن فعاليات شتاء طنطورة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    الأمير فيصل بن سلمان يوجه بإطلاق اسم «عبد الله النعيم» على القاعة الثقافية بمكتبة الملك فهد    جمعية المودة تُطلق استراتيجية 2030 وخطة تنفيذية تُبرز تجربة الأسرة السعودية    نائب أمير الشرقية يفتتح المبنى الجديد لبلدية القطيف ويقيم مأدبة غداء لأهالي المحافظة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    المملكة ترحب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن فلسطين    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انضمام اليمن الى منظمة التجارة الدولية وأثره على الصناعة الوطنية
نشر في الحياة يوم 05 - 06 - 2002

تعرض اليمن منذ الأيام الأولى لقيام الوحدة في 22 ايار مايو 1990 الى عدد من الصدمات العنيفة خارجية وداخلية ألقت بظلالها على التطور اللاحق لمسار العملية الاقتصادية برمتها وعلى مجال المناورات والخيارات في عملية التنمية الاقتصادية. واختلت الموازين الاقتصادية الكلية بشكل حاد وأصاب الاقتصاد اليمني تضخم جامح وارتفعت معدلات البطالة الى مستويات عالية وانتشر الفقر على نطاق واسع بين أوساط السكان وأطبق الفساد وسوء الادارة على خناق المجتمع اليمني وبددا موارده الاقتصادية.
وتم تصميم برنامج الاصلاح الاقتصادي لمواجهة مثل تلك الآثار فنجح في بعضها وأخفق في بعضها الآخر. لكن الاختناقات المرتبطة بأهم عناصر التطور الاقتصادي والاجتماعي ما برحت قائمة. فالعلاقة بين نمو الناتج الحقيقي ونمو السكان تعاني من اختناقات حادة لصالح السكان. وخلال العقد الأخير من القرن الماضي بلغ متوسط معدل النمو السنوي للسكان نحو 3.7 في المئة بينما لم يبلغ متوسط معدل نمو اجمالي الناتج المحلي الحقيقي أكثر من3.7 في المئة و3.2 في المئة من دون النفط أي أن السكان يتضاعفون كل 19 عاماً بينما يحتاج الانتاج الى 22 سنة لكي يحقق النتيجة نفسها ما يعني أن الشعب اليمني يأكل من لحمه لعدم كفاية الناتج المحلي لتلبية احتياجاته المتزايدة التي تفوق الزيادة في الناتج الحقيقي.
ولعدم التكافؤ انعكاساته الاقتصادية والاجتماعية الوخيمة على معدلات الادخار المحلي ومعدلات الاستثمار وعلى مستوى الطلب الفعال ومستويات المعيشة للسكان والتعليم والتدريب والتأهيل والصحة العامة التي تؤثر في دينامية التطور الاقتصادي والاجتماعي لليمن وتعيق تأهيلها للاندماج التام والفاعل في تيار العولمة. وتزايد عدد السكان في الاعوام العشرة الأخيرة بمقدار 60 في المئة تقريباً، بينما لم يزد اجمالي الناتج المحلي الا بنسبة 33 في المئة عموماً، و 28 في المئة باستبعاد النفط وهي نسبة تقل بمقدار النصف ما أثر مباشرة في مسار متوسط نصيب الفرد من اجمالي الناتج المحلي. وانخفض المؤشر بنسبة 60 في المئة خلال عشرة اعوام، في الوقت الذي يحقق المؤشر تقدما مطردا في معظم بلدان العالم باستثناء بعض بلدان جنوب الصحراء الأفريقية. وارتفع المؤشر على الصعيد الدولي خلال الفترة المذكورة بنسبة 24 في المئة تقريباً، وفي مجموعة بلدان العالم الثالث بنسبة 50 في المئة و28 في المئة للبلدان الصناعية الغنية. حتى مجموعة البلدان النامية الأقل نمواً ارتفع فيها نصيب الفرد من اجمالي الناتج المحلي بنسبة 10 في المئة فيما بدا اليمن الاستثناء النادر في المجموعة الدولية حيث انخفض نحو 60 في المئة. وهذا انخفاض له دلالته الخطيرة على كل المستويات وعلى مقدرة تأهل اليمن للقرن الواحد والعشرين وتبوؤ مكانة لائقة.
ان نظرة سريعة على تركيب اجمالي الناتج المحلي في اليمن وتطوره خلال العشرين عاماً المنصرمة تكشف عن عيوب واختلالات خطيرة يعاني منها هيكل الانتاج. وتراجع نصيب الناتج الزراعي من دون القات في تكوين اجمالي الناتج من نحو 30 في المئة في بداية الثمانينات الى أقل من 14 في المئة في نهاية التسعينات، على رغم ان الزراعة المشغل الرئيسي لقوة العمل وأن حوالي 75 في المئة من السكان ما زالوا يقطنون الريف. وبلغ معامل الانكشاف الغذائي في اليمن حدوداً خطرة وصلت عام 1999 الى 73 في المئة.
ان الخلل الماحق الذي يلحق بالانتاج الزراعي في اليمن يضع هذا البلد وشعبه في وضع الرهينة الضعيف للظروف الخارجية. فالانتاج الزراعي عجز تماماً عن مواكبة النمو السكاني وعن تلبية متطلباتهم للغذاء. وانخفضت، على سبيل المثال، نسبة الاكتفاء الذاتي من الحبوب في اليمن من 50 في المئة في منتصف السبعينات الى أقل من 4 في المئة في النصف الثاني من التسعينات.
ان الزراعة في اليمن كقطاع رئيسي تحتاج الى فلسفة جديدة واستراتيجية خصوصاً في ظل الشح الشديد للموارد المائية الذي يضع اليمن في طليعة الدول العربية التي تقع تحت خط الفقر المائي بالتركيز على دور التكنولوجيا خصوصاً الحيوية وتكنولوجيا الري في تنمية قطاع الزراعة وتطويره بالاضافة الى اجراء اصلاحات جوهرية في علاقات الملكية الزراعية التي تسمح بادخال تكنولوجيا الانتاج الحديثة.
ويُلاحظ المرء كبر مساهمة قطاع الخدمات في تكوين اجمالي الناتج المحلي وتقترب النسبة من نصف قيمة هذا الأخير. وهي نسبة تقترب قليلاً من نصيب قطاع الخدمات في العالم الصناعي المتقدم. غير أن تلك الصورة ينبغي الا تعطي الانطباع بتقدم قطاع الخدمات في اليمن على غرار ما هو حاصل في تلك البلدان، بل العكس فهذه الصورة دلالة على تخلف هذا القطاع وتمركزه في قطاع التجارة وتجارة التجزئة على وجه الخصوص، في الوقت الذي تبدو فيه العناصر الحديثة والمتقدمة من قطاع الخدمات كالمال والمعلومات وقطاع الاتصالات متخلفة للغاية. وهي القطاعات التي تشكل اليوم رمزاً للاقتصاد الحديث والمعولم في البلدان المتقدمة. لا تتعدى خدمات خطوط الهاتف في اليمن 300 ألف خط هاتفي لحوالى 18 مليون مواطن أي بمعدل 60 خطاً لكل ألف من السكان مقارنة مع أكثر من 500 خط لكل ألف من السكان في العالم المتقدم، أما خدمة شبكة الانترنت فهي هزيلة للغاية. حيث أن عدد المشتركين لا يتجاوز 4000 مشترك أي أن شبكة الانترنت في اليمن تقدم 0.2 خدمة لكل الف شخص مقابل 72 لكل الف شخص في الولايات المتحدة الأميركية و89 في اليابان و 108 في فنلندا. ويعزى ذلك أولاً الى ارتفاع تكاليف الاشتراك في شبكة الانترنت الذي تفوق بأكثر من مئة ضعف مما هو عليه في الدول المتقدمة وسوء خدمتها وذلك ناجم عن السياسة الاحتكارية التي تمارسها شركة "تيليمن" في قطاع الاتصالات والمعلومات. كما يفسر ذلك عزلة اليمنيين عن تدفقات المعلومات في العالم.
ويكشف التبادل التجاري بين اليمن والعالم الخارجي حجم اندماج الاقتصاد اليمني في التجارة الدولية وتطور وطبيعة وخصائص هذا الاندماج. ويشير عقد التسعينات الى ميل الميزان التجاري في الغالب لصالح العالم الخارجي كما الى تزايد اندماج اليمن في الاقتصاد الدولي. وارتفع حجم الصادرات والواردات معاً الى اجمالي الناتج المحلي او ما يطلق عليه معامل الانكشاف الاقتصادي من 23 في المئة عام 1990 الى أكثر من 70 في المئة في نهاية التسعينات.
ان زهاء 99 في المئة من مجموع صادرات اليمن عبارة عن مواد خام يستأثر النفط بمقدار 95 في المئة من اجماليها. بينما لا يتعدى نصيب الصادرات السلعية المصنعة نحو 8 في المئة ونصف المصنعة 5 في المئة. وهو ما يفصح عن تركز سلعي خطير للصادرات في سلعة واحدة هي النفط.
الاعتماد المفرط على النفط
وهذا الاعتماد المفرط على قطاع النفط ينطوي على عواقب اقتصادية غير ملائمة في المستقبل بسبب التقلبات الدائمة التي تشهدها أسواق النفط الدولية من جانب، وبسبب الاعتماد الكامل للانتاج في هذا القطاع على الشركات الأجنبية من جانب آخر. ذلك أن وقع الأضرار من التقلبات الاقتصادية الدولية على البلدان ذات الاقتصاد أحادي الجانب تكون عنيفة في حال حدوثها. وقد تسرب على سبيل المثال عدوى الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 الى الاقتصاد اليمني عبر قنوات التجارة الخارجية ملحقة ضرراً شديداً بهذا الاقتصاد بسبب انكشاف الاقتصاد اليمني الشديد على العالم الخارجي. وتراجعت حصيلة الصادرات اليمنية في مطلع عام 1988 بنسبة 28 في المئة والعائدات الحكومية بنسبة 22 في المئة، وعاد العجز الحكومي ليكشف عن نفسه من جديد بصورة أكثر حدة حيث وصل حسب التقديرات الرسمية حوالي 26 في المئة ما دفع بالحكومة اليمنية الى اجراء خفض في الموازنة المصدق عليها بمعدل 25 في المئة.
وولدت تلك الأزمة عجزاً عنيفاً وغير متوقع في موازنة الدولة كما صرح بذلك رئيس الحكومة آنذاك عبدالكريم الإرياني. اذ بلغ العجز الفعلي في الشهور الأربعة الأولى من عام 1998 طبقاً لتصريحات رئيس الحكومة نحو 36.2 بليون ريال يمني بما يوازي ثمانية أضعاف العجز المتوقع، وما يتجاوز العجز المخطط لعام 1998 بمجمله. كما أن انخفاض أسعار النفط في الأسواق الدولية كمحصلة لتلك الأزمة أسهم في خفض الايرادات المباشرة بنحو 14.5 بليون ريال، وتأثرت حصيلة الجمارك بنحو 3.4 بليون ريال. كما أن موارد النقد الأجنبي في الربع الأول من عام 1998 اثر وقوع الأزمة مباشرة انخفضت الى 236 مليون دولار في حين كانت في الفترة نفسها من العام الذي قبله 378 مليون دولار بسبب تراجع مقبوضات النفط الى 198 مليون دولار مقابل 305 ملايين دولار في حدود الفترة التي سبقت اندلاع الأزمة. وكل هذه الآثار غير الحميدة نجمت عن شدة التركز السلعي للصادرات اليمنية في سلعة واحدة هي النفط وشدة التمركز الجغرافي للصادرات، حيث تدلل البيانات أن اكثر من نسبة 87 في المئة من قيمة الصادرات اليمنية تتمركز في البلدان الآسيوية غير العربية وهي البلدان التي شهدت الأزمة المالية في عام 1997/98.
ولا يختلف حال التركيب السلعي للواردات من حيث انحيازه ومخاطره عن التركيب السلعي للصادرات الا في طبيعة قائمة هذه الواردات. وتمثل نسبة الواردات المصنعة ما يوازي نحو 48 في المئة من اجمالي قيمة الواردات. ويبلغ نصيب الغذاء والمشروبات نحو 35 في المئة من قيمة الواردات. وهو تمركز غير ايجابي للواردات حيث يقع في السلع الاستهلاكية مما ينمّ عن اعتماد اليمنيين الشديد على الخارج في غذائهم ولباسهم. بينما لا تتعدى قيمة الواردات من السلع الرأسمالية الضرورية للتنمية الاقتصادية وتعزيز مكانة وطاقة الاقتصاد القومي نسبة 22 في المئة. حتى هذه النسبة عند قراءة تفاصيلها يتضح أن جزءاً كبيراً منها لا علاقة له بالتنمية وعملية الانتاج. وما لم يجر تعديل مدخلات معادلة الصادرات والواردات باتجاه التنوع السلعي والجغرافي ونحو السلع الرأسمالية المولدة للقيمة والثروة فإن وضع اليمن في شبكة الروابط الاقتصادية الدولية سيكون واهناً ويجعلها دائماً في موقع الضعيف. وعلى رغم شدة وعمق وحدّة الروابط الاقتصادية بين اليمن والعالم الخارجي في مجال التجارة فان الأمر يبدو مختلفاً تماما عندما يتعلق بحركة رؤوس الأموال في العالم نحو الاقتصاد اليمني حيث تبدو هذه الروابط يتيمة للغاية.
وهذا الوهن الشديد له تأويلاته وتبريراته، وتبين أن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم بلغت عام 1998 ما يزيد على 637 بليون دولار وهو رقم يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف حجم هذه الاستثمارات عام 1990. بيد أن 59.2 في المئة من الاستثمار الأجنبي المباشر توجه الى البلدان الصناعية المتقدمة فيما تدفق ثلث حجم هذه الاستثمارات الى بلدان شرق آسيا والمحيط الهادئ وأميركا اللاتينية. أما البلدان الأقل نمواً فلم يتجاوز نصيبها سوى 3 في المئة تقريباً.
واليمن الذي يُصنف في قائمة الدول الأقل نمواً نال مبلغاً زهيداً لا يتجاوز 100 مليون دولار عام 1998 وهو يشكل اقل من نسبة 0.20 في المئة من حجم الاستثمارات العالمية. ان التأويل المناسب لهذا التدفق غير المتكافئ لرؤوس الأموال العالمية هو أن رأس المال بطبيعته يبحث عن البيئة الاستثمارية المناسبة التي تتصف ببنى تحتية متقدمة كالطرقات والكهرباء والمواصلات والاتصالات والمهارات العالية لقوة العمل، وبنى فوقية متينة وصلبة وحديثة تقل فيها المخاطر السياسية ان لم تنعدم وتقدم امتيازات قانونية مشفوعة بمقدرة على حماية هذه الامتيازات. ان حركة رأس المال أشبه بسيل الماء المتدفق الذي يجري دوما للبحث عن مستقر في المحيطات الهادئة ، وهو في جريانه هذا يتحرك في قنوات ومجار مفتوحة فاذا اعترض سبيله حاجز أو سد فانه يغير اتجاهه ، لكنه في الأخير يظل يتحرك ويتدفق. والبلدان الصناعية المتقدمة تتمتع ببنية مؤسسية راسخة وعريقة وهياكل تحتية متقدمة جاذبة للاستثمارات، بينما اليمن وللأسف ما زالت تحكمه بيئة استثمارية منفرة والكوابح المادية كثيرة ومتنوعة وقوية. وليس هناك ما هو أدل على ذلك من تقرير الهيئة الاستشارية الدولية للاستثمار FIAS التي وصفت مناخ الاستثمار في اليمن بما يأتي:
مستوى دخل منخفض وتجمعات سكانية مشتتة وبيئة طبيعية صعبة ونظام قانوني متخلف وبناء مؤسسي ضعيف، والأكثر خطورة حلول اليمن في موقع مرتفع ضمن تصنيف البلدان بحسب المخاطر السياسية، فضلاً عن حقيقة أن الدولة أو الحكومة اليمنية يُنظر اليها على أنها ضعيفة غير جديرة بالثقة وتفتقر الى المصداقية.
قوة العمل اليمنية
غير أن اليمن يحتل المرتبة الثانية عشرة في بلدان التحول من حيث حركة قوة العمل على الصعيد العالمي كأحد الأبعاد الثلاثة لعولمة الموارد السلع ، رأس المال والعمل. وبلغ حجم عائدات تحويلات قوة العمل عام 1996 نحو 1123 مليون دولار وهي تأتي مباشرة بعد الأردن وباكستان وبنغلادش والبرازيل وتتقدم كلاً من اندونيسيا وتونس الجزائر وعدد آخر من البلدان. ولا شك أن ذلك يعد أحد معايير اندماج اليمن في سوق العمل الدولية. بيد أن ذلك يجب ألا يضللنا كثيراً اذ ان معظم هذه العمالة هي عمالة غير ماهرة ونطاق حركتها وتنقلها محدود في اطار البلدان النفطية المجاورة. وهذه الأخيرة تشهد في داخلها تغييرات ملموسة في هيكل سوق العمل ينحاز الى العمالة الماهرة وشبه الماهرة. وهذا يعني أن العمالة اليمنية اذا استمرت بتلك الخصائص التي يهيمن عليها عدم التأهيل والمهارة التي يتطلبها سوق العمل الاقليمي والدولي فإنها قد تفقد الميزة النسبية التي تتمتع بها الآن ما يعني فقدان اليمن لمورد مهم من الموارد الاقتصادية الأجنبية المحدودة. كما يتعين الاشارة الى نقطة بالغة الأهمية في ما يتعلق بخصائص الاندماج في سوق عالمية واحدة التي تتولى منظمة التجارة الدولية الاشراف عليها، وهي أن نمط العولمة السائد اليوم ينطوي على معاملة تمييزية في شأن الأبعاد الثلاثة لنشاط السوق الاقتصادية العالمية: العمل ، رأس المال والسلع. فالسوق الدولية تختصر أبعاد الاندماج الاقتصادي العالمي الى بعدين اثنين فقط وهما رأس المال والسلع وتستثني بعد العمل من هذه السوق تعبيراً عن مخاوف الدول الصناعية المتطورة من منافسة العمالة الرخيصة القادمة من بلدان العالم الثالث. وهو ما يقود مرة أخرى الى نتيجة واحدة بأن العولمة ما هي الا نشاط مراقب تميل الى ترجيح مصالح البلدان المتقدمة اللاعب الأول والرئيسي فيها. ان عولمة الأسواق ما برحت شديدة التحيز ، حيث الحدود ما زالت مغلقة أمام حركة قوة العمل، غير الماهرة على وجه الخصوص.
الواقع الراهن للصناعة اليمنية
ان قطاع الصناعة في اليمن في الوقت الحاضر، والصناعة التحويلية على وجه التحديد، في مأزق خطير وحال يرثى لها، وليس بالامكان عقد الآمال عليه في صورته الراهنة. فخلال عقد الثمانينات لم يطرأ تغيير يذكر على مساهمة الصناعة في اجمالي الناتج المحلي. حيث كانت نسبة مساهمتها عام 1980 نحو 21 في المئة وارتفعت الى 22.9 في المئة عام 1998، وهو ارتفاع طفيف لا يوحي بوجود نمو صناعي يذكر. وعلى رغم أن هذه النسبة ارتفعت عام 1998 الى نحو 26 في المئة، الا أن هذا الارتفاع تحقق على يد صناعة النفط بالدرجة الأولى، حيث تستأثر هذه الصناعة بنسبة 81 في المئة من قيمة الناتج الصناعي. أما الصناعات التحويلية غير النفطية فهي لم تحقق تطوراً يعتد به خلال العشرين عاماً الماضية ولم تزد مساهمتها في تكوين اجمالي الناتج المحلي الا بنسبة طفيفة، أي من 6.7 في المئة في بداية الثمانينات الى 8 في المئة في نهاية التسعينات. كما أن مساهمة الصناعة في توظيف قوة العمل ضئيلة للغاية، وهو ما يفصح عن الضعف الشديد في مساهمة الصناعة في التحول الاقتصادي والاجتماعي في اليمن. لقد تولت الصناعة في المجتمعات الناهضة الدور المركزي في عملية التحديث الاقتصادي والاجتماعي لما تفرضه من شروط وما تتطلبه من تحديث في البنى المؤسسية، التعليمية على وجه الخصوص، والاجتماعية والاقتصادية وما تقوده من تغيير في طرق الانتاج وعلاقات الانتاج وبنى التفكير والسلوك المجتمعي. ومن دون صناعة تحويلية دينامية متنوعة ومتطورة يستحيل على مجتمع ما أن ينهض بقدراته وامكاناته ويندمج بصورة ايجابية وفعالة في مناخ العصر المعولم.
ويمكن تقويم حال الصناعة اليمنية وآفاقها من ثلاث زوايا: الأولى عدد ونوعية المنشآت الصناعية وتطورها خلال فترة زمنية والزاوية الثانية عدد المشتغلين بهذه الصناعات ونسبة الأجور المتولدة عنها قياساً بإجمالي تعويضات العاملين التي يولدها الاقتصاد القومي. أما الزاوية الثالثة وهي الزاوية الأهم التي سينصب عليها التحليل في هذه الدراسة بدرجة رئيسية وهي حجم القيمة المضافة التي يولدها نشاط قطاع الصناعة، انتاجية هذه الصناعة وحجم وطبيعة الصادرات الصناعية ونسبتها الى الناتج القومي. وحتى يكون التقويم موضوعياً والتحليل الاقتصادي لواقع الصناعة ذا معنى فان ذلك يقتضي استشراف البيئة الفيزيقية والمناخ المؤسسي الذي تنشط وتتفاعل في كنفه هذه الصناعة. وفي الواقع سينصب التحليل هنا بصورة كلية على قطاع الصناعة التحويلية باعتبارها القطاع الصناعي المعني بدرجة أساسية بآثار الانضمام الى منظمة التجارة العالمية.
لكنه من غير الكافي ولا المفيد الاكتفاء بمؤشرات مساهمة الصناعة التحويلية والاستخراجية في توليد القيمة المضافة للناتج الصناعي أو الناتج الاجمالي للاستدلال على الخصائص البنيوية لقطاع الصناعة وتطورها. بل انه ينبغي الغور عميقا وراء هذه المؤشرات الجزئية لاستكشاف تطور خصائص الصناعة اليمنية والتحويلية على وجه الخصوص والاستدلال بمؤشرات اقتصادية ذات طبيعية ماكروية كتغير سعر الصرف وتعويمه، وزيادة الانتاج النفطي وأسعار النفط في السوق العالمية، وطبيعة هيكل الصناعة التحويلية والتقانات الانتاجية المستخدمة فيها، وهي مسائل كلها تغيرت بما يقلل من الوزن النسبي للصناعة التحويلية. على أنه يمكن الاستنتاج بصورة أولية بأن تردي مساهمة قطاع الصناعة التحويلية في توليد القيمة المضافة على المستوى القطاعي والكلي انما يفصح بصورة عامة عن اختلالات عميقة وبنيوية في الطابع الانتاجي للاقتصاد الوطني وعن وجود معوقات مزمنة تقيد امكانية تعزيز وتطوير الدور النسبي لقطاع الصناعة التحويلية ذات الأهمية القصوى، لما تتميز به من خصائص دينامية، ومقدرتها على حفز النمو والتوسع الاقتصادي والتكامل في ما بين قطاعات الاقتصاد الصناعي، وتأسيس شبكة من الروابط الأمامية والخلفية مع مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني بصورة عامة. وهو ما يدعونا للذهاب نحو قراءة تحليلية معمقة لهيكل قطاع الصناعة التحويلية.
ولم يتغير الوزن النسبي لهيكل الصناعة التحويلية كثيرا عما كان عليه عام 1990. واذا كان هناك من دلالة على ذلك فهو أن الصناعة التحويلية تتسم بالاستاتيكية الهيكلية وتقوقعها في أنشطة وصناعات بسيطة ومعروفة النتائج، ولا توحي بوجود مبادرات تذكر لادخال صناعات ومنشآت كبيرة وجديدة كثيفة رأس المال والتكنولوجيا من طرف رجال الأعمال والمستثمرين، وهو ما يعكس مخاوف المستثمرين المحليين والأجانب وترددهم جراء عدم استقرار بيئة الاستثمار في اليمن ومقوماتها. كما أن استراتيجية التصنيع نحو الداخل استراتيجية احلال الواردات التي سادت لثلاثة عقود ونيف من النشاط الصناعي في اليمن، في ظل مستوى دخول منخفضة وسوق ضيقة قد فرضت على هذه الصناعة التحويلية التطبع بهذا الطابع.
وتدلل التجربة التاريخية، في ظل توافر ظروف طبيعية ومشجعة، أن الطلب على منتجات الصناعة الخفيفة، يمكن أن يمثل مصدراً مهماً للتأثير في الانتاج الصناعي باتجاه مزيد من التوسع الكمي والانتقال التدرجي الى نمط من الصناعات الاستثمارية. ويتوقف الطلب على أموال الاستهلاك على عوامل أهمها:
مستوى الدخل والظروف الموضوعية التي تحيط بالدخل والحاجات الشخصية والنزعات النفسية وعادات وسلوك الأفراد الذين يكونون المجتمع والأسس والمبادئ التي تحكم توزيع الدخل القومي للمجتمع.
أما الطلب على أموال الاستثمار فيتوقف على الميل المتوسط والحدي للاستثمار. وهذا الأخير يتحدد وفقا لقرارات المستثمرين الذين يحددون الانتاج عند هذا المستوى الذي يحقق لهم أقصى ربح ممكن، أي عند المستوى الذي يرفع الانتاج المتوقع عن مستلزمات هذا الانتاج. بعبارة أخرى يتوقف الميل للاستثمار على مجموع الدخول السنوية المتوقعة من رأس المال وسعر الفائدة وغيرها.
* أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.