يواجه التجمع الوطني الديموقراطي الجزائري، حزب الغالبية البرلمانية السابقة، أعقد ازمة منذ أن أسسته العام 1997 منظمات قريبة الى الحكومة مثل منظمة قدماء المجاهدين والمركزية النقابية للعمال، بدعم واضح من المؤسسة العسكرية، بهدف ايجاد دعم نظام للرئيس السابق اليمين زروال. وقرر الأمين العام للحزب وزير العدل الحالي رئيس الحكومة السابق احمد اويحيى تجنب كل تصريح في شأن الموقف من الانتخابات التشريعية التي جرت الخميس الماضي وانتهت الى هبوط تمثيل الحزب الى 47 مقعداً في البرلمان. ويعقد المكتب الوطني للحزب اجتماعاً طارئاً لتقويم نتائج الانتخابات والاستماع الى اويحيى واتخاذ بعض الاجراءات الملائمة بما في ذلك تحديد المستقبل السياسي للقيادة الحالية. وعلى رغم سلسلة الانتقادات التي كان يوجهها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى حزب التجمع خلال اجتماعات مجلس الوزراء حافظ على علاقة جيدة مع اويحيى. وجاء تأكيد المجلس الدستوري حصول التجمع على 47 مقعداً، بعدما كان تمثيله 156 مقعداً في البرلمان السابق، ليعزز القناعة في أوساط الحزب بأن بوتفليقة غير متحمس لإعطائه دوراً أساسياً في المرحلة المقبلة. وتعتقد أوساط سياسية أن انهيار التجمع الوطني الذي كان يدرج ضمن إحدى الواجهات السياسية المفضلة لدى المؤسسة العسكرية، ربما حمل صفعة للذين لم يترددوا في تشكيل قوى حزبية جديدة عندما خرجت جبهة التحرير الوطني بقيادة أمينها العام السابق عبدالحميد مهري بين 1989 و1996 عن طاعة الحكم. لكن أوساطاً مطلعة ترى في حصول جبهة التحرير على الغالبية البرلمانية إشارة من الجيش لدعم امينها العام السيد علي بن فليس الذي يظهر كخليفة محتمل لبوتفليقة. وتشير الأوساط ذاتها الى أن 99 في المئة من أصوات افراد الجيش في العاصمة، والتي تقدر بأكثر من 77 ألف ناخب، صبّت في مصلحة جبهة التحرير، مما مكن بن فليس من الحصول على 13 مقعداً اضافياً. وإلى مضاعفات النتائج الانتخابية يواجه اويحيى تحديات داخلية أبرزها تهديدات "جبهة إنقاذ التجمع الوطني الديموقراطي"، وهي تجمع لعدد كبير من النشطاء الذين اقصاهم من الترشح في الانتخابات والتي تضغط عليه للرحيل عن قيادة الحزب. وطالب مكتب "لجنة الانقاذ" امس، اويحيى واعضاء مكتبه الوطني بالاستقالة الجماعية "عملاً بقواعد وأخلاقيات الممارسة الديموقراطية والحزبية"، وأرجع أعضاء اللجنة أسباب فشل التجمع الوطني إلى "تبنى إيديولوجية لائكية علمانية استئصالية تتنافى ومبادئ الحزب المستلهمة من البيان المقدس ل"فاتح نوفمبر" تشرين الثاني 1954". كما اتهموا أويحيى باعتماده خطاباً سياسياً "يهدف إلى زرع الفتنة بين الجزائريين"، في إشارة إلى مهاجمته الأصوليين أثناء الحملة الانتخابية ومعارضته مسعى المصالحة الوطنية. وتضم "لجنة الانقاذ" عدداً كبيراً من اعضاء البرلمان السابق "الغاضبين" لإقصائهم من الترشح، مثل عيسى نواصري وقاسم كبير وحمانة بوشرمة. وتشير معلومات متطابقة إلى وجود مشاورات بين شخصيات نافذة في التجمع من أجل لم شمل عائلة الحزب، منها الذين استقالوا أو أقصوا مثل الجنرال المتقاعد محمد بتشين والطاهر بن بعيبش ومقداد سيفي ونور الدين بحبوح وبن مهيدي، وغيرهم ممن غادروا الحزب لسبب أو لآخر.