لم يتفاجأ المراقبون بارتقاء مستوى الكرة الآسيوية في كأس العالم "الآسيوية" الحالية، خصوصًا أن الزيارات المتعاقبة للخبراء الدوليين في الأعوام الثلاثة الأخيرة إلى اليابان تحديدًا ومن بينهم المدرب السابق للمنتخب الفرنسي إيميه جاكيه أوحت بهذه الاجواء وبالأهمية التي باتت لرياضة كرة القدم في المجتمع الياباني وجمهوره الناعم، وهم أشادوا بخطوة إدراج كرة القدم في النشاطات الرياضية المدرسية، ما شكل في اعتقادهم خطوةً بارزةً إلى الأمام كرّست موقع اللعبة في التقاليد الحضارية اليابانية. وبدورها، عكست الزيارات إلى كوريا الجنوبية حال الذهول الأكبر حجمًا، كون الانتشار الكبير للعبة تخطى تقاليد المجتمع الذي يتخذ نموذج الحياة الأميركية مثالاً له، بدليل أن رياضة البايسبول ذات الجذور الاميركية تعتبر الأكثر شعبية، لكن الخبراء لم يتفاءلوا كثيرًا بأن المونديال سيشكل ضمانة استمرار هذا الانتشار، انطلاقًا من أن استعدادات المنتخب الكوري للمونديال في المباريات الودّية التي خاضها في العام الاخير خلت من أي إشارة إلى إمكان تفجيره مفاجأة كبيرة في المنافسات الحالية تجعله ينضم الى لائحة المنتخبات المتأهلة إلى الدور ربع النهائي. وهم تخوفوا حتى من التأثيرات السلبية لحملة الانتقادات الواسعة التي تعرض لها المنتخب لجهة اتهامه بافتقاد الرؤية الفنية والتكتيكية التي يتمتع بها اليابانيون. وإذ اختلف الوضع في المونديال نفسه على صعيد إظهار الشعب الكوري الحماسة الأكبر، وتفوقهم على اليابانيين في تحقيق النتيجة الأفضل ببلوغ الدور ربع النهائي في مقابل توقف مسيرة المنتخب الياباني عند عتبة الدور الثاني، وتقديمهم بالتالي العروض الافضل والتي توجت بالفوز البارز والمستحق على إيطاليا العريقة، أدرك اليابانيون أن النهضة الحقيقية للكرة الآسيوية تشمل كوريا الجنوبية في الدرجة الاولى. وكان اليابانيون والكوريون اتخذوا تدابير التعاون مع الدول الاوروبية عبر تنفيذ معسكرات تدريبية مشتركة وتبادل الخبرات في المجالات كلها وتأمين متطلبات تطوير اللاعبين من خلال دعم إجراءات الاحتراف في الأندية الأوروبية من أجل بعث نهضتيهما في عالم اللعبة الشعبية الأولى في العالم. ويرجح أن يستمر هذا التعاون في الأعوام التالية انطلاقًا من أن البلدين لا يزالان يفتقدان القاعدة الصلبة لمواصلة مسيرة التطوير. ويمكن القول إن المدارس الكروية الاوروبية أنجزت مهمتها في تأمين المشاركة المشرفة لمنتخبي البلدين، واضطلع الفرنسي فيليب تروسييه والهولندي غوس هيدينك بدوريهما الكاملين في قيادة المنتخبين الياباني والكوري على التوالي، والحفاظ على ميزات المواهب الآسيوية المعتمدة على السرعة وتقنية المراوغة العالية وسواهما، في حين عالجا مشكلة التراجع البدني الذي شكل دائمًا حجر العثرة في فرض حضورهم في الاستحقاقات العالمية، وأوجدا نظام العمل ذي المستوى المرتفع والمرموق، علمًا أنه لا يخفى أن هيدينك أظهر ليونة أكبر في فرض أسلوبه ومزجه بالحيوية الكورية، في حين تمسك تروسييه أكثر بركائز أسلوبه القاسي عمومًا والملتزم بمعطيات محددة تضمن باعتقاده النتائج الجيدة تشمل تحديدًا اعتماد أسلوب لعب دفاع المنطقة وتوفير الدعم الدفاعي الكبير لخط الوسط من أجل زيادة فرص التحكم بمجريات المباريات، علمًا أن اللاعبين اليابانيين تكيفوا كليًا مع نظام تروسييه، ما يؤهلهم لغزو البطولات الاوروبية في المرحلة التالية. وعمومًا يمكن القول إن جيلاً نموذجيًا من اللاعبين يتحضر لاطلاق مسيرته الاوروبية. كوريا المذهلة وإذا كانت الستارة أسدلت على مسيرة المنتخب الياباني في كأس العالم، فإن مسيرة المنتخب الكوري الجنوبي مستمرة وهي ستلتقي إسبانيا غدًا في كوانغ جو في الدور ربع النهائي. ويرى المراقبون أن المنتخب الكوري أوجد ظاهرة "انتعاش" المنافسات عبر روح المزج بين بساطة الاداء والقدرة على قلب الموازين لمصلحته في أي لحظة وأي ظرف، علمًا أن المنتخب الايطالي قدم باعتراف كثيرين أمامه أفضل عروضه التكتيكية في المونديال، قبل أن "يخنق" الضغط الكثيف والسرعة والتكاتف الجماعي تفوق لاعبيه ويحولهم الى ضحايا. ويحدد المراقبون نقطة القوة الرئيسية في الاداء الكوري في روح الاداء الجماعي المدمرة للخصم. والصلابة والتركيز الكبيرين اللذين يعكسان إدراك اللاعبين بواجباتهم كافة على أرض الملعب، علمًا أن صفة الهدوء في بناء الهجمات والاستمرار في الضغط على المرمى الايطالي من دون التعرض لخطر الانكشاف الخلفي أدهشت الجميع، وهي صفة المنتخبات الكبيرة والقادرة على انتزاع اللقب... ولما لا؟ ويرى جاكيه أنه سيصعب على أي منتخب دحر تقدم الكوريين الموهوبين والذين يخلو أداؤهم من أي ثغرة فنية بارزة، "علمًا أن هيدينك نجح في التوصل إلى التشكيلة الأكثر فاعلية استنادًا الى حسن تقويمه للمباريات السابقة، ولا أغالي في الاعتراف بأن إحساس التعاون الجماعي يفوق نظيره لدى المنتخب البرازيلي كونه أكثر واقعية من دون أن يعني ذلك إغفال روح المغامرة المثمرة غالبًا". ويؤكد جاكيه بأن فرص كوريا أكبر في التغلب على إسبانيا، "إذ أن تقويض فاعلية الثنائي الهجومي راوول غونزاليس وفرناندو مورينتس لن يمثل بالنسبة إلى الكوريين مشكلة أكبر حجمًا من الثنائي الايطالي كريستيان فييري وأليساندرو دل بييرو، في حين ستنجح حيوية المهاجمين الكوريين في "خردقة" الدفاع الاسباني ذي التحركات الثقيلة نسبيًا على أرض الملعب، ويتوجب على المدرب كاماتشو تعزيز خط الوسط المهدد بمواجهة ثغرات كبيرة".