واصل المنتخب الياباني لكرة القدم مسلسل صنع الاثارة الاكبر في البطولات التي يشارك فيها، فبعد احرازه لقب كأس الامم الآسيوية العام الماضي في لبنان، بلغ الدور نصف النهائي من بطولة العالم الخامسة للقارات على كأس الأمير فهد بن عبدالعزيز التي يستضيفها حالياً على ارضه بالتعاون مع كوريا الجنوبية. ويعزز انجازه الاخير تحديداً امام افضل المنتخبات القارية والعالمية احتمال استكماله مسلسل الاثارة في مونديال 2002 الذي يستضيفه على ارضه مع كوريا الجنوبية ايضاً، وهو امر لم يكن في حسبان حتى اكثر المتفائلين بامكانات الكرة اليابانية، لدى منح الاتحاد الدولي الفيفا اياها حق استضافة المونديال قبل اعوام عدة. واذ كان من الواقعي الا تدخل النتائج الجيدة في حسابات اليابانيين نفسهم في الاستحقاق الكروي الاكبر في العالم، لدى انطلاق استعدادات المنتخب الفعلية قبل اعوام عدة، وخصوصاً ان النهضة الكروية الجديدة لديهم لم تبدأ الا عام 1993، مع انشاء دوري المحترفين، فان التغيير الكبير نحو انشاد التطور المستحيل في هذه الفترة القصيرة فرضه تولي الفرنسي فيليب تروسييه مسؤولية تدريب المنتخب في ايلول سبتمبر عام 1998. لقد جسد تروسييه بنزعته المتعطشة الى الانتصارات والشهرة النموذج المثالي لقيادة مسيرة المنتخب الياباني، الذي يبحث عن عنصر الهام حقيقي يقود حلمه في دخول ميدان كبار اللعبة الشعبية الاولى في العالم، وتغيير النظرة العالمية اليه باعتباره قوة ضاربة موقتة لا تملك مقومات الاستمرار في تحقيق الانجازات الكبيرة. ومنح تروسييه لاعبيه الثقة بالنفس الممزوجة بالتطور التكتيكي الذي عزز قدرات المنتخب على مواجهة اي تحدي مهما بلغ شأنه، وهو ما ظهر في الدور الاول من بطولة القارات ذاتها، حين هزم الكاميرون، بطلة افريقيا، وكندا بطلة دول الكونكاكاف، وواجهت البرازيل، وصيفة مونديال فرنسا عام 1998، بندية، على رغم ان الاخيرة افتقدت غالبية عناصرها الاساسية، علماً ان اليابان خاضت مباراتها امام البرازيل على سبيل تأدية الواجب، بعدما كانت ضمنت تأهلها للدور نصف النهائي. ويمكن القول اذاك ان انجازات تروسييه جعلته يتحول من "الساحر الابيض"، وهو اللقب الذي اقترن بمغامرته الافريقية في بداية التسعينات من القرن الماضي، الى "المارد الاحمر" في القارة الصفراء، كونه يدافع عن مبادئه الاستراتيجية والتكتيكية بعصبية بالغة تجعل وجهه يتلون ب"الاحمر"، ولا يقبل أي تقاعص في تطبيقها سواء من قبل لاعبيه اومن قبل اداريي الاتحاد الياباني انفسهم الذين منحوه صلاحيات مطلقة غير مسبوقة في اي لعبة اخرى مهما بلغت شعبيتها محلياً، وهم تراجعوا اليوم عن مهمة انتقاده الدائم في ظل معارضته نظام الدوري، وباتوا يعتمدون عليه لانقاذ هذا الدوري من التقهقر والتراجع الحالي عبر الاخذ بنصائحه وتطبيقها على ارض الواقع. ونذكر في هذا الاطار حملة الانتقادات الصحافية الكبيرة التي طالبت باقالته اثر خسارة المنتخب امام كوريا الجنوبية 1- صفر في نيسان ابريل من العام الماضي، والتي اضطر فيها الى ملازمة منزله طوال ثلاثة اسابيع على التوالي، علماً ان احدى شبكات التلفزة وضعت كاميرات لمراقبة تحركاته الداخلية طوال هذه الفترة. واللافت ان صورة تروسييه كمارد فعلي تتكرس في اذهان اليابانيين حتى لدى تجوالهم في شوارع العاصمة طوكيو التي تعج بصوره العملاقة، علماً انه نفسه لا يلجأ الى استغلال هذه الصورة للتباهي او التفاخر، اذ يحرص على التأقلم مع اساليب الحياة الاجتماعية البسيطة لليابانيين، وخصوصاً في التنقل يومياً من مكان اقامته الى مقر الاتحاد بالقطار. ولا يعارض تروسييه اي طلب لالتقاط الصور معه خلال نزهاته او جولات تسوقه، او الرد على اسئلة الصحافيين الذين يتجمعون بالعشرات بالقرب من بوابة خروج المترو للحصول على تصريحاته، كما انه يتحاشى بشتى الوسائل انتقاد تقاليدهم التي تعكس صورة الانغلاق عموماً. وتتكرس هذه الصورة ايضاً في زيارة 500 الف شخص اسبوعياً موقعه على شبكة الانترنت، وتلقيه دعوات بالمئات لاجراء المقابلات الصحافية، علماً ان وسائل الاعلام المكتوبة نشرت آلاف المقالات عنه حتى الآن، من بينها واحدة اتهمته بعدم احترام المعوقين، وأخرى ذكرت تجوله في شارع للشاذين جنسياً!