لم تنحصر معطيات الفوز الياباني الكبير على نظيره السعودي 4-1 في مباراته الاولى ضمن منافسات المجموعة الثالثة، في خوض "الاخضر" مباراة سيئة فنياً وتكتيكياً باعتراف مسؤولي جهازه الفني ولاعبيه سوياً، او معاناة المنتخب الياباني من التوفيق الزائد لليابانيين في الهجمات المرتدة السريعة التي شكلت ركيزة الفوز. وظهر جلياً من خلال المباراة امتلاك اليابانيين المقومات المثالية لانتزاع اللقب، والتي تؤكد فعلياً جدية تصريحات المدرب الفرنسي فيليب تروسييه قبل خوضه المنافسات في انه لا يرى اي منافس لمنتخبه على زعامة هذه البطولة. ومن البديهي القول ان نزعة الربح التي تميز اليابانيين عموماً في حياتهم اليومية والاجتماعية ونشاطاتهم الرياضية التي ترتبط بتقاليدهم الخاصة وتاريخهم العريق عبر العاب الجودو والسومو والبايسبول خصوصاً، بدأت في الظهور بشكل واضح في كرة القدم لدرجة يمكن ان تغير المعادلات كلها في كرة القدم الآسيوية. ولا شك في ان هذه النزعة فرضها اقتناع اليابانيين بقدرتهم على البروز في هذه الرياضة، وتحقيق طموحات التألق الكبيرة على الصعيدين الآسيوي والعالمي، خصوصاً بعدما تحول حلمهم في التأهل الى نهائيات المونديال الى واقع ملموس في مونديال فرنسا الاخير عام 1998. وبات هذا الاقتناع الراسخ البديل لاقتران الظاهرة الشعبية الكبيرة لهذه الرياضة في الاعوام الاولى لتبني اسس الاحتراف على صعيد الدوري المحلي، والتي وضعت في عام 1993 على اعتبار انها افضل وسيلة للتحرر الاجتماعي والتغيير وصولاً الى الخروج من دائرة الانظمة الصارمة والتقاليد المحافظة التي قيدتهم. وعرف اليابانيون عبر الانطلاقة المتجددة لكرة القدم وقتذاك شعوراً مختلفاً وغريباً بالفرح خارج اطار الافتخار بالانتماء الى دولة ذات قوة اقتصادية عظيمة، ارتكزت على الاستغلال الكامل لقدراتهم الانتاجية عبر تطبيق نظام عمل شاق فرض عملهم ل50 ساعة اسبوعياً، وساعات اضافية من دون مقابل، وصولاً الى الغاء الاجازات السنوية. وعكس ذلك نواحي تصرف جديدة في الملاعب لجهة اجواء التشجيع الصاخبة التي لا تهدأ طوال المباراة، وتمتزج بالصراخ والرقص وابتكارات التنكر والتسريحات التي اقترنت برؤية خيالية كمنت اهميتها في عدم التزامها بآراء المجتمع عموماً لجهة تحديد صوابيتها او عدمها. ولفت في هذه التصرفات استبعادها لأي تهديد او مظاهر العنف او التشنجات الناتجة من التحديات الكبيرة بين الاندية والتي يمكن القول انها ليست قليلة، خصوصاً في ظل ارتفاع عدد الفرق في الدوري من 10 في عام 1993 الى 17 في عام 1997 و18 في عام 1998، ما اكد الاحترام الكامل للانظمة، واعتبار هذه الرياضة ميداناً جديراً لتجسيد الحضارة اليابانية بكل ابعادها. العنصر النسائي وشكل الحضور الكثيف للعنصر النسائي تحديداً دليلاً رئيسياً على مساهمة كرة القدم الكبيرة في تكريس ظاهرة التحرر الاجتماعي، خصوصاً من ناحية حجم خضوعهن الهائل للضوابط التي يفرضها الرجال عليهن عبر الوالد والاشقاء ورب العمل، ما الغى شخصيتهن بالكامل، وعرضهن للاذلال والاحتقار احياناً. ولا بد من الاشارة في هذا الاطار الى ان الشعور المختلف بالفرح استند الى ارضية صلبة وفرتها الاستعانة بنخبة النجوم العالميين امثال البرازيليين زيكو وليوناردو والالماني بيار ليتبارسكي وسواهم، والذين اضطلعوا بدور بارز في تطوير مستوى الفرق. لكن هذه الارضية تزعزعت نسبياً في الاعوام الاربعة التي تلت انطلاقة البطولة، بانحسار عدد النجوم البارزين بسبب وقوع غالبية الاندية في عجز مالي كبير. وهنا احتاجت البطولة الى شحنة "اوكسجين" لانقاذها من خطر الاختناق الفعلي، فجاء التأهل الى مونديال فرنسا الاخير لينتشلها من الغرق، وصولاً الى ايجاد الاسس المثالية لمواصلة مسيرتها على الطريق الصحيح عبر قرن التطور والنمو الملموس للكرة المحلية بنزعة الربح والتألق. تعزيز الثقة واللافت ان هذه النزعة عززت ثقة اليابانيين بالعناصر الداخلية من اجل قيادة مسيرة الفرق في تحدياتها المقبلة، والمنتخب بالتأكيد، وتبنى المسؤولون برامج تطوير قدرات اللاعبين عبر انشاء مدارس خاصة لاحتضانهم ورعايتهم ضمن مناهج مدروسة تمزج الدراسة العادية بالتدريبات اليومية والمعسكرات الخارجية في فترات العطلات السنوية، كما اولوا عناية كبيرة بتعزيز المهارات التدريبية المحلية من اجل مساندة عملية التطوير بفاعلية. اما البرامج المستقبلية فترتبط باجراء تكثيف الاحتكاكات الخارجية لكل فرق ومنتخبات الفئات العمرية. ولعل نزعة الربح تلك ازالت مفاجأة تحقيق المنتخب الياباني فوزاً كبيراً على المنتخب السعودي القوي في المباراة التي جمعت بينهما في هذه البطولة، وحتى في ظل غياب افضل لاعب في صفوفه هيدتوشي ناكاتا والمحترف في صفوف فريق روما الايطالي، ولجوء المدرب الفرنسي فيليب تروسييه الى عدم اشراك لاعب خط الوسط البارز في فريق اوراوا ريد دياموندز الواعد شينجي اونو الا في الدقائق العشرة الاخيرة من المباراة في محاولة لتوفير جهوده الى المراحل التالية، ومن دون ان يمنع ذلك تسجيله هدف فريقه الرابع. وكان تروسييه عزا السبب في تخلف نجم المنتخب وفريق روما الايطالي هيديتوشي ناكاتا عن الانضمام الى منتخب بلاده الى افتقاده الحافز في هذه البطولة بخلاف دورة الالعاب الاولمبية الاخيرة في سيدني، حيث قاد بلاده الى التأهل الى الدور ربع النهائي قبل ان يخرج بركلات الترجيح امام منتخب الولاياتالمتحدة. واضاف تروسييه: "لا احتاج بالتأكيد الى لاعب لا يملك حافزاً كبيراً للمشاركة، فالمتطلبات الفنية كثيرة في ظل تحديد هدف احراز اللقب بالدرجة الاولى من اجل توفير الحافز المعنوي لقيادة مسيرة المنتخب في استعداداته المقبلة لمونديال 2002". وتابع "والحقيقة تقال انني آثرت منح ناكاتا فرصة الحصول على موسم جيد مع فريقه في الدوري الايطالي الذي يشهد منافسة كبيرة في المراكز الهجومية بوجود الارجنتيني غبريال باتيستوتا وديلفيكيو وتوتي وسواهم، كما انني اخذت في الاعتبار انه فوت شهراً كاملاً من التحضيرات مع فريقه بعدما انتظم في معسكر المنتخب الاولمبي وخاض منافسات سيدني، ما يهدد مركزه الرئيسي جدياً في فريقه".