سمح المخرج الذي اعتُمد لأزمة انتخابات المتن الشمالي اول من امس، بإعلان فوز مرشح المعارضة غبريال المر، لكنه لم يقفل الملف السياسي لتلك الانتخابات، على رغم طيه انتخابياً. وتختصر الساعات ال48 التي سبقت اعلان فوز المعارضة وحبلت بالمفارقات السياسية صراعات كامنة داخل السلطة اضافة الى صراع بعض السلطة مع المعارضة. وتسجل مصادر وثيقة الصلة بالمداولات التي أُجريت خلال الأيام الماضية الآتي: - ان الجانب السوري في تدخله لدفع اطراف السلطة الى الاتفاق على مخرج ينهي أزمة تأخير فوز غبريال المر، اصرّ على ان يتم ذلك في الإطار اللبناني، ورفض اي مخرج تشارك فيه سورية، أو يتم بإشرافها أو بناء لاقتراحها. وانحصر الدور السوري بالضغط من اجل التوصل الى هذا المخرج في اسرع وقت، وبتكرار القول: "انتم قادرون على وضع الصيغة الأفضل لأي مخرج فلا تقحمونا في التفاصيل. والمخرج عندكم ولا علاقة لنا به. ما يهمنا عدم حصول تصدع في الوضع الداخلي لا مبرر له". ويقول بعض الذين تابعوا قضية الانتخابات ونتائجها ان امتناع المسؤولين السوريين عن "التورط" في اي مخرج يعود الى رفضهم ان يبيعهم اي فريق حلاً يوحي كأنه يسلّف دمشق موقفاً. وهم لهذا السبب امتنعوا عن لقاء اي من المعنيين بالأزمة على مستوى عال، تجنباً لأي ايحاء بأنهم سيقدمون اي مقابل لحلحلة الأزمة... معتبرين ان استمرارها يسيء لدمشق امام الرأي العام والمعارضة والخارج. ويقول مطلعون على تفاصيل الاتصالات التي اجريت ان دمشق كانت قاسية احياناً في ايحاءاتها الى بعض الفرقاء الذين عاندوا حلحلة الأمور، وفي افهامها المعنيين انها ليست في وارد تقديم اي ثمن لهذه الحلحلة. - ان ثمة اطرافاً في السلطة تلاعبت بالمعطيات التي رافقت تأخير إعلان فوز غبريال المر وقدمت حتى لرئيس الجمهورية اميل لحود معلومات غير دقيقة. وتقول مصادر مقربة من المعارضة ان الرئيس لحود استند الى المحضر الذي اذاعه الوزير المر الثلثاء 4 الشهر الجاري عن لجنة القيد العليا والذي قال انه ينص على احتمالين: فوز ميرنا المر في حال إلغاء صندوق الاقتراع في بلدة حملايا وفوز غبريال في حال الإبقاء على هذا الصندوق. وتشير هذه المصادر الى ان لحود ابلغ موفدي البطريرك الماروني نصر الله صفير، المطرانين رولان ابو جودة ويوسف بشارة بهذا المحضر ليل الاثنين 3 حزيران يونيو، إلا انهما بعد لقائهما رئيس الجمهورية استوضحا القاضي المعني في لجنة القيد العليا فأبلغهما ان المحضر الذي أصدرته اللجنة يشير الى فوز غبريال المر وهو المحضر الذي أبرزه النائب نسيب لحود امام الإعلام. كما ان رئيس الجمهورية حين تبلغ بذلك من صفير انزعج من اعطائه معلومات منقوصة، وهي معلومات كانت وصلت الى المسؤولين السوريين ايضاً ودققوا فيها بدورهم ليكتشفوا الأمر ذاته. - ان الوسطاء الذين تدخلوا من اجل تسريع المخرج والمسؤولين السوريين كانوا حاسمين ازاء بعض التقديرات التي لمحت الى ان الأزمة باتت تحتاج الى تغيير حكومي، خصوصاً اثر هجوم وزير الداخلية على رئيس الحكومة رفيق الحريري، واعتبروا ان الظروف لا تسمح بتغيير كهذا. بل ان دمشق اعتبرت انه إذا كان الزعماء اللبنانيون غير قادرين على تأمين عقد لجنة القيد العليا كي تصدر النتائج النهائية لانتخابات المتن الفرعية، ويتخبطون في اعلان هذه النتيجة، فكيف سيمكنهم الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة؟". وتم استبعاد هذا الاحتمال كلياً. - ان النائب ميشال المر ونجله وزير الداخلية الياس المر سعيا الى تأخير الإعلان عن المخرج، والتراجع عن تشبثهما بإعلان فوز كريمة الأول وشقيقة الثاني ميرنا، في شكل زاد من صعوبة تخفيف اضرار الخسارة التي لحقت بهما جراء فوز غبريال المر، الى ان اقتنع الأول بأن يعلن المخرج بنفسه حفاظاً على علاقته بجمهوره وناخبيه. وسبق ذلك ان الياس المر حاول تأخير لقائه مع الحريري من ليل السبت الى الأسبوع الحالي. وبعد ان وافق على اللقاء، كاد يتراجع عنه قبل نصف ساعة من عقده إثر مساع لوزير الإعلام غازي العريضي. لكن اصرار الأطراف التي شجعتها دمشق على نزع فتيل الخلاف الحكومي على ان يتم قبل صبيحة الاثنين من اجل تبريد الأجواء السياسية، والأسواق المالية، ادى الى إقناع المر بإتمام الزيارة، التي لم تنته الى إقناعه بإعلان فوز غبريال المر، على رغم المصارحة التي تخللت اللقاء. وهذا ما ادى الى مواصلة الجهود الضاغطة يوم الأحد من دمشق، التي استعانت بحلفاء لها، هم حلفاء لميشال المر في الوقت نفسه، لتشجيعه على التسليم بإعلان فوز غبريال المر... وقد ساهم في تأخر آل المر في الاقتناع ان المر الأب كان مستاء من تسرع نجله، الأسبوع الماضي في إعلان فوز عمه، الذي عاد فتراجع عنه... - انه على رغم الجهود التي بذلت كي لا تتأثر العلاقات الرئاسية بمعركة المتن الفرعية، فإن بعض مراحل الأزمة كادت ترخي بثقلها على هذه العلاقات، وبالتالي على جهود انهاء التأزم. فبعد ان كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري والحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أبلغوا لحود انهم يضعون الحل بين يديه ويتركون له إخراج نتيجة الانتخابات، وبعد توافقهم مع ما اعلنه في مجلس الوزراء بأن لجان القيد هي التي تعطي النتائج النهائية، تأثّر لحود، باتهام وزير الداخلية للحريري بالتدخل في النتائج، خصوصاً ان الوزير هو من فريق الرئاسة الأولى، وواكب ذلك تأكيد المر ان النتيجة القانونية هي فوز شقيقته. إلا ان الوسطاء اشاروا الى ان لحود عاد فأخذ برأي بري والحريري وجنبلاط، خصوصاً انهم وقفوا الى جانبه ووضعوا الحل بين يديه، واعتبروا ان فوز ميرنا المر غير قانوني، بل ان بري فنّد بالتفاصيل، اسباب لا قانونية إعلان فوزها. وفي المقابل كاد الحريري يمتنع عن استقبال المر، نتيجة هجوم الأخير عليه لاتصاله بأحد القضاة من اجل الاستفسار عن النتائج. واعتبر انه فعل ذلك لأن الوزير لم يضعه في اجواء ما يجري على صعيد العملية الانتخابية. لكنه سرعان ما وافق على استقباله بناء لإلحاح الوسطاء على وجوب انهاء الأزمة، خصوصاً ان الجانب السوري كان اعتبر انه لا يجوز للعلاقات الرئاسية ان تتأثر عند كل هزة سياسية.