تتوالى حوارات الكاتب النيجيري وول سوينكا في الصحف العالمية وآخرها حوار أجرته جريدة "إلبايس" الإسبانية تحدث فيه عن الزيارة التي قام بها مع وفد البرلمان الدولي للكتاب إلى رام الله، وكذلك عن القضية العربية وموقف الادباء والمثقفين في العالم منها. هنا ترجمة مقتطفات من الحوار. رداً على سؤال عن الفرق بين الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي والصراعات التي شهدها التاريخ يقول: أولاً الفرق هو بشاعة الظلم. الأرض ليست من وسائل الترف. توجد علاقة عاطفية بين الناس والأرض. عندما تسلب أرض إنسان لا يمكن مقارنة المشاعر التي يسببها هذا بمشاعر شخص سُرقت سيارته على سبيل المثال. الأرض كانت سر الكفاح ضد الاستعمار في كينيا. هي التي أعطت معنى لحركة "ماو ماو". فالكفاح لم يكن ضد الاستعمار فقط. يوجد هذا العامل الاضافي الذي جعل الكفاح أعنف في كينيا أكثر منه في غرب أفريقيا. هذا النوع من الاستعمار الذي تحتل فيه قوى أجنبية الأرض دائماً ما يكون النضال ضده شديد المرارة". ويقارن بين ما يحصل في فلسطين وما يحصل في زيمبابوي قائلاً: "موغابي استطاع استغلال القوة العاطفية التي تسببها مشكلة الأرض من أجل أهدافه السياسية، لكي يغطي جرائمه. هنا، كان على الفلسطينيين أن يروا كيف يأكل الاسرائيليون أرضهم. الفرق في هذه الحالة أن المسؤولين الذين يقصفون المنازل ويدفعون الفلسطينيين إلى النزوح عاماً بعد عام، بشر أيضاً. هذا يشبه أن تبتر عضواً من جسم انسان. والأمر الثاني هو الاهانة، الشعور بالدونية في الوطن، في الوطن الذي يعتقد الانسان انه ينتمي إليه. فلنلاحظ على سبيل المثال، الدوريات العسكرية الاسرائيلية التي تتحكم في حركة الناس وتجعل الاماكن التي يوجد فيها الفلسطينيون سجوناً حقيقية. أعتقد أن حركة هذه الدوريات ليست بسبب الأمن، وإنما يقومون بها من أجل الاهانة... الاهانة كسلاح سياسي. والهدف طبعاً هو تحقير الخصم، حتى يفقد الخصم إيمانه بنفسه. هذا يحدث في بعض المجتمعات! رأيناه في رام الله رأيت الشيوخ الكبار والأطفال، لكن هؤلاء لا يستسلمون. ويقول سوينكا: إن الوضع في الأراضي المحتلة يذكره بما كان يحدث في جنوب أفريقيا وسياسة التمييز العنصري، على رغم وجود اختلافات. "تجمعات السود كانت غيتوات أثناء التمييز العنصري، ولكن على العكس، غزةورام الله من المدن الحقيقية. لكن الحقيقة أن إهانة الناس هنا تتم بالطريقة نفسها. هنا توجد طرق ممنوع على الفلسطينيين السير فيها. هذا لم يكن يحدث في جنوب أفريقيا. عندما أقول إن هذا يشبه نظام التمييز العنصري فأنا أعرف بالضبط عما أتحدث: نظام يمتلك بعض المواطنين في ظله كل الحقوق ومجموعة أخرى لا تملكها، مجموعة من المواطنين لا يمكنها ان تعيش في الاماكن الذي تعمل فيها". وعن ظاهر العمليات الاستشهادية في فلسطين يقول: "اليأس قاد البشر دائماً إلى أفعال عنيفة. لقد تنبأت بهذا في مقال منذ فترة، عندما وقعت الحوادث الأولى. قلت إن العمليات الاستشهادية في طريقها لأن تصبح واقعاً دائماً. الانتحاري يولد آخر وهكذا حتى تصبح طريقة حياة. لا يمكن تفادي هذا، ويجب عدم التفكير فيه. وما يجدر ذكره انه حتى يوجد فيلم عن الانتحاريين يقدم المكان الذي يستعدون فيه، وكيف ومتى! يصبح هذا ظاهرة دينية وربما صوفية". ويضيف: "هذه ليست ظاهرة جديدة. هناك "الكاميكاز" اليابانيون في الحرب العالمية الثانية. وهناك الرهبان البوذيون. وأتذكر جان بالاج الذي أحرق نفسه حياً أثناء الغزو الروسي لتشيكوسلوفاكيا. يجب أن نضع في الحسبان عوامل عدة من دون أن نغفل سيكولوجيا الفرد نفسه وأيضاً سيكولوجية الجماعة. ما هو سيكولوجي قد يصبح شيئاً عادياً، مثل مرض يسيطر على شخصية انسان وعلى فلسفته ودواخله. هكذا لا تدهشني هذه العمليات وستستمر. يوجد المزيد والمزيد من المتطوعين ولا يرون الموت كتلاشٍ وإنما كرحلة". ورداً على سؤال ان كان المواطن يستطيع التخلص من المهانة ويؤكد هويته من طريق الموت يقول: "بمعنى من المعاني، نعم. من طريق الموت يمكن أن أصبح إنساناً. أنا أموت إذاً أنا موجود؟ هذا هو التعريف الصحيح". ويعترف سوينكا انه لا يمكن القضاء على مثل هذه الظاهرة.