ليست سيرة عادية تلك التي يرويها، بالأحرى يستكملها الكاتب النيجيري، الروائي والمسرحي، وول سوينكا، الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1986، وهي المرة الأولى التي تعطى فيها الجائزة العتيدة لكاتب أفريقي. نقول يستكملها لأن سوينكا نشر منذ سنوات بعض سيرته الذاتية في كتاب بعنوان "آكيه، سنوات الطفولة" وفيه يروي المؤلف وقائع حياة الطفولة في قرية نيجيرية واقعة في قلب منطقة تتحدث بلغة وثقافة "اليوروبا" الأفريقية. في سيرة الطفولة هذه التي تغطّي الأعوام الأحد عشر من حياته، يصف سوينكا علاقة الطفل مع مادّة حياته الماثلة والقادمة، مع الألوان والأصوات والشخصيات الأليفة بدون أن يغفل الشخصيات الغريبة الأطوار، ويحاول من خلال هذه العناصر كلها أن يلامس العالم الداخلي لهذا الطفل المولود من أم تكاد تكون في حدّ ذاتها مداراً سحرياً وخرافياً، ومن أب كان يعمل مدير مدرسة ولعب بوراً بارزاً في التكوين الذهني لابنه، ولما كانت العائلة الموسعة تشكّل المجال الاجتماعي الحميم والمتنوع في آن، فإننا نجد شخصية عائلية أخرى أثرت في تكوين الطفل وهي عمته أو خالته التي كانت أول محامية في نيجيريا تقوم بتنظيم نقابة للنساء، وهي أم المغنية "فيلر" التي أصبحت لاحقاً نجمة الموسيقى الأفريقية الحديثة. وعندما يشارف الولد على نهاية العام الحادي عشر من حياته يبدأ بالانتقال من عالم "البراءة" الى عالم البالغين بصخبه ومآسيه وخياناته، ذلك أن سوينكا بدأ في نهاية العام المذكور يسمع من حوله أحاديث عن هيروشيما. أمّا في كتابه الأخير، الصادر منذ بضعة أشهر عن دار "أكت سود" في باريس بعد نقله من الانكليزية الى الفرنسية، وهو بعنوان "إبادان، سنوات الفوضى الصاخبة"، فإن وول سوينكا يكتب سيرة تشكّل وعيه بما يدور حوله وفيه ومعه وعليه. واقتضى أمر السيرة هذه التي تغطي قرابة العشرين عاماً، ما بين عام 1946 وعام 1965، خمسمئة صفحة من القطع الكبير والكلام المرصوص، كما اقتضى خطة للسرد غير متصلة ومن شأنها بالتالي أن توقع القارىء في حيرة إذا ما رغب في تعيين النوع الأدبي الذي يمكن أن ينتمي أو ينسب اليه هذا النص الطويل، ذلك ان الكتاب الذي صدر بالانكليزية عام 1994 يحمل وجهين للسرد الأدبي قد لا يكون سهلاً أو حتى مستساغاً احلالهما الواحد في الآخر كما لو أنهما من مادة كتابية واحدة متناغمة ومنسجمة. الوجه الأول هو بطبيعة الحال وجه الكتابة الروائية وما تقتضيه من تقنيات السرد والصناعة والتخييل والملء. أما الوجه الثاني فهو وجه الكتابة التسجيلية التي تكتفي وتقنع بالوصف والعرض والاحاطة بالوقائع والأمور التي حصلت وكما حصلت تاركة للقارىء أن يستخرج منها ما يحلو له، والحق أن هذين الوجهين لا ينشئان على الدوام علاقة مستقرة ومرتاحة. ونحسب أن ظلال اللبس والتأرجح التي تلازم هذه العلاقة المضطربة بين المستوى الحكائي وبين المستوى الوثائقي أو التوثيقي، هي التي دفعت بسوينكا كي يضع مقدمة لكتابه يشرح فيها دواعي اختياره الأسلوبي هذا، ساعياً الى تبديد الحيرة المحتملة لقارئه. فهو يخبرنا بأن عمله هذا لا يزعم أن يكون غير "رواية - وثائقية أو توثيقية"، وان كان هذا النوع الأدبي يتعرّض للرفض والاستهجان، بسبب سعيه الى ترتيب الوقائع والأحداث بطريقة يمزج فيها المؤلِّف بين الواقع والخيال بمقادير متروكة لخدره وتحوطاته الخاصة لا لمقتضيات السرد والكتابة. في أي حال، يروي سوينكا في "إبادان، سنوات الفوضى الصاخبة"، وقائع ذهابه من القرية من أجل الدراسة الثانوية في "المدرسة الحكومية" غوفرغنت كوليج في إبادان، وهي مدينة تقع على مسافة مئة وأربعين كيلو متراً من العاصمة النيجيرية لاغوس، ومن ثم انتقاله الى انكلترا حيث أكمل دراسته الجامعية في ليدز، وعودته الى نيجيريا لحظة استقلال البلاد عن التاج البريطاني في عام 1960. لكن الراوي التسجيلي لا يستخدم صيغة المتكلم، بل صيغة الغائب على وجه العموم، ومع أنه يظلّ وفياً لواقعية وفعلية معظم شخصيات كتابه، بما في ذلك الأسماء والمواصفات واتصالها بأحداث حصلت بالفعل، فإنه استثنى بطله، أي هو نفسه، من هذه الأصالة الاخبارية وأعطاه اسماً صريحاً هو "مارين" ولقباً يستخدم أحياناً كإسم اضافي وهو "اكنكوي" الذي يدل في اللغة النيجيرية على الإنسان المشاغب والمشاكس، والحال أن الكاتب سوينكا يكاد يكون ثابتاً على أمر واحد أثناء سرده لتنقلات بطله ولمحطات حياته في انكلترا وباريس وفي الجامعة النيجيرية من بعد، وهذا الأمر هو ترسيخ صفة التمرد التي تلابس سيرة بطله، أي سيرته بالذات. وإذا كان سوينكا يحبذ صيغة الغائب فإنه لا يتوانى في بعض الأحيان عن استخدام صيغة المخاطب حين يجد الفرصة مناسبة للمخاطبة ذات الطابع الغنائي والشعري بعض الشيء، فهو مثلاً يصف وقائع عودته الى نيجيريا بعد خمس سنوات دراسية قضاها في انكلترا ويبث في ثنايا السرد وفي صورة قفلات للمقاطع عبارة تتكر مرات عدة وهي: "أو كان ينبغي عليك أن تعود خلسة مثل اللص المتسلّل ليلاً". على امتداد الصفحات الخمسمئة، تتوالى أحداث وأمور عاشها سوينكا كما لو أنها ترسيمة لعناصر متباينة ومختلفة قابلة للضبط والترابط في شخصية المثقف النقدي وهي شخصية قد يكون وول سوينكا أفضل تجسيداتها ونماذجها في أفريقيا. فهو، كما نعلم وكما يظهر من نصّه الطويل هذا، يقيم على مسافة نقدية تجاه بعض عبارات الحداثة وتجاه وجوه من التراث الأفريقي والنيجيري. وهذا التشبث بالموقف النقدي والمتمرد أضفى على عمله طابعاً سجالياً قد يكون شائعاً ومعروفاً في أدبيات الأفارقة والملونين السود، خصوصاً لدى مواجهتهم ودحضهم للعنصرية في عبارتها الصريحة أو المضمرة وتصدّرها واجهة العلاقات الدائرة بين البيض والسود خلال الحقبة الاستعمارية. غير أن وول سوينكا اختص بعض الشيء باصراره على وضع بصمات نقدية متميزة الى حدّ ما عن أقرانه. فهو مثلاً لم يتوان منذ مطلع الستينات عن انتقاد الكاتب والشاعر المعروف ايميه سيزار بسبب ميل هذا الأخير الى البحث ذي الطابع الصوفي في فكرة وصورة "الزنوجة"، ويرد سوينكا بأن "النمر لا يحتاج الى اثبات نمرّيته"، يبقى أن اللافت للنظر في السلوك النقدي لسوينكا هو اصراره على النهل والأخذ والاستلهام من ثقافات متنوعة، بما في ذلك الطقوس والأساطير الأفريقية خصوصاً الشائعة في منطقة "اليوروبا" التي لا تقلّ، في نظره السجالي، عالمية وتنويراً عن اللغة الفرنسية الحديثة، بحسب ما جاء في مقطع من كتابه تضمن حواراً بينه وبين أفريقي آخر كان يحضه على تعلّم الفرنسية بوصفها لغة الحضارة. ثمة بالفعل علامات كثيرة تتخلل كتابته، ناهيك عن نوازعه وتمثيلاته لسيرته وتكوينه الذهني "تجيز المقارنة بينه وبين المنحى النقدي المتعدد الأصول والمشارب للشاعر والكاتب المكسيكي الراحل أوكتافيو باث، الحائز هو الآخر على جائزة نوبل، ومع أن سوينكا تجنّب قدر المستطاع لغة الدعاوة السياسية والإيديولوجية في كتابه، فإنه يفصح بضوح عن تمرده المتواصل، كما يتبدى من نشاطه الجامعي والكتابي ومن تجربته المسرحية التي تحتل حيّزاً مهماً من سيرته، وهذا التمرد قاده منذ عام 1994 الى المنفى علماً بأنه سبق له ودخل السجن مدة عامين في أواخر الستينات بسبب مواقفه وأنشطته. يمكن الخلوص الى القول بأن "إبادان، سنوات الفوضى الصاخبة" ينسج علاقة مرآوية بين سيرة المبدع النقدي وبين تاريخ عام لبلد ما نيجيريا ما يزال يبحث عن ذاكرته وهويته في ظل تهديدات ينفذها من حين لأخر رجال انقلابات عسكرية ضيقو الأفق والنظر. لقد تكاسل بما فيه الكفاية، هذا ما فكّر فيه مع شيء من التأسف، ثم رفع من جديد الصندوق ووضعه على رأسه وأكمل السير، لم يكن قد سار مئتي متر حتى رأى سيارة تتوقف، ولم يصدّق كم انه محظوظ. كانت السيارة تشبه كثيراً الصندوق، ولا تختلف في الواقع عن ذاك الذي كان يحمله، الا لجهة كونها مغطاة بقماشة" وهي كانت بالكاد اكبر حجماً من الصندوق. تعرّف على السائق بمجرد ان رآه: رجل أبيض اللون شديد التصنّع كان مسؤولاً عن المقابلات والمحادثات مع الطلبة الجدد، وكان اصحابه بل هو كذلك يشتبهون في ان يكون له شفتان لولا الاصوات المخنخنة في صورة ملحوظة والتي كانت تبدو هادرة بالفعل من تحت شاربين مقصوصين بعناية واكتمال فائقين. بعض الذين عاينوه بانتباه كبير، كانوا يؤكدون على وجود شق للتعبير. غير ان هؤلاء المحظيين لم يكن يسعهم ان يتبجحّوا بأنهم رأوا هذا الشق ينفتح. كانوا بكل بساطة يرون الاطراف تهتز، او تتحرك على الاقل، كان المرشحون للدراسة قد امضوا اربعة ايام في لقاءات دورية مع السيد "صاحب الشاربين"، لكنهم كانوا يجمعون على القول بأنهم لم يروه ابداً يفتح شفتيه. مع ذلك لم يجد "مارين" اي صعوبة في تفسير الاصوات الصادرة من الوجه الابيض بوصفها دعوة الى الصعود لاستقلال المركبة، وهذا ما فعله بقلب مفعم بالاعتراف بالجميل، واضعاً صندوقه في مؤخرة السيارة، ومنزلقاً بارتياح داخل المجال الضيق بين المقعد الامامي والباب المفتوح. ثمة كلب كئيب حدّق فيه بدون فضول مفرط. الراكب الآخر في السيارة كان سيدة، بيضاء اللون كذلك، جالسة في الامام. التفتت، ووجهت اليه ابتسامة تشجيع صغيرة وتمتمت ببعض الكلمات الى صاحبها. تكهن الصبي بموضوع المحادثة المهموسة اذ نجح في التقاط كلمة "فتى". حرّك الرجل رأسه وأسمع الحاضرين ثانية دحرجة صوته وخنخناته. اخذ الولد يتساءل كم سيلزمه من الاسابيع، بل من الاشهر، كي يتوصل الى متابعة الدروس، اذ ان نسبة مهمة من الاساتذة كانت من الملونين البيض وكانوا بالتأكيد يتحدثون بلهجة من الصنف ذاته. الا انه قرر عدم مواصلة تأملاته، دافعاً اياها بالاستناد الى مثل شائع: "السموات تنهار. هل انسان لوحده يتحمل ذلك؟" فالتلامذة الآخرون يتوجب عليهم هم كذلك مواجهة هذه المشكلة. غير ان السموات انهارت بدون تأخير، وتفطن الولد الى انه كان عليه بمفرده ان يحمل وزرها. لقد انتصب ثعبان في جنّة عدن لتي كان يأمل فيها منذ زمن طويل، وشعر في عهد صباه بأنه اخذ على حين غرّة وتجاوزته الامور. لم يصبح بالتأكيد شاباً بالغاً في هذه اللحظة، الا ان ذلك كان بالنسبة اليه لحظة الدخول الرسمي في العالم الغدار للبالغين، لا سيما انهم اجانب بالغون. وصلت البراءة الى نهايتها قبل كيلومتر واحد تقريباً من ابواب الفردوس. مع ذلك، فإن نبرة البراءة واللطف هي التي اسمعت صوتها عندما استدار السائق على مقعده وسأل بصوت اكثر تمييزاً مما في السابق: - بالمناسبة، كم عمرك بالضبط؟ - أحد عشر عاماً، يا سيدي. ولكن ما معنى هذه النظرة الغريبة التي كان الرجل يتبادلها مع صاحبته؟ نظرة فصيحة، موسومة بدعابة خفية، وظافرة. أحس بارتعاشة قلق تعبر بشرته كلها. احساس لاذع. التفت الرجل من جديد. - لكنك زعمت في السنة الفائتة ايضاً بأنك في الحادية عشرة من العمر. نفى الولد هذا القول: - لا يا سيدي، عندما اتيت لإجراء المقابلة كنت في العاشرة من العمر. وقلت بأن عمري عشرة اعوام، الغريب في الامر هو انه في هذه اللحظة تذكر الاسم: براون، بالتأكيد، مستر براون. هو الذي كان يراقبه عندما اجرى اختبار الرياضيات، لكنه أخطأ بالتأكيد في ارقامه. فلما كان اللقاء هذا حصل في الاسبوع الاول من عام 1946، فإن الولد كان يعلم بأنه في الحادية عشرة من العمر على وجه الدقة. ولا يمكنه بالتالي الا ان يكون في العاشرة من العمر في السنة الفائتة ولم يقل آنذاك شيئاً آخر. لماذا راح السيد براون يحاول ان يثبت بأنه كذاب؟ ازاء سكوت الشخصين البالغين، شعر الولد بأن امعاءه انعقدت ببعضها البعض. كان صحيحاً اذاً: بالنسبة الى الاوروبيين كل الافارقة كانوا كذابين. لقد سمع ذلك من قبل، لقد سمع البعض يناقشون هذا الحكم المسبق داخل حلقات أناس يرفضون هذه الاهانة، غير ان لقاءاته العابرة والنادرة مع هؤلاء الاجانب البيض لم تكن تسمح له باختبار هذا الامر. كان بالطبع يكذب، في معظم الاحيان وبقوة تتناسب مع الضرورة، ويفعل ذلك عادة كي يفلت من العقاب. كان الكذب تقنية للبقاء، وهي تقنية مكروهة في بيته ومدعاة عقاب مضاعف، الا انها كانت بالتأكيد مقبولة بل حتى موضع اعجاب في المدرسة، خصوصاً في الحالات التي يكون فيها حازماً ومقنعاً. ... الرغبة في الدراسة كانت في معظم الاحيان محمومة وعاصفة. الصراع الضاري من اجل الدخول الى المدارس، خصوصاً تلك التي تموّلها الحكومة، حيث حدّ العمر كان حاسماً وقاطعاً، كان يدفع المرشحين ويرغمهم على الكذب في ما يتعلّق بأعمارهم. كان وضعهم يتطلب منهم ان يعملوا في الحقول او ان يساعدوا اهلهم في اعمالهم العائلية الصغيرة الى حين توفّر الاموال اللازمة. عندئذ تأتي ساعة السرور والسعادة. الصلوات، الاضحيات الطقوسية، الهدايا العملية الآتية من الفروع المختلفة للعائلة الموسّعة، الارشادات والنصائح، الدموع والانطلاق في مسيرة تمتد على عشرة، او خمسة عشر، بل احياناً خمسين كيلومتراً، ذلك ان اجرة سيارة النقل العابرة للادغال كان ينبغي توفيرها من اجل استخدامها في مواجهة مصاريف اكثر إلحاحاً وأهمية، وهكذا كان بطل القرية، البالغ احياناً عمراً متقدماً يؤهله لتأسيس بيت، يدخل في العالم السحري للدراسة. وفي حال حصوله على منحة دراسية، فإن الامر يكون اكثر سهولة: اذ كان في هذه الحالة يستطيع التنقل بواسطة افادة خاصة. ولكن بغض النظر عن الوسيلة، كان المغامر الماهر والمتأهب ينجح في بلوغ ارض الميعاد. وعندما ينهي دراسته، كان يعود الى القرية مزوداً بالشهادة الغالية، ويجد على الفور عملاً ثم يسارع الى وضع الصغار من ذويه على الدرب ذاته. كان الصبي الصغير واثقاً بأن هذه المحادثة هي الصنف الوحيد من ممارسة الكذب التي يعرفها براون ومن هم على شاكلته، والتي كان يسعى في هذه اللحظة الى اتهامه بها بعجرفة وغرور وبدون تمييز. ولئن كان يعرف بأنه محظوظ في هذا المضمار، فإن خدعة الكذب في ما يتعلق بعمره كانت بدون طائل الى حد ان الصبي "مارين" ما كان يسعه ان يرى فيها سوى دليل قاطع على كل ما كان يسمعه عن هؤلاء الاوغاد من البيض. عمته او خالته بيريه، زوجة داودو، كانت محقة. وسيكون لديه الآن ما يساهم به لدعم خطابات عمته النارية ضد العنصرية. والحال انه كان قد بدأ يتساءل اذا لم تكن هذه المغامرة كلها خطأ في خطأ، وإذا لم يكن من الاجدى له ان يبقى في نطاق أبيوكوتا الآمن، بدلاً من التعرّض لمثل هذه المهانة داخل العلبة المقفلة مثل المعلبات لهذا الشقي ذي الشفتين المخفيتين. رمى الكلب بنظرة حادة، غير ان هذا الاخير ردّ على النظرة مكتفياً بتحريك عينين مدوّرتين. ثم انتابته حازوقة من شدة المفاجأة. حازوقة قوية بحيث جعلت الراكبين السيدين يلتفتان نحوه. لم يعر الامر اي اهتمام، ناقلاً نظرته المتألمة نحو النباتات الجافة التي كانت تحاذي الطريق. غير انك كذبتَ ايها البائس، راح يتهم نفسه. ليس عندما اجبت على سؤال السيد براون، بل عندما حاولت ان تدحض قوله. ايها الابله، لقد قلت بالطبع وبكل تأكيد بأنك في الحادية عشرة من العمر لدى اجراء المقابلة، فهذا عمرك آنذاك. لقد كنت في الحادية عشرة منذ اربعة اشهر وما زلت الآن في الحادية عشرة من العمر. السنة الجديدة لا تجعل المرء يتقدم في السن عاماً بكامله، ايها المغفل! انظر الى الورطة التي وضعت نفسك فيها. ربما لم يفت الاوان لتصويب الخطأ، اذ التفسير كان بسيطاً جداً. ولكن كان ينبغي الاعتذار اولاً. نقله عن الفرنسية: حسن الشامي