أصحاب نظرية "المؤامرة" الذين وجدوا أرضاً خصبة في إرهاب 11 أيلول سبتمبر الماضي عادوا بقوة في الأسابيع الأخيرة مع اشتداد الحملة العسكرية الاسرائيلية على الفلسطينيين. أبو عمار صامد، ويتمتع بأعلى معدّل شعبية له بين الفلسطينيين والعرب والمسلمين منذ برز اسمه على ساحة العمل الفدائي قبل أربعة عقود. سمعت ان هذه الشعبية "مؤامرة"، فأبو عمار يتواطأ مع الاسرائىليين والأميركيين، والحصار متّفق عليه، وهدفه ان يبلغ أبو عمار من القوة والنفوذ والشعبية حداً يمكنه من ان يوقّع اتفاق استسلام مع الاسرائىليين من دون ان يستطيع أحد منعه. طبعاً هذه المؤامرة من مستوى مؤامرة تدبير الموساد الهجوم على برجي مركز التجارة العالمية، وفي حين ان المؤامرة الثانية متوقّعة كموقف سياسي، فإن مؤامرة أبو عمار تنطوي على خيال يحسد عليه صاحبه. خيالي محدود، والمؤامرة الوحيدة التي طلعت بها هي تلك التي تحاك ضدّ مبعوث الأممالمتحدة الى الشرق الأوسط تيري لارسن، فالرجل قال ان ما حدث في جنين كارثة إنسانية رهيبة، وتعرض فوراً لارهاب اسرائيلي، واتهم بأنه وزوجته مونا يول، سفيرة النروج لدى اسرائيل، قبضا مئة ألف دولار من مركز بيريز للسلام. وتبعت ذلك تهمة كل يوم، مثل "طبق اليوم"، وأكتب وأمامي خبر ينسب الى وزير الدفاع الاسرائىلي بنيامين بن اليعيزر قوله ان لارسن حاول وقف عمليات إصلاح الدمار في مخيم جنين بانتظار وصول لجنة تقصّي الحقائق الدولية. ولا أجد ما أقول دفاعاً عن لارسن في المؤامرة الاسرائىلية عليه سوى ان بن اليعيزر قاتل شهادته غير مقبولة في المحاكم، أما بيريز فكذّاب محترف ومن النوع الذي كنا نرى على درج قصر العدل ليشهد في أي موضوع مقابل خمس ليرات. هذا الكذاب زعم ان القتلى في مخيم جنين 53، بينهم ثلاثة مدنيين فقط، ولم نسمع انه ذهب الى المخيم، وأحصى القتلى فوق الأرض، ثم نبش الأنقاض بحثاً عن البقية، واستطاع معرفة المسلّحين وهم لا يرتدون ملابس عسكرية. بيريز "يرشّ على الموت سكّر"، ورأيي فيه تؤيده لجنة جائزة نوبل للسلام، فهي للمرة الأولى في تاريخها اجتمعت وأعلنت أنها تأسف لمنحه الجائزة مع ياسر عرفات سنة 1994. وأهم ما في بيان اللجنة ان اعضاءها لم يندموا على منح أبو عمار الجائزة، ما يعني أنهم لا يزالون يعتبرونه رجل سلام. وأختتم هذه النقطة بقول عضو اللجنة هانا أو حنّة كفانمو أنها تتمنّى لو كانت اللجنة تستطيع سحب الجائزة من بيريز. المؤامرة، أو الحملة، على لارسن واضحة كشمس الظهيرة، فأكمل بمؤامرات أخرى. الولاياتالمتحدة أطاحت رئيس منظمة الحماية من الاسلحة الكيماوية التي تضم 145 عضواً، بحجة سوء ادارته، وعدم مشاورته الدول الاعضاء. هل هذا صحيح؟ الوقائع الثابتة هي ان الولاياتالمتحدة نفسها أيدت انتخابه لولاية ثانية، وانتخب في أيار مايو من السنة الماضية. والوقائع الثابتة مرة أخرى تقول ان الولاياتالمتحدة وعدت بأن تقدّم "أدلة تثبت" "اخطاء" رئيس المنظمة، الا ان المندوب الأميركي لم يقدم أي أدلة في الجلسة التي انتهت بالتصويت ضد الرجل، وكان ان الاعضاء المعارضين هتفوا ضد الموقف الأميركي. لماذا هناك مؤامرة أميركية على الرئيس البرازيلي لمنظمة دولية؟ أصحاب نظرية المؤامرة يقولون ان خوسيه جوزف بستاني من أصل لبناني، ما جعله هدفاً لأنصار اسرائيل في الادارة. في المقابل توم بولين يحمل اسماً انكليزياً خالصاً، وهو شاعر ومحاضر في جامعة اكسفورد، لم يكتب عنه في العشرين سنة الاخيرة 20 سطراً في أي جريدة أو مطبوعة أقرأها، ثم قرأت عنه ألف سطر أو 20 ألفاً خلال اسبوع. ويسألني القارئ: لماذا يا هذا؟ وأجيب ان بولين حمل حملة عنيفة على اسرائيل، وقال ان المستوطنين من "يهود بروكلن" يجب ان يرموا بالرصاص. وهكذا كان، والحملة على الشاعر المحاضر من حجم الحملة على لارسن، ومجلس نواب اليهود البريطانيين يطالب برأسه، كما طالب برأس الصديق غازي القصيبي عن قصيدته "الشهداء"، في جريدتنا هذه. وهذا كله يثبت حصافتي التي قد يعتبرها القارئ جبناً. فأنا ايضاً أكره المستوطنين من يهود بروكلن، وقد طالبت في هذه الزاوية مرة بعد مرة بترحيلهم الى بلدهم، ما فوّت الفرصة على مجلس اليهود للمطالبة برأسي. واقتربت من نهاية المقال، فأعترف للقارئ بأن ما أعطاني فكرة الكتابة عن "المؤامرات" الجديدة هو خبر في الحصيفة الرصيفة "واشنطن بوست". فقد قالت حرفياً ان الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز الذي أطيح في 12 من هذا الشهر وعاد بعد يومين، كان تلقى قبل قليل من إطاحته طلباً أميركياً لم ينفّذه "لجمع معلومات استخباراتية عن الفنزويليين من أصل عربي، وعددهم حوالى 600 ألف، وخصوصاً عن أربعة آلاف من هؤلاء يقيمون في بورلامار، العاصمة الاقليمية لجزيرة فنزويلية". هل هذه "مؤامرة"؟ أترك القارئ يقرر لنفسه، غير أنني اختتم اليوم بالكهنة الكاثوليك في الولاياتالمتحدة. فهناك أخبار يومية عن شذوذ بعضهم، وعن اعتداء بعض آخر على طلاب صغار، وقد دخل الفاتيكان طرفاً في الجدل الدائر، وهناك قضايا صدرت فيها أحكام في الولاياتالمتحدة، وقضايا على الطريق. كنت تابعت الخبر من دون اهتمام كبير حتى جاءني صديق خبير مؤامرات محترف، سألني بإصرار إن كنت لاحظت شيئاً. واعترفت بأنني لم ألاحظ، فقال ان قضية الكهنة هؤلاء قديمة، وبعض الاخبار يعود الى السبعينات، غير ان انفجارها اخيراً سببه الرغبة في التعتيم على أخبار الفظائع التي ترتكبها حكومة السفاح آرييل شارون ضد الفلسطينيين. شخصياً، لا أصدّق هذه المؤامرة، كما لم أصدّق مؤامرة الموساد في أيلول، غير أنني أعرف ان كثيرين يصدّقونهما، وكل مؤامرة أخرى، ولن أقف في وجه التيار.