ثوان قليلة قد تفرق بين النصر والهزيمة، ولحظات عصيبة ربما تمر بلاعبين اثنين فقط لكن محصلتها تؤثر على طرفي اللقاء بالكامل... انها ركلات الجزاء التي قد تدفع بمنتخب أو فريق الى السطح والآخر الى السفح. كم هى صعبة تلك اللحظات، وكم هي مثيرة في الوقت ذاته: صافرة تطلق، الاصوات تنحبس، لاعب يتقدم في مواجهة حارس مرمى، فتسديدة... ومن بعدها تتبين احاسيس ومشاعر اعضاء وجماهير كل طرف. اكتسبت ركلات الجزاء دوراً جديداً في مجال اللعبة بعدما صارت ترجيحية ايضاً... بمعنى انها ترجح كفة فريق على آخر في حال تعادلهما في المباريات الحاسمة بدلاً من سحب القرعة. بعضهم اعتبر انها ولدت بفعل جداول المباريات المضغوطة، وعدم توافر الوقت لاعادة المباريات قبل اللجوء الى القرعة. والبعض الآخر رأى انها جاءت بفعل النقل التلفزيوني المباشر للمباريات وارتباطه بمواعيد محددة مسبقة قد تعوقه عن بث المباريات المعادة... ومهما كانت الحقيقة، فان ركلات الترجيح من نقطة الجزاء تبقى اكثر عدلاً من سحب القرعة... بل واكثر متعة واثارة. واذا كانت لحظات المواجهة الصعبة بين منفذ الركلة وحارس المرمى لا تستغرق سوى ثوان معدودة، فان الاعداد لها فنياً ونفسياً يتطلب اياماً وشهوراً وربما سنوات. ومع اقتراب المناسبات الكبرى خصوصاً نهائيات كأس العالم ينشغل بال المدربين بها كثيراً، وهم لا يكفون عن تدريب لاعبيهم على تنفيذها وحراس مرمى منتخباتهم على التصدي لها. ركلات التسعة امتار هي الأخطر في مباريات كرة القدم، التدريب عليها قد يكون سهلاً بيد ان ساعة مواجهة الحقيقة الفعلية في الملعب تختلف كثيراً... والدليل ان ابرز اللاعبين في العالم كثيراً ما اخفقوا في تنفيذها بنجاح. وحكايات ركلات الجزاء مع نهائيات كأس العالم كثيرة، فهي أضحكت وأبكت في آن. ومن منا لا يتذكر دموع الارجنتيني دييغو ارماندو مارادونا في نهائي عام 1990 في ايطاليا عندما خسرت بلاده اللقب بفعل ركلة جزاء نفذها الألماني اندرياس بريمه بنجاح... ومن منا ينسى المشهد الدراماتيكي الذى عاشه استاد العمالقة في نهائي عام 1994 في الولايات بفعل ركلة طائشة من الايطالي روبرتو باجيو اضاعت على بلاده الكأس والرقم القياسي لجهة عدد مرات الفوز باللقب واهدتهما الى البرازيل. وعموماً، صارت ركلات الجزاء جزءاً اساسياً من اللعبة في النسخ الثلاث الاخيرة من كأس العالم... ففي "ايطاليا 90" حسمت مباراتي الدور نصف النهائي بها حين فازت الارجنتين على ايطاليا والمانيا على انكلترا بالترجيحية منها، فيما انتهى اللقاء النهائي بواحدة "طبيعية" قبل النهاية بخمس دقائق لمصلحة الكرة الألمانية. وبعدها بأربع سنوات جاء الدور على المباراة النهائية بين البرازيلوايطاليا التي حسمت لمصلحة البرازيل بالركلات الترجيحية... وهي لم تغب ايضاً عن مونديال "فرنسا 98"، وتأهل اصحاب الأرض بفضلها الى الدور نصف النهائي في طريقهم الى اللقب. والواضح انه من المستحيل ان تغيب لعبة ركلات الجزاء الطبيعية او الترجيحية عن المونديال المقبل، والأكيد انه مع كل خاسر يكون هناك دائماً فائز... فمن سيقفز عالياً في الهواء فرحاً، ومن سيبكي حزناً على ضياع ركلة جزاء ربما تكون حاسمة لتحديد مصير منتخب صارع وكافح وحلم لمدة اربع سنوات قبل ان يصل الى هذه اللحظة "المميتة".