مع انتشار حمى المونديال وسعار كرة القدم التي بدأت تنطلق هتافاتها في كل البيوت والاستراحات والميادين، وتلون الشوارع والسيارات والبنايات بألوان منتخباتها، لا يغيب عن الذهن كتاب المبدع الأوروجوياني إدواردو جاليانو «كرة القدم بين الشمس والظل» الذي سجل فيه بعين المبدع أبرز وقائع تاريخ كأس العالم منذ أن بدأ عام 1930م في عاصمة الأوروجواي مونتيفيديو، وحتى مونديال 1994م في الولاياتالمتحدة الذي انتزعته البرازيل من أمام إيطاليا ذلك اليوم، الذي شهد أشهر ركلة جزاء ضائعة في التاريخ، وتلك الحسرة الطويلة والمهيبة من باجيو. انطلق جاليانو بحس الفنان والتقاطاته الساحرة، يلتقط أجمل اللحظات والشخصيات عبر تاريخ كأس العالم. الشيء الذي أحاول أن أفعله أنا هذه المرة مع أوروجوياني آخر هذه المرة وهو اللاعب «سواريز». لم يكن سواريز ربما شيئا عظيما قبل المونديال الماضي في جنوب إفريقيا، كان بالكاد يعد ضمن لاعبي منتخب الأوروجواي، أو بالأصح كان المونديال الماضي يزخر بالنجوم العالميين الذين بالكاد يجد لاعب شاب مثل سواريز متسعا بينهم. حاول وهاجم واجتهد وسجل عددا من الأهداف ساهمت في بلوغ فريقه مركزا متقدما في ترتيب فرق المونديال. وحانت الساعة.. بل اللحظة التي نقلته إلى مصاف نجوم وأبطال ذلك المونديال. كانت مباراة الأوروجواي وغانا في آخر دقيقة من الشوط الإضافي الثاني والنتيجة ما تزال متعادلة، والمنتخب الغاني يضغط بكل قوته داخل منطقة الأوروجواي طمعا في التأهل للمرة الأولى لنصف النهائي. كرة عالية داخل منطقة الجزاء يسددها أحد المهاجمين برأسه لتعبر الحارس وتتجه نحو المرمى الخالي إلا من سواريز. سواريز يخرج الكرة بيده ويندس بين المدافعين. الحكم يخرج البطاقة الحمراء ويطرد سواريز من المباراة، كان المهاجم الأوروجوياني يرفع كتفيه متعجبا، كأني به يتساءل: ماذا تريدني أن أفعل؟ أأدعها تدخل؟. كان سواريز سيخرج باكيا من الملعب، كان يعرف أن الأوروجواي كلها ستلعنه لأنه تسبب بشكل أو بآخر في خروجها من المونديال. في جزء من الثانية ضاعت الركلة طارت بعيدا فوق أسوار المرمى، وكان سواريز خارج الملعب يجري في كل اتجاه بفرح هستيري. لعب الفريقان ركلات الترجيح وفازت الأوروجواي، فازت لأن مهاجمها اختار الحل الإنساني، اختار: الأمل!.