بعد الانتهاء من الاتفاق الشامل على سيناريو الانسحاب الفلسطيني من بيروت وتحديد مواقيت الخروج وأعداد المقاتلين ودول المقصد، وعد المفاوض الأميركي بضمان أمن المخيمات وإجبار اسرائىل على الانسحاب من لبنان تطبيقاً للقرارات الدولية. والأمر الأخير لم ينفذ الا بعد سنوات. ملاحظات أميركية تاريخ 23/8/1982 1 - علمنا أن م.ت.ف. مستعدة لارسال جميع عناصرها المتوجهة الى سورية بحراً من بيروت الى اللاذقية. ولقد علمنا ان الحكومة اليونانية ستعمل على تأمين باخرة أو أكثر لهذه الغاية. نحن مستعدون للمساهمة كلياً في هذا الاجراء، إنما نرغب بالتأكد من ان هذه هي رغبة م.ت.ف. ايضاً. 2 - وصل الى علمنا أن مجموع عناصر م.ت.ف. التي ستغادر الى وجهات مختلفة أصبح مجموعها الآن 7835. نقدّر لكم تأكيدكم بأن هذا هو العدد الحقيقي، لأننا نحتاج الى تحويل الزيادة الى كل بلدان المقصد. 3 - لقد وصل الى علمنا بأن مكتب م.ت.ف. لم يستلم حتى الآن التفاصيل المتعلقة بالوحدة الفلسطينية المتوجهة من بيروت الى الجزائر. في حال الحصول على التفاصيل، سنزود حكومة الجزائر بالمعلومات عن عدد الاشخاص، اسم المركب ووقت وصوله... على كل من المرغوب فيه لو أن م.ت.ف. تبعث برسالة الى مكتبها في الجزائر تذكّر فيها أن هناك معلومات أكثر في طريقها اليهم. 4 - لم نزل نتابع النقاش مع الاسرائىليين حول موضوع اصطحاب م.ت.ف. آلياتها والمعدات التي يمكن نقلها وكذلك موضوع الآر.بي.جي.. ملاحظات فلسطينية بتاريخ 23/8/1982 1 - بما يتعلق بالسفر الى سورية بحراً نود ان نعلمكم اننا نوافق من حيث المبدأ. كما نود ان نعلمكم ان الحكومة السورية أبلغتنا موافقتها اليوم 23/8/1982 على ذلك، ولكننا نعتقد بأن مثل هذه الترتيبات ستسبب تأخيراً في البرنامج لصعوبة توفير البواخر اللازمة في الوقت المناسب بحسب البرنامج. وتسهيلاً للموضوع نقترح بأن يبدأ البرنامج بالسفر براً وفي الوقت نفسه يصار الى وضع الترتيبات للنقل البحري وبالامكان ان يكون النقل براً وبحراً. 2 - في ما يتعلق بالعدد الاجمالي للمقاتلين المغادرين ما زال الرقم المرسل اليكم بمذكراتنا المعتمد وهو 7100 مقاتل علماً أننا لغاية الآن لم نتمكن من احصاء عدد الشهداء والمفقودين والأسرى. 3 - نؤكد لكم ان موضوع بلدان المقصد لن يكون مشكلة حيث كما تعلمون أن العراق لا يزال مفتوحاً لاستيعاب اعداد أكبر من دون تحديد وكذلك السودان الذي أبلغنا وأبلغكم بأنه على استعداد لاستيعاب ألف مقاتل فلسطيني. 4- ما يتعلق بالجزائر فقد أبلغتنا وزارة الخارجية الجزائرية انها ترغب بنقل المقاتلين الفلسطينيين بحراً الى قبرص ومن هناك تقوم الحكومة الجزائرية بنقلهم جواً في طائرات جزائرية. وسنقوم من جانبنا باتمام الترتيبات مع الحكومة الجزائرية اذا توافرت لنا المعلومات النهائية عن موعد وصول الباخرة الى بيروت ومنها الى قبرص. 5- نقدر جهودكم التي تبذلونها لتذليل العقبات بما يتعلق بموضوع السيارات وقواذف آر.بي.جي. ونحن ما زلنا بانتظار النتائج. 6- بما يتعلق بالنساء المقاتلات نود أن نعلمكم أنه في قواتنا مقاتلات يقمن بأعمال عسكرية مثل بقية جيوش العالم وعلمنا أن هناك اعتراضاً على مغادرتهن كمقاتلات فيرجى ايضاح هذا الموضوع. 7- في ما يتعلق ببعض عائلات المقاتلين التي تقضي الظروف مغادرتهن مع ازواجهن لأسباب انسانية وحفاظاً على العائلة وتماسكها فيرجى من جانبكم تسهيل خروجهن مع أطفالهن مع المقاتلين المغادرين ولا يعتبرن في عداد المقاتلين خصوصاً ان هذه الحالات ليست كثيرة. ملاحظات 1 الى قبرص بالباخرة: تم نقل عناصر م.ت.ف. على عاتق السلطات القبرصية من مرفأ لارنكا الى المطار وكذلك الذخائر والأسلحة تم تأمين طائرتين بوينغ 747 لنقل 265 عنصراً الى عمان وبوينغ 707 لنقل 135 عنصراً الى بغداد. كانت هذه أول دفعة مقاتلين تغادر بيروت. ذهبت الى الملعب البلدي مع الرائدين مختار خطاب وأحمد الجارودي. كان هناك جمع غفير من المودعين وعلى رأسهم الممثلة المصرية ناديا لطفي. تأخر وصول هذه الدفعة الى المرفأ في الوقت المنتظر نظراً لصعوبة الطريق بسبب الحواجز والسدود. وقد رافقها اثناء عبورها اطلاق نار غزير وداعاً على طول الطريق. 2 الساعة 13.00، وأثناء صعود المقاتلين الى الباخرة اتصلت السفارة الاميركية بضابط الارتباط الموجود بقربي وأبلغني بأن الاسرائيليين لن يسمحوا للسفينة بالمغادرة لأنها تنقل سيارات جيب وآر بي جي، وان هناك زورقاً حربياً اسرائيلياً في عرض البحر لمنع الباخرة من المغادرة. الا انه بعد مفاوضات معهم من قبل فيليب حبيب سمحوا للباخرة بالابحار حوالى الساعة الثامنة مساء من ذلك اليوم. وبعد ذلك توقف اصطحاب الآر.بي.جي. وسيارات الجيب مع المغادرين. كان المفاوضون الفلسطينيون، وقبل المغادرة يصرون على اصطحاب الآر.بي.جي. وكان فيليب حبيب يصرّ على عكس ذلك. ولكي ألبي رغبة الفلسطينيين، اصطحبت مرة أثناء المفاوضات الرائد مختار خطاب ومعي آر بي جي، وعرضها على فيليب حبيب، فأخذها مني الى صالون مجاور وعاد وقال لي بأن الضباط الاميركيين الموجودين في الصالون المجاور يقولون إنها سلاح اجمالي ثقيل أي يلزمه اكثر من عنصر لتشغيله، فطلبت من الرائد مختار خطاب ان يضعها على كتفه وأن يشرح له كيف توضع فيها المقنبلة وكيف يمكن لرجل واحد ان يستعملها. فلم يحر فيليب حبيب جواباً وهزّ برأسه علامة القبول، انما الاعتراض الاسرائيلي كان له الكلمة الفصل. 3 في هذا التاريخ انتخب بشير الجميل رئيساً للجمهورية، مما أحدث رد فعل قوي لدى المعترضين على انتخابه. منازل الرئيس كامل الأسعد والنواب عثمان الدنا وفؤاد لحود ورائف سمارة في بيروت الغربية تعرضت لقذائف صاروخية أشعلت فيها النار وذلك بسبب مشاركتهم في انتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية. وحصلت حوادث مماثلة في الكورة وطرابلس في اليوم التالي ضد النواب الذين شاركوا بانتخاب بشير الجميل. في هذا التاريخ أيضاً قررت م.ت.ف. استعمال البحر للتوجه الى سورية بدلاً من الطريق البري راجع مراسلات 23 آب اغسطس للجانبين الفلسطيني والاميركي واقتصر الانتقال براً على طريق بيروتدمشق الدولي على قوات الردع العربية السورية وجيش التحرير الفلسطيني ومركزه الأساسي في سورية. 4 الساعة الخامسة صباحاً تم استبدال القوة الفرنسية المتمركزة في المرفأ بقوة اميركية من المارينز. عدد هذه القوة 800 عنصر. 5 في هذا التاريخ اكتمل عدد القوات المتعددة الجنسيات بوصول الدفعة الثانية من القوة الفرنسية والقوة الايطالية. والقوة الاميركية تمركزت في مرفأ بيروت وفي الطرق المؤدية اليه من الكرنتينا شمالاً حتى بنك سورية ولبنان جنوباً. القوة الايطالية انتشرت على طريق مار مخايل وغاليري سمعان، القوة الفرنسية تمركزت في المنطقة الممتدة من رأس النبع حتى جادة بشارة الخوري، ومن المتحف حتى مستديرة الطيونة وضمنها سباق الخيل والسفارة الفرنسية ومحلة قصقص. 6 السيد ياسر عرفات، غادر على متن هذه الباخرة، يرافقه عدد من القيادات الفلسطينية ومن يرافقهم. كان وصل الى المرفأ مع الرئيس الوزان وكان في وداعه الوزير رينيه معوض ممثلاً رئيس الجمهورية الياس سركيس وأيضاً الرؤساء صائب سلام وتقي الدين الصلاح ورشيد الصلح وسليم الحص ومفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد والوزير السابق نسيب البربير وتمام سلام ومنح الصلح وأبو اياد. 7 القيادات الفلسطينية كانت تغادر على دفعات مع المقاتلين وكانت اسماؤهم ترسل من قبل م.ت.ف. الى الجانب الاميركي بواسطتي. مع هذه الباخرة غادرت آخر دفعة من القيادات الفلسطينية ومنهم أبو اياد وأبو الوليد. هل حقق الإسرائيليون اهدافهم من غزو لبنان؟ بتاريخ 30/6/1982 أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي شارون ان الحكومة الإسرائيلية قررت ان تمحو م.ت.ف. من الوجود، كان هذا هو الهدف النهائي للاجتياح في ما يتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية بالإضافة الى هدف آخر يرمي الى اقامة حكم مركزي قوي قادر ليس فقط على منع م.ت.ف. مستقبلاً من استخدام لبنان قاعدة ضدها، بل على توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل. هل تمكنت اسرائيل من القضاء على م.ت.ف. بواسطة قوتها العسكرية الجبارة؟ وهل تمكن شارون من تحقيق وعده ووعيده؟ تجنب المقاتلون الفلسطينيون المزودين بأسلحة خفيفة وببضع قطع اسلحة ثقيلة لا أكثر من الوقوع في فخ التمركز دفاعياً في الجنوب والاشتباك مع عدد يفوقهم أضعافاً مضاعفة عدداً ومزود بأحدث انواع الأسلحة الجوية والبرية والبحرية، فانسحبوا الى بيروت الغربية والضاحية الجنوبية حيث الكثافة السكانية والعمرانية وتمركزوا فيها مع لواء سوري وجيش التحرير الفلسطيني وحلفائهم اللبنانيين وسدوا مداخلها وقاوموا مقاومة عنيفة، على رغم عدم تكافؤ القوى. تجنب الإسرائيليون اجتياح بيروت الغربية والضاحية الجنوبية لأن ذلك سيكلفهم خسائر كبيرة في الأرواح، وهذا ما لا طاقة لهم به، ولم يعد لهم من خيار سوى محاصرة بيروت الغربية والضاحية الجنوبية براً وبحراً وقصفها بمختلف انواع الأسلحة الجوية والبرية والبحرية، ومنع وصول اي امدادات لها من محروقات ومواد غذائية وطبية وقطع الماء والكهرباء عنها. وجعل المدنيين فيها رهائن تحت رحمة نيرانهم والحصار المضروب عليهم، وهذا ما يحصل حالياً في الضفة الغربية وقطاع غزة. قاتل الفلسطينيون والسوريون واللبنانيون جنباً الى جنب ببسالة، انما عندما فقدوا الأمل بفك الحصار عن بيروت الغربية والضاحية الجنوبية بسبب تعنت اسرائيل وضربها عرض الحائط المبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن التي تدعوها للانسحاب، وأصبحت المقاومة العسكرية دون جدوى سوى المزيد من الخسائر البشرية خاصة بين المدنيين والمزيد من الدمار، قررت م.ت.ف. المغادرة، وبدأت بالمفاوضات لهذه الغاية. وهي لم تزل تملك قوة عسكرية قادرة على المقاومة داخل بيروت والضاحية الجنوبية. لم تكن اسرائيل راضية عن هذا الواقع الذي يتنافى وقرارها بمحو م.ت.ف. من الوجود، ففي الوقت الذي كانت م.ت.ف. تتفاوض على خطة الانسحاب مع الجانب الأميركي حليف اسرائيل والمفاوضات كانت تجرى عبر وسطاء كما ورد سابقاً، كانت هذه الأخيرة تواصل حصارها لبيروت والضاحية الجنوبية وتقصفها قصفاً متواصلاً، توقفه اتفاقات لوقف اطلاق النار لا تلبث ان تخرقها اسرائيل من جانب واحد فتعاود القصف الى أن وصل الأمر بأن اتصل الرئيس الأميركي رونالد ريغان بتاريخ 12/8/1982 برئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن وأبلغه غضبه الشخصي من استئناف الغارات الإسرائيلية المتكررة على رغم اتفاقات وقف اطلاق النار المتعددة وهدد بوقف المفاوضات التي يجريها فيليب حبيب من اجل التوصل الى حل للأزمة. وكان الرئيس الأميركي تلقى اتصالاً من الملك فهد الذي اعرب عن غضبه وقلقه من استمرار العمليات العسكرية في بيروت الغربية والضاحية الجنوبية. وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية في الوقت ذاته ان مفاوضات فيليب حبيب توقفت في الرابعة والنصف بعد الظهر بسبب استمرار القصف الإسرائيلي. إثر ذلك اعلن وقف اطلاق النار في الساعة الخامسة بعد الظهر من ذلك اليوم ما سمح باستئناف المفاوضات. كما ان مجلس الوزراء الإسرائيلي قرر في جلسة استثنائية في ذلك المساء الالتزام بالمفاوضات السياسية لترحيل "المخربين" اي المقاتلين الفلسطينيين من بيروت الغربية. وذكرت الإذاعة الإسرائيلية نقلاً عن بعض الوزراء ان الجلسة كانت من اصعب الجلسات التي عقدت من اجل دراسة موضوع خروج المقاتلين الفلسطينيين وقياداتهم من بيروت الغربية. وهذا يعني بكل بساطة عدم تحقيق الهدف الأساسي من الاجتياح وهو تدمير م.ت.ف. التي خرجت من لبنان لتعود في ما بعد الى فلسطين لمواصلة الكفاح. مجلس الأمن - الولاياتالمتحدة - اسرائيل اسرائيل لم تكن تتقيد بقرارات مجلس الأمن إذا كانت تتعارض ومصالحها. كما ان الولاياتالمتحدة كانت دوماً تستعمل حق النقض "فيتو" في المجلس إذا كان هناك مشروع إدانة لإسرائيل أو اي مشرع قرار يضر بمصالحها. - اسرائيل لم تتقيد بالقرار رقم 425 الذي صدر عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1978 والذي يلزمها بالانسحاب الفوري. - وبتاريخ 5/6/1982 وافق مجلس الأمن على مشروع قرار رقم 508 يدعو الى وقف فوري ومتبادل للنار في لبنان وعبر حدوده في موعد اقصاه 6/6/1982 ويطالب جميع القادرين في المجلس بممارسة نفوذهم لدى المعنيين حتى يمكن احترام وقف الأعمال العدوانية. فاجتاحت اسرائيل لبنان في 6/6/1982 غير عابئة بهذا القرار. - بتاريخ 7/6/1982 اصدر مجلس الأمن القرار 509 الذي يطالب اسرائيل بسحب قواتها العسكرية فوراً ويطالب جميع الأطراف التقيد ببنود الفقرة الأولى من القرار 508. - بتاريخ 9/6/1982 استخدمت الولاياتالمتحدة حق النقض ضد مشروع قرار قدمته اسبانيا يدين عدم احترام اسرائيل للقرارين 508 و509 ويطالب الأطراف باحترام الأنظمة الملحقة لمعاهدة لاهاي 1907 ويطالب بأن تسحب اسرائيل فوراً ومن دون شروط كل قواتها حتى الحدود المعترف بها دولياً للبنان وبأن يلتزم جميع الأطراف بنود الفقرة الأولى من القرار 508 و509. مندوبة الولاياتالمتحدة جين كيركباتريك قالت ان المشروع لم يكن متوازناً ما يكفي لتحقيق الهدف المطلوب وهو انهاء مسلسل العنف. - بتاريخ 26/6/1982 استخدمت الولاياتالمتحدة حق النقض ايضاً ضد مشروع القرار الفرنسي الذي يدعو الى فك الاشتباك بين القوات في بيروت الغربية وتحييد الضاحية. - القرار 515 تاريخ 29/7/1982 دعا فيه اسرائيل الى رفع الحصار عن بيروت فوراً، لم تستجب اسرائيل لهذا القرار بل تابعت عملياتها العسكرية. - القرار 516 تاريخ 1/8/1982 طالب بوقف فوري للنار في لبنان وعبر حدوده وبإرسال مراقبين دوليين لمراقبة الوضع في بيروت فلم تستجب له إسرائيل ورفضت المراقبين. - القرار رقم 517 تاريخ 4/8/1982 طالب بوقف اهراق الدماء في بيروت وتراجع القوات الإسرائيلية عنها. فلم تستجب له اسرائيل. - القرار 520 دان اغتيال الرئيس بشير الجميل ودعا اسرائيل الى سحب قواتها من بيروت الغربية فوراً. فلم تستجب له اسرائيل. * أخيراً، أشكر بعض الأصدقاء وخصوصاً السيد علي السلمان على دوره في تشجيعي على الكتابة بعد تردد طويل، وهو أزال ما كان عندي من تردد للاقدام على هذا العمل.