يمر الاقتصاد الاسرائيلي منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في ايلول سبتمبر من العام الماضي في أسوأ فتراته، ويعاني من أزمة لم يعرفها منذ قيام الدولة العبرية قبل 53 عاماً. وعلى رغم ان محللين اقتصاديين اسرائيليين يعزون الأزمة الى أسباب لا علاقة لها بالانتفاضة، الا انهم لا يترددون في الاعتراف بتأثيرها السلبي على الاقتصاد. أقر رئيس اتحاد غرف التجارة الاسرائيلية يوسي سوستك لصحيفة "هآرتس" في نهاية حزيران يونيو الماضي بأن الانتفاضة ألحقت خسائر اقتصادية وتجارية كبيرة باسرائيل تقدر بنحو بليوني دولار. واعتبر ان استمرارها سيلحق مزيداً من الخسائر خصوصاً في قطاع التصدير الذي بلغت خسائره نحو بليون شاقل، وقطاع السياحة الذي يشهد تراجعاً كبيراً اضافة الى قطاع الانشاءات الذي أصيب بالشلل التام بسبب النقص في الأيدي العاملة ومعظمها فلسطينية. واتهمت "هآرتس" التي تعتبر الاكثر رصانة في اسرائيل في عددها الصادر في 18 الشهر الجاري رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون ووزير المال في حكومته سيلفان شالوم بعدم الاعتراف بما سمته الركود الاقتصادي وب"تضليل الجمهور عبر الإعلان عن نجاحات كبيرة، والاستشهاد بتصريحات لمسؤولين في البنك الدولي زاروا اسرائيل توحي بمستقبل وردي للاقتصاد الاسرائيلي"، وخلصت الى "ان المشهد الاقتصادي يدعو الى القلق". وفي اشارة لها دلالتها ذكرت الصحيفة ان وزارة الدفاع طلبت زيادة لموازنتها لسنة 2001 بقيمة ثلاثة بلايين شاقل، اضيفت الى العجز الأصلي الذي تعاني منه الموازنة العامة للدولة، والذي يقدر بنحو 14 بليون شاقل. واعتبر الدكتور أحمد سعد الباحث الاقتصادي الفلسطيني ورئيس تحرير صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية في دراسة له ان اسرائيل تواجه "اكبر نسبة انخفاض في المجال التنموي منذ قيامها، ما يعكس عمق أزمة الركود الاقتصادي". وقدر الانخفاض في وتيرة نمو اجمالي الناتج المحلي للسنة الجارية بواحد في المئة، مقارنة بنسبة 7.2 في المئة التي حققها في النصف الأول من العام الماضي". السياحة وكانت السياحة الضحية الأولى بين قطاعات الاقتصاد الاسرائيلي المختلفة. وعزا اتحاد فنادق القدس خسائر القطاع الى الانتفاضة الفلسطينية التي "تخيف السياح وتبعدهم عن القدس وتهدد بإغلاق فنادق المدينة التي تخلو من النزلاء". وأفاد الاتحاد ان نسبة الاشغال في الفنادق راوحت بين 27 و30 في المئة منذ اندلاع الانتفاضة مقارنة بنسبة 75 في المئة العام الماضي. وتراجعت أعداد السياح بنحو 50 في المئة وفقد نحو نصف عمال الفنادق البالغ عددهم 6800 وظائفهم، وخفضت أسعار الغرف بنسب تراوح بين 40 و50 في المئة، فيما أغلقت غالبية الفنادق في القدسالشرقية العربية البالغة 31 فندقاً أبوابها. ومن المهم القول إن اسرائيل كانت تراهن على تحقيق "معجزة" سياحية اسرائيلية، في ما اعتبرته الفصل الأخير في موسم الألفية الثانية السياحي والذي استعدت له كثيراً وعملت الكثير من أجل إنجاحه. وكانت اسرائيل تتوقع أن يبلغ عدد السياح الذين زاروها خلال الألفية التي تنتهي بنهاية السنة الجارية نحو 3.5 مليون سائح. وانعكس التدهور الذي شهده قطاع السياحة في الخسائر التي تكبدتها شركة "العال" الاسرائيلية للطيران، والتي قدرتها صحيفة "هآرتس" بنحو 83 مليون دولار في النصف الأول من السنة، بزيادة قدرها 70 مليون دولار عما كان متوقعاً. وتوقعت الصحيفة ان تصل خسائر "الناقل الوطني" الاسرائيلي في نهاية 2001 الى نحو 105 ملايين دولار. التكنولوجيا المتقدمة وفي وقت بدأ أداء قطاع السياحة يتهاوى بفعل الانتفاضة، كان قطاع التكنولوجيا المتقدمة يتراجع بفعل عوامل خارجية منها انهيار أسهم الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، وداخلية أهمها المراوحة بين فكرة الإبقاء على هذا القطاع في أيدي الحكومة حيث البيروقراطية والبطء وافتقاد الديناميكية، وبين فكرة تخصيص الشركات الكبرى في هذا القطاع خصوصاً شركة "اوفيك" الأفق عملاق التكنولوجيا المتقدمة في اسرائيل، وشركة "بيزك" للاتصالات. وجاء تأثير الانتفاضة على هذا القطاع الذي كان يعتبر "فخر الاقتصاد الاسرائيلي" من خلال امتناع الشركات الاستثمارية الكبرى في قطاع التكنولوجيا من شراء الحصص المعروضة للبيع في هذه الشركات نتيجة إعراض المستثمرين عن اسرائيل، ما أدى الى أزمة في سوق الأوراق المالية نجمت عن تدني أسعار بعض أكبر الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا والهواتف مثل شركة "ماوف" وشركة "تل تك" كما جاء في تقرير اقتصادي نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" أخيراً أشار الى انه "في بورصة تل أبيب التي تعتبر المرآة العاكسة لحركة الاقتصاد الاسرائيلي واصلت الأسهم الاسرائيلية خسائرها مع استمرار المستثمرين الأجانب في بيع أسهمهم بسبب استمرار أعمال العنف بين الاسرائيليين والفلسطينيين"، كما تراجع مؤشر تل ابيب للأسهم الممتازة بنسبة 2.45 في المئة. التبادل التجاري عكس الوضع الأمني نفسه على حركة التبادل التجاري بين اسرائيل والعالم. وقدر سعد نسبة الانخفاض في التصدير الاسرائيلي للسلع والخدمات في النصف الأول من السنة الجارية بنحو 26.5 في المئة مقابل زيادة نسبتها 30.5 في المئة في النصف الأول من العام الماضي. وتراجع الاستيراد في الشهور الستة الأولى من 2001 بما نسبته 9.1 في المئة في مقابل زيادة نسبتها 10.5 في المئة في الفترة نفسها من العام الماضي. ووفق أرقام نشرها مكتب الاحصاء المركزي الاسرائيلي، انخفضت الصادرات الاسرائيلية الى دول الاتحاد الأوروبي خلال الشهور السبعة الأولى من السنة الجارية الى 10.1 بليون دولار أي ما نسبته 17 في المئة عما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي. وقدر حجم التبادل التجاري مع الولاياتالمتحدة بنحو 7.3 بليون دولار بانخفاض نسبته 15 في المئة عما كان عليه في النصف الاول من العام الماضي. وتستأثر السوق الاميركية بما نسبته 29 في المئة من مجمل الصادرات الاسرائيلية. كما تراجع حجم التبادل التجاري مع دول آسيا بنسبة ثلاثة في المئة ومع مصر الى 42.3 مليون دولار من 50.5 مليون في الفترة نفسها من العام الماضي. لكن الارقام اشارت الى ان التبادل التجاري مع الاردن زاد في النصف الاول من السنة الجارية الى 63.2 مليون دولار من اقل من 39.1 مليون في الفترة نفسها من العام الماضي. وتجلى تأثير الانتفاضة على هذا القطاع في تشديد الاتحاد الاوروبي الرقابة على الصادرات الاسرائيلية حتى لا تتسرب بعض المنتجات من المستوطنات التي يعتبرها الاتحاد غير شرعية. وتلقت الصادرات الاسرائيلية ضربة اخرى بتراجع حجم صادراتها من الماس المصقول، الذي لا يذكره مكتب الاحصاء المركزي مع الصادرات الاخرى. واشارت ارقام المكتب الى ان صادرات اسرائيل من الماس المصقول تراجعت الى 1.464 بليون دولار اي بما نسبته 16 في المئة عما كانت عليه العام الماضي، في حين تراجعت واردات اسرائيل من الماس الخام بما نسبته 20 في المئة. وفي مقابل التراجع في هذه القطاعات رصد سعد زيادة في مستوى "الاستهلاك الشعبي" الذي يتضمن ايضاً الاستهلاك الامني، اضافة الى الاستهلاك المدني الشعبي من صحة وتعليم. وقدر الدكتور سعد هذه الزيادة بما نسبته 3.3 في المئة في النصف الاول من السنة الجارية. التأمين وفي الاطار الامني نفسه، ذكرت "هآرتس" ان الضرر لحق بقطاع آخر من القطاعات الاقتصادية في اسرائيل، هو قطاع التأمين. فبعد ادراك شركات التأمين ان الانتفاضة الفلسطينية ليست انتفاضة عفوية او هبّة تقوم ثم تنتهي بسرعة، بدأت هذه الشركات في رفض التأمين على حياة الجنود الاحتياط في الجيش الاسرائيلي. وكان المبرر القانوني الذي استند اليه هؤلاء هو ان حياة الجنود الاحتياط لا يمكن ان تكون مضمونة في اوقات "الحرب الشاملة" وعرّفت حالة الحرب الشاملة بانها اي حالة من الاشتباكات العسكرية التي تستمر 48 ساعة او ما يزيد على ذلك. وكان هناك اكثر من دافع وراء هذه الخطوة من جانب شركات التأمين الاسرائيلية، منها ان تهديدات صدرت عن وزير البنى التحتية عوزي لانداو، الذي يمثل اقصى اليمين في حزب الليكود اليميني الذي يقوده ارييل شارون، يقول فيها ان اسرائيل ستخوض "حرباً شاملة" ضد الفلسطينيين. وادى هذا الاجراء من جانب شركات التأمين الى حدوث ارتباك كبير ليس في صفوف المجندين الاحتياط فحسب، بل وفي صفوف العسكريين عموماً، خصوصاً الجهات التي تعمل من اجل تلبية مطالب العناصر العسكرية في الجيش الاسرائيلي، وهو ما جعل هؤلاء يطالبون بتدخل المسؤولين في وزارة الدفاع الاسرائيلية. وكان ارتفاع عدد العاطلين عن العمل نتيجة طبيعية للأزمة اذ تحدثت ارقام مكتب الاحصاء المركزي الاسرائيلي عن بلوغ عدد العاطلين عن العمل في اسرائيل نحو 200 ألف، وتوقع سعد ان ترتفع النسبة الى 11 أو 12 في المئة من قوة العمل اذا استمرت الاوضاع على ما هي عليه.