لم تبدأ الأفلام الغربية المناهضة للصهيونية في الظهور، إلا بعد 1968. وقد أنتج معظم هذه الأفلام بإمكانات محدودة وفي اطار السينما النضالية، اي خارج دائرة السينما التجارية. وغالبية هذه الأفلام تنتمي مباشرة الى السينما التسجيلية. ويؤكد هذا الأمر تجاهل "كبار" مخرجي السينما الغربية القضية الفلسطينية بعكس المساندة الكبيرة التي لقيها الكيان الصهيوني من أهم اسماء السينما السائدة وأكبر الشركات الغربية. وفي ظروف السيطرة الصهيونية على السينما في اوروبا وهوليوود آثر بضع عشرات من السينمائيين المشهورين والأقل شهرة الذين عملوا بمفردهم او جماعياً، ان يحملوا الشعلة الملقاة على الأرض ويرفعوها عالياً في تصويرهم افلاماً دفعوا تكاليفها احياناً من اموالهم الخاصة لينقشع الضباب الذي حاول به بعض السينمائيين ان يحجب القضية الفلسطينية. هنا إضاءة على افلام منتجة بعد الثمانينات من سينمائيين غربيين عن القضية الفلسطينية. ثلاثة افلام للبريطانية انطونيا كاجيا انطونيا كاجيا مخرجة سينمائية من بريطانيا أنتجت افلاماً سياسية مهمة عن جنوب افريقيا وزيمبابوي، وعن اضرابات عمال المناجم في بريطانيا، ولكن اهم فيلم أنتجته حتى الآن هو فيلمها الوثائقي "على أرضنا" الذي يطرح موضوع الصمود الفلسطيني من خلال حياة الناس اليومية في قرية "أم الفحم" الفلسطينيةالمحتلة منذ العام 1948. استطاعت انطونيا كاجيا بالفعل من خلال فيلمها هذا ان تعكس بطولة الفلسطيني العادي في مواجهة الإرهاب الصهيوني وأن تقدم خلال 55 دقيقة من العمل السينمائي الشاعري الشفاف صورة حية عن القضية الفلسطينية. تقول كاجيا: "كانت القضية الفلسطينية حاضرة امامي دائماً، ولكنني لم أكن أملك الوضوح الكافي لأصنع فيلماً مؤثراً عن فلسطين. لقد اقترح علي البعض ان أذهب الى لبنان مثلاً، وأنتج فيلماً عن الثورة ولكنني أردت ان اصنع فيلماً يقدم القضية الفلسطينية من وجهة نظر الإنسان الفلسطيني العادي، من خلال قصص الحياة اليومية البسيطة. وعلى أي حال فالثورة قبل ان تنطلق من فوهة البندقية تعبر عن نفسها في عواطف الشعب ومواقفه". وبعد فيلمها "على أرضنا" قدمت كاجيا فيلماً ثانياً عن الانتفاضة في قطاع غزة بعنوان "اصوات من غزة" وأتبعته بفيلم ثالث بعنوان "قصص الشرف والعار" الذي يذهب خلف المشاهد ويكشف لأول مرة الحيوات المحجوبة للنساء العربيات الفلسطينيات اللواتي يعشن هناك. ومن خلال روايات استثنائية، ندرك كم هو غير مستغرب بالنسبة الى النساء ان يعشن في مجتمع اسلامي أبوي بطريركي يتحكم فيه الرجال بمعظم نواحي الحياة، ويعرض الفيلم مرونة النساء وشجاعتهن، النساء اللواتي يتحدثن بكثير من السمو والجمال على رغم ظروفهن المختلفة. "بين عالمين" لرينيه هابس يتحدث هذا الفيلم عن المهاجرين المقيمين في الدنمارك مبيناً حالهم الاجتماعية وإحساسهم الشخصي. ويتطرق الى مستقبلهم في الدنمارك شارحاً الحال التي يعيشونها ومدى اتصالهم بوطنهم الأصلي، وموضحاً حال الإنسان المهاجر بأحاسيسه ومشاعره الوطنية والحياتية. اخذ الفيلم شخصية رسمي، وهو شاب فلسطيني يعيش في الدنمارك نموذجاً اساسياً لهؤلاء المهاجرين. يروي الفيلم قصة رسمي الذي حضر الى الدنمارك وتزوج من فتاة دنماركية، ورزق بفتاة صغيرة ليلى وهو يعيش حياة لا بأس بها من الناحية المادية والاجتماعية... ولكن هذا الإنسان الفلسطيني يحمل في صدره حنيناً الى الوطن وإلى اهله وأصدقائه. وذات يوم تصل إليه رسالة من صديق له يعيش في احد المخيمات الفلسطينية في لبنان مستنجداً به لمساعدته على السفر الى الدنمارك لأن الحياة اصبحت بلا معنى، شارحاً اوضاع المخيم وأوضاعه الشخصية. وكانت هذه الرسالة هي الشرارة التي أشعلت النار في صدر رسمي إذ احس ان امامه واجباً انسانياً في مساعدة صديقه وواجباً وطنياً تجاه بلده وأهله ومخيمه في لبنان. "فلسطين تشتعل" لمونيكا ماوزر مونيكا ماوزر المخرجة الألمانية استطاعت ان تشد الانتباه بفيلمها السادس عن القضية الفلسطينية الذي أتى باسم "فلسطين تشتعل" ومدته 31 دقيقة. الفيلم عبارة عن نشيد حي للعناء اليومي... وللعذاب الذي يلقاه المواطن الفلسطيني، والقمع الذي تلاقيه الانتفاضة الشعبية في فلسطين. صورت مونيكا عمليات تكسير العظام التي يتعرض لها المتظاهرون. وأصبحت صاحبة اسم معروف ووجه مألوف لدى كل المدافعين عن القضية الفلسطينية. "ليت للصبار روحاً" لراشيل مزراحي فيلم وثائقي يوضح كيف دمرت إسرائيل ومحت عن الخارطة 385 قرية من اصل 475 كانت تضمها ارض فلسطين قبل 1948. وتقول راشيل مزراحي في اول الفيلم: "كلما كانوا يهدمون قرية كان ينبت مكانها الصبار ليعلن للناس انه كان في مثل هذا المكان منزل وسكان. وحياة... لذلك فكلما رأيتم صباراً تذكروا انه كان في هذا المكان حياة، وأسر تعيش في بيوت تنعم بالدفء". والفيلم يعرض وجهة النظر الفلسطينية ووجهة نظر اليهود من خلال اسر من القرى الفلسطينية وبعض الناس الذين عاصروا الأحداث عام 1948... مختار قرية مازالت اسرته تبكي كلما زارت مكان قريتها ويقف هو على أطلال احد البيوت ليرفع الآذان للصلاة بصوته... ومن خلال شهادة مستوطنين يهود جاؤوا الى هذا المكان ليقيموا دولتهم... ولينقلوا نمط حياتهم معهم... وتوضح راشيل في فيلمها ان المباني والمنازل القديمة كانت انسب للبيئة والمناخ... ولكن الكيان الصهيوني هدمها ليقيم عليها بيوتاً عالية من الإسمنت... وتعرضت راشيل مزراحي بسبب هذا الفيلم لانتقادات عنيفة من الصهيونية العالمية، ولكنها كانت تردد دائماً: "إن الإنسان لا يمكن ان يغمض عينيه ويكون اعمى امام الحق". "وداعاً يا بيروت" لجورج سلويزر هذا الفيلم هو سرد لقصة عائلتين فلسطينيتين وحياتهما بعد انقضاء ثماني سنوات مضطربة. قصة حول الخوف، الريبة والحنين. فيلم عن شتات الفلسطينيين الجديد، وصور في لبنان، وفلسطين وفرنسا وإيطاليا وكوبا. ففي نهاية عام 1982، زار المخرج الهولندي سلويزر العائلتين للمرة الثالثة، لقد أضعف الموت، والاعتقال والفرار خارج البلد كلتا العائلتين الى حد كبير. وهؤلاء الذين ظلوا في بيروت يعيشون في خوف دائم، غير قادرين على ايجاد عمل وغير واثقين بالمستقبل. وبعد ان توجب عليهم تسليم اسلحتهم، أخذوا يخافون اكثر فأكثر من ان يهملهم العالم كلاجئين، وأن يبعدوا عن وطنهم للأبد. "غيتو غزة" لهولم كويست حققه السويدي هولم كويست وعاونته فيه الأميركية جون ماندل وثائقي - 83 دقيقة يعرض حياة عائلة فلسطينية من عام 1948 - 1984. تتجلى تقنية الفيلم الوثائقي في اطار التسجيل في بناء درامي اقترب من الفيلم الروائي. القصة تنامت في تصاعد درامي مع حركة الأبطال تجسيداً لحركة الشعب، والكاميرا تتكلم بشاعرية مرهفة. عرض الفيلم في مهرجان دمشق السينمائي عام 1985 ولاقى اهتماماً. "الانتفاضة - طريق الحرية" لجيني مورغان هذا الفيلم من انتاج مكتب الجامعة العربية في لندن، ومخرجته البريطانية جيني مورغان لها موقف واضح من قضية الصراع العربي - الصهيوني، فهي تقول عن الاحتلال الصهيوني "إنه نقطة مؤلمة في التاريخ الإنساني، وأردت من هذا الفيلم ان أبرز كيف يواجه الفلسطينيون الاحتلال الصهيوني في مواجهة غير متكافئة، ولكن، هناك اصرار من قبل اهل ارض فلسطين على استعادة حقوقهم ووطنهم، ولذلك أردت في الفيلم ان أنفي صفة الإرهاب التي تلحقها الصهيونية بالعمل الفلسطيني". مدة الفيلم 22 دقيقة وهي كما تقول المخرجة "كافية لتوضيح الحال التي لا تطاق للوضع الفلسطيني تحت الاحتلال". ويصور الفيلم حقائق يومية عن الانتفاضة وعن الصمود الفلسطيني والإيمان المطلق بالحرية، وفي الجانب الآخر الوحشية والهمجية الإسرائيلية والتعصب الأعمى الذي يسيطر على عقلية العسكري والسياسي الإسرائيلي على حد سواء. لاقى الفيلم قبولاً واستحساناً وحاز جائزة الحمامة الفضية في مهرجان لايبزغ 1988. "الانتفاضة - الطريق الى فلسطين" لروبرت كريغ المخرج الألماني "روبرت كريغ" يبدأ فيمله بمشهد الأرض والمحراث والزيتون تعبيراً عن اصالة الشعب الفلسطيني وجذوره الراسخة، ثم يتابع الحياة الداخلية اليومية للمخيم. وتشكل الانتفاضة والمواجهات بالحجارة جزءاً استطرادياً خلفياً للفيلم. فقد اراد المخرج ان يرينا اولاً، كيف تتصادم الحياة اليومية والعمل ولعب الأطفال والتبضع مع وجود الاحتلال في تلك الصورة الثابتة للحواجز ومفارز القمع: مشهد لقوات الاحتلال ومشهد للحياة اليومية في تقاطع سريع. وفي الفيلم مشهد لجنود الاحتلال فوق احد السطوح برشاشاتهم وخوذهم، يحاولون اعتقال شاب لمجرد الاشتباه انه ألقى حجراً، ويرينا المخرج كيف ان الحجر سقط تلقائياً من عمارة قيد البناء. منطق الاحتلال يفسر بالصدفة. فالصدفة نفسها قابلة لأن تكون سبباً للاعتقال. يتابع الفيلم بالتركيز على البنية التحتية للانتفاضة. قيمة الفيلم تكمن في طابعه الريبورتاجي والمعلوماتي الذي قدمه فريق عمل عاش داخل المخيم ورأى الأمور من جانبها غير المرئي: العمق الداخلي للانتفاضة. "الانتفاضة" للايوش كروديناك استطاع المخرج الهنغاري لايوش كروديناك في فيلمه التسجيلي "الانتفاضة" ان ينقل صورة حقيقية عن النضال اليومي الفلسطيني وعن يوميات الانتفاضة الشعبية. بل استطاع من خلال الفيلم ان يستهدف الفكر الصهيوني من خلال الخلاف بين حزبي "العمل" و"الليكود"، وتعريته للصهيونية كامتداد لعصابات "الشتيرين" و"الكاخ". وقال كروديناك انه اثناء تصوير الفيلم كان في مواجهة دائمة مع الجنود الصهاينة الذين اصبحوا يحاربون اصحاب آلات التصوير كما يحاربون اطفال الحجارة. وروى هذا المخرج انه في احدى المرات اراد احد الضباط منعه من التصوير لكنه تحت إلحاح المخرج صرخ الضابط بغضب هستيري قائلاً: "اذهب من هنا انك تزعج حربنا" فأجابه كروديناك: "أنتم اذن في حرب ضد العزل وتقتلون ايضاً". "وجوه فلسطينية" لسيمون دي باغنوا قدمت منظمة الأممالمتحدة هذا الفيلم، الذي يظهر ان الفلسطينيين ليسوا فقط الذين يعيشون في المخيمات الفلسطينية، بل هناك، ايضاً فلسطينيون يلعبون دوراً كبيراً في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية على الصعيد الدولي. "العودة الى المخيمات" لمايكل هوليدي في آب 1991، بعد توقف الحرب في لبنان، عادت بولين كايتنغ، الطبيبة التي ارتبط اسمها باسم مخيم برج البراجنة حيث صمدت في عملها التطوعي مع اهل المخيم في مرحلة حصار المخيمات في لبنان العام 1987 الذي دام على برج البراجنة زهاء نصف سنة، عادت المخرجة الى المخيمات الفلسطينية في بيروت وصور وبعلبك وغزة، يرافقها مارت بروكتر ومايك هوليدي المنتج والمخرج اللذان أرسلتهما شركة الإنتاج البريطانية "في بي ال" لتصوير فيلم وثائقي عن المخيمات الفلسطينية في فلسطينولبنان. لكن الطاقم الفني صور فيلمين بدلاً من واحد: الأول بعنوان "العودة الى المخيمات" والثاني "العودة الى غزة". في فيلم "العودة الى المخيمات" تتابع الكاميرا بولين في الطائرة منذ وصولها الى مطار بيروت، وترافقها الى مخيم برج البراجنة، الى شاتيلا، الى الرشيدية في جنوبلبنان، الى مخيم آخر في ضواحي بعلبك فمخيم صيفي للمعوقين في طرابلس. جولة على المخيمات يتخللها لقاء بالزملاء القدامى، معاودة المرضى والجرحى الذين عالجتهم خلال الحصار: الصبي المقعد الذي اخذته الى بريطانيا للمعالجة وقد "صار شاباً وصبياً كبيراً"، كما قالت له بالعربية، والسيدة التي اجرت لها جراحة في الرأس العام 1986، وصبية عالجتها من اصابة في صدرها... لقاءات وجدانية عمت اجواءها المحبة والتقدير والصداقة المتبادلة بين بولين وأهلها في المخيمات. سياق العرض التصويري والأدبي في غاية الطبيعية والبساطة، انه حكاية ناس غير عاديين وأعمال غير اعتيادية في ظروف استثنائية.