اتخذت التطورات الأفغانية منحى جديداً، بعد تجدد المعارك في غارديز شرق أفغانستان ونجاح قوات "طالبان" و"القاعدة" في الصمود امام القوات الأميركية وحلفائها الأفغان. واعترفت المصادر الأميركية بسقوط قتيل واحد في صفوفها واثنين آخرين من القوات الأفغانية المتحالفة معها، فيما تحدثت المصادر الأفغانية الموالية للقوات الأميركية عن إصابة أكثر من عشرة جنود أميركيين بجروح. وتزامن هذا الحدث مع عودة زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني قلب الدين حكمتيار إلى أفغانستان، وهو ما قد اعطى دفعة قوية للمقاتلين العرب والأفغان، كون رئيس الوزراء السابق شخصية معروفة ولديه حزب لا يزال قوياً وسط غالبية البشتون الذين يرون أنفسهم من دون رأس، في ظل استئثار الأقليات بمقاليد السلطة في كابول .كما تزامن مع توزيع آلاف المنشورات في مناطق البشتون داعية إلى الجهاد ضد القوات الأميركية وواصفة حكومة حميد كارزي بأنها "حكومة عميلة وغير شرعية". وتشعر الأوساط الأفغانية الرسمية على ما يبدو بالقلق من محاولة "طالبان" و"القاعدة" اعادة تجميع قواتهما، فاضافة إلى المعارك في غارديز، أعلن رئيس الخدمات الداخلية في وكالة انباء بختار الأفغانية الرسمية صديق الله توحيدي، أن ما بين 300 و 400 مقاتل من "القاعدة" و"طالبان"، هاجموا أمس مواقع تابعة للحكومة الأفغانية في منطقة شرخ في ولاية لوغر جنوبكابول وأوقعوا عدداً من الإصابات ولا تزال المعارك دائرة هناك. ويعد هذا أول هجوم من جانب "طالبان" و"القاعدة" على مواقع الحكومة الأفغانية منذ انهيار نظام الحركة، الأمر الذي يؤرخ لمرحلة جديدة رأى فيها بعض المحللين أن "طالبان استفاقت من الصدمة التي اصيبت بها"، ولو كان من المبكر تحديد الهدف من هذا الهجوم. ولعل ما يزيد من إحباط الشارع البشتوني الذي يمثل غالبية الشعب الأفغاني هو تجاهل أي دور له في الحكومة الحالية، وعلى رغم انتظاره للحكومة المنتخبة المقبلة، فان أي دلائل لم تظهر على إمكان نقل السلطة في الموعد المقرر لذلك في حزيران يونيو المقبل، بل ثمة محاولات لعرقلة نقل السلطة تمثلت أول من أمس في هجوم مجهولين على سبعة من وجهاء الأفغان الذين كانوا يزورون ولاية كونار في الشرق الأفغاني من أجل التحضير لعقد مجلس لويا جركا وهو مجلس وطني موسع مناط به انتخاب رئيس جديد للبلاد. لكن التحركات التي تقوم بها الحكومة الحالية يبدو أنها بعيدة كل البعد عن مسألة نقل السلطة، فمثل هذه التحركات ترى الغالبية البشتونية أنها خارجة عن نطاق صلاحيات حكومة انتقالية وعلى رأسها مسألة تشكيل الجيش الأفغاني التي ينبغي أن تكون من مهمات الحكومة المنتخبة. وبينما بدأت القوات الأميركية بتدريب طلائع وحدات هذا الجيش والتي ضمت 600 مقاتل رشحت تسريبات أن نواة الجيش الأفغاني المقبل ستضم 38 جنرالاً بينهم 37 من الطاجيك وواحد فقط من الأوزبك، في حين لن يضم الجيش أي جنرال من البشتون. واضافة الى ذلك، فإن على رأس الجيش الآن جنرالين من الطاجيك أحدهما وزير الدفاع محمد قاسم فهيم ورئيس هيئة الأركان الجنرال آصف ديلاور وهو آخر قائد للجيش في الحكومات الشيوعية. ويسعى أقطاب الطاجيك الفاعلون إلى السباق مع الزمن من أجل إكمال مهمة تشكيل الجيش الأفغاني والتي بدأت بالفعل، من أجل وضع الحكومة المنتخبة، في حال جاءت، تحت الأمر الواقع. وتوجه وزير الداخلية يونس قانوني إلى موسكو والتقى هناك كبار الجنرالات الشيوعيين الأفغان من الطاجيك ممن فروا إلى روسيا بعد انهيار النظام الشيوعي الأفغاني، ودعاهم إلى العودة ونقل عنه قوله لهم: "انتهت الحروب الإيديولوجية في أفغانستان وعليكم العودة إلى بلادكم". ولم ينس قانوني أن يشن حرباً على حكمتيار ناعتاً إياه بأنه أسوأ شخصية في تاريخ الجهاد الأفغاني ولا بد من محاكمته كمجرم حرب". على هذه الخلفية تنبغي الاشارة إلى وجود اختلاف في الأجندات بين القوات الأميركية التي تسعى إلى القضاء على ما تصفه ب"الإرهاب"، وبين أجندة الحكومة الأفغانية التي يغلب عليها الطاجيك والساعية إلى تثبيت أقدام الأقليات مستخدمة ورقة "القاعدة" و"طالبان" لأغراضها السياسية، الأمر الذي يغيب عن أذهان الأميركيين وهم لا يفرقون في حربهم بين "طالبان" و"القاعدة" والبشتون. ومع غياب الهدف والحافز الآن للقتال في أفغانستان ضد قوات "طالبان" و"القاعدة" سيغدو من الصعب جداً على القوات الأميركية أن تواصل عملياتها البرية، ويبدو أن مناطق غارديز وخوست ليستا مثل تورا بورا، فالمال قد لا يلعب دوراً كبيراً في كسب القادة المحليين ضد "القاعدة" و"طالبان"، خصوصاً أن من يقود القتال في غارديز غالبيتهم من ال"طالبان" الأفغان بخلاف ما كان يحصل في تورا بورا حيث كانت "القاعدة" هي التي تقاتل وينظر إليها على أنها قوات أجنبية تفتقد إلى الغطاء الأفغاني المحلي. واضافة الى ذلك، فان قوة الدفع التي كانت خلال وفي أعقاب انهيار "طالبان" ليست موجودة الآن بعد أشهر من سقوط الحركة.