حذر مراقبون ومحللون سياسيون أفغان وباكستانيون في لقاءات متفرقة أمس مع "الحياة" من مغبة وضع العربة قبل الحصان في ما توصف ب"الحرب على الإرهاب" في أفغانستان والذي جسدته الإدارة الأميركية بالقضاء على بضع مئات من عناصر "طالبان" و"القاعدة". وأشار هؤلاء الى انتعاش الأرضية الخصبة لتفشي الإرهاب من جديد في ظل مفاعيله القديمة التي طالما حذرت منها القوى الغربية. وعلى رأس هذه المفاعيل تحكم أمراء الحرب في مناطق يفصل بينها ما يشبه جدار برلين، ناهيك عن عودة زراعة المخدرات ومافيات السرقة والنهب ما سيمهد الطريق إلى عودة الفوضى، في ظل غياب هيبة الدولة ما دامت أقلية واحدة تتحكم في البلاد، فيما يبدو رئيس الحكومة حميد كارزاي المهموم بالزيارات إلى دول أجنبية عاجزاً عن زيارة الولايات الأفغانية. ويقول الخبراء المعنيون بملف المخدرات ان زراعته عادت بقوة إلى الأراضي الأفغانية بعدما منعتها "طالبان" في حزيران يونيو من العام 2000. ولفت هؤلاء الى ان أمراء الحرب الذين يتحكمون بالطرق والحدود يسهلون تصدير المخدرات إلى دول وسط آسيا. وبعدما تراجعت زراعة المخدرات في أفغانستان إثر الحظر "الطالباني" من 3000 طن إلى 185 طناً، يتوقع الخبراء أن ترتفع الكمية السنة الجارية إلى أكثر من 5000 طن بعدما تساقطت الامطار والثلوج على شرق أفغانستان وخصوصاً جلال آباد التي لم تشهد طقساً مماثلاً منذ 30 عاماً. وجاء تخلي حكومة كارزاي عن التحقيق في مقتل وزير الطيران المدني عبد الرحمن ليثير تساؤلات جدية حول هيبة رئيسها وصدقيتها أمام الجمهور. ويأتي الدفع بقوات طاجيكية وأوزبكية إلى الجنوب البشتوني مع لصق صور القائد الطاجيكي الراحل أحمد شاه مسعود على الدبابات العسكرية المتوجهة إلى ميدان القتال ليزيد من استفزاز القوات الأميركية والأفغانية الموالية لها للغالبية البشتونية التي ستجد نفسها مرغمة على الوقوف إلى جانب "طالبان" و"القاعدة" في ظل إشارات قوية تعطيها مثل هذه الحركات على عرقية المعركة ونية قادتها تهميش دور البشتون. ولاحظ أحد المراقبين أن المنشورات التي توزعها القوات الأميركية في مناطق الجنوب البشتونية داعية إلى تسليم أفراد "القاعدة" و"طالبان" في مقابل مبالغ مالية كتبت بلغة بشتونية ركيكة توحي بأن كاتبها منتم إلى العرقية الطاجيكية، وهو مؤشر على أن القوات الأميركية ليس لديها بشتون يعملون معها أو ربما لا تثق بأحد منهم. وتوسيع الشقة في أفغانستان بين الغالبية البشتونية المهملة سياسياً وعسكرياً في الاستراتيجية الأميركية والعرقية الطاجيكية التي تتربع حالياً على عرش كابول بدعم أميركي، سيزيد من تلاحم البشتون وتعاطفهم مع "طالبان" و"القاعدة"، وظهر ذلك في حجم التجاوب مع دعوات الجهاد التي أطلقها قائد قوات "طالبان" سيف الرحمن منصور في الشرق الأفغاني المحاذي لباكستان، وهو ما أكدته المصادر الأميركية ذاتها، اذ عبر مئات من "الطالبان" الباكستانيين إلى الاراضي الأفغانية للمشاركة في القتال إلى جانب قوات "طالبان" و"القاعدة"، خصوصاً أن وجود أكثر من ثلاثة آلاف أسير باكستاني في قبضة التحالف الشمالي تحفز الباكستانيين على القتال ما دامت لا توجد أي مؤشرات على إمكان اطلاقهم. ويرى مراقبون ومحللون متابعون للشأن الأفغاني في تعيين القائد الطاجيكي جل حيدر قائداً أعلى للقوات الأفغانية المهاجمة في غارديز "قراراً أميركياً انتحارياً" كونه من القادة الموالين لأحمد شاه مسعود. وينظر إلى القرار بشتونياً على أنه سيدفع الطاجيك إلى الانتقام من "طالبان" البشتون، وهو ما سيعطي المعركة لوناً عرقياً خطيراً لا علاقة له بالحسابات الأميركية في القضاء على ما يوصف بالإرهاب. ويشار هنا إلى أن هذه المرة الأولى في تاريخ أفغانستان المعاصر وربما القديم تتحرك قوات طاجيكية بهذا الحجم إلى مناطق البشتون خصوصاً مناطق الشرق الأفغاني في باكتيا التي لديها خصوصية معينة حتى وسط الغالبية البشتونية، التي كانت غالباً ما تقاتل في مناطق الطاجيك وهو ما يجعل مهمة الأميركيين صعبة للغاية وسط تعقيدات عرقية وقبلية لم يعرفوها من قبل، ويمنح "طالبان" و"القاعدة" غطاء قوياً في القتال ودعماً من القبائل البشتونية التي ترى في هذا القتال تعدياًَ على مناطقها وهيبتها أمام أقليات ترى أنها انتزعت منها كل شيء في حكم كابول. ويضاعف من "سماكة" هذا الغطاء الهجوم العنيف الذي شنه الملك الأفغاني السابق ظاهر شاه على الحملة الأميركية، في وقت ينظر إليه على أنه موال وداعم للحملة الأميركية. وكلما طالت المعركة في الشرق الأفغاني ستعطي انطباعاً على هزيمة القوات الأميركية وحلفائها الأفغان، وبالتالي ستشجع متطوعين باكستانيين وأفغاناً وربما غيرهم على الانضمام إلى قوات "طالبان" و"القاعدة". وبعدما كانت المصادر الأميركية وحليفتها الأفغانية تتحدث قبل أيام عن أن عدد مقاتلي "طالبان" و"القاعدة" في هذه المنطقة لا يتعدى 100- 150 عنصراً ارتفع إلى أكثر من ألف وصار البعض يقدره ب2300 عنصر تجاوباً مع دعوات الجهاد والقتال ضد القوات الأميركية. ولذا حدد بعض وسائل الإعلام الأميركية مهلة 72 ساعة للقضاء على المقاتلين، وإلاّ فالوضع سيكون سيئاً بالنسبة للمهاجمين الذين يعانون من طقس شديد القساوة وسط عاصفة رملية خطيرة وضباب كثيف وهو ما يحول دون تحليق المروحيات على مستوى منخفض، أو هبوطها في مناطق العمليات إضافة إلى صعوبة نقل التعزيزات إلى المواقع الأمامية التي لا تزال قوات المهاجمين بعيدة عنها أكثر من أربعة كيلومترات.