آخر ما كان يخطر في بال المعارضة الأردنية البارزة توجان فيصل أن يصدر المدعي العام لمحكمة أمن الدولة قرارا بتوقيفها في سجن النساء في الجويدة، بتهمة نشر أخبار من شأنها المس بهيبة الدولة. فهي مذ دخلت المعترك السياسي خاضت مواجهات أخطر بكثير من الرسالة التي وجهتها للملك عبدالله الثاني تتهم فيها رئيس الوزراء علي أبو الراغب برفع سعر التأمين الالزامي للسيارات لتحقيق مكاسب ذاتية، سيما وأنه مساهم كبير في إحدى شركات التأمين على حد زعمها. وهو ما تنفيه الحكومة. صحيح أن لغة الرسالة نارية، إذ تصف الرئيس بأنه حوّل البلد إلى اقطاع له، وتتوعد ضمناً بأن الشعب سيودي به وسيمارس العاهل الأردني دور "شيخ العشيرة" للاصلاح في حال لم تبقَ دولة المؤسسات والقانون. لكن لغة الرسالة النارية تبدو أقل حرارة من رسائل وأحاديث ومحاضرات وخطابات تناولت فيها مسؤولين كبارا. ولا يزال الأردنيون يتذكرون كيف خاطبت فيصل الأمير زيد بن شاكر، ابن عم العاهل الأردني، في جلسة الثقة في مجلس النواب عام 1995. هاجمته سياسياً وشخصياً في سابقة غير معهودة في التخاطب مع العائلة المالكة. لكنها لم تتعرض للتوقيف آنذاك مع أنها مسّت هيبة أحد رموز الدولة. لم تكن توجمان فيصل بعيدة عن القصر. وظل الملك الراحل حسين يرى فيها وجهاً ليبرالياً للأردن سيما في الخارج، وهي أول أردنية تتمكن من الفوز بمقعد نيابي انتزعته من منافسين إسلاميين وقوميين ويساريين وعشائريين. القصر دعمها في مطلع حياتها المهنية، ومع أنها لا تنقصها الكفاءة من حيث الثقافة والحضور التلفزيوني، إلا أنها تعترف بأن رئيس الديوان الملكي عدنان أبو عودة كان داعماً لها أمام الهجمات التي كانت تتعرض لها من القوى المحافظة في التلفزيون الأردني الذي برزت فيه مُقدمة برامج تنموية. وكانت أول امرأة تحتل موقع مديرة الإعلام التنموي. أيضاً القصر وقف معها في أول مواجهة مع الإسلاميين الذين تحولوا لاحقاً إلى حلفاء لها، وكان ذلك عام 1989 مع انطلاق المسار الديموقراطي. لكن تلك الوقفة حملت في ثناياها ازدواجية النظام التي تجمع بطيختي الحداثة والمحافظة بيد واحدة. عندما ترشحت أثارت حفيظة القوى الإسلامية المحافظة التي كانت في أوج قوتها، وفيما رأى تيار الاخوان المسلمين انه قادر على شطبها عبر صناديق الاقتراع، بادر تيار آخر هو جهاز الافتاء في القوات المسلحة الأردنية الى مقاضاتها بتهمة الردة، اذ رفع مساعد مفتي القوات المسلحة آنذاك وهو الآن مفتي القوات المسلحة دعوى عليها لدى القضاء الشرعي واتهمها بالردة بسبب أحاديث لها عن تعدد الزوجات. وبادر الملك حسين الى استقبالها مع وفد من النشطاء الذين وقفوا معها، خصوصاً أن المستشار الأقرب اليه في تلك المرحلة كان عدنان أبو عودة الذي سبق أن دعمها أيام كانت معدة برامج في التلفزيون. واعتبر الملك أن ما جرى معها اعتيادي في الديموقراطية مثل ثاني اكسيد الكربون في الهواء. لكن ذلك لم يمنع الملك الراحل بعد أيام من استقبال جهاز الافتاء في القوات المسلحة وخصومها الذين قاضوها! صحيح انها لم تتمكن من الفوز في انتخابات 1989 وتمكن مرشح الاخوان المسلمين من اطاحتها بفارق آلاف الأصوات، لكنها شكلت لنفسها حضوراً مميزاً. فهي الوحيدة التي تحدت التيار الاسلامي الذي انحنى الجميع أمام عاصفته. ومع أن تلك الانتخابات أجمع المراقبون على نزاهتها إلا أنها اعتبرت ان الدولة زوّرتها لصالح الاسلاميين. واستفادت فيصل من مناخ الانفراج الديموقراطي وحققت حضورا في الصحافة من خلال مقالتها الجريئة في الصحف الاسبوعية، وهو ما مكّنها لاحقاً من الفوز بعضوية المجلس النيابي في انتخابات 1993. ومع انها ترشحت بحكم قانون الانتخابات الأردني عن مقعد الأقليات الشركسي إلا أنها لم تطرح نفسها شركسية، ولم تفز بأصوات الشركس في الدائرة الثالثة التي يمكن اعتبارها دائرة مسيّسة كونها تضم أبناء الطبقة الوسطى في عمان الغربية. وانتخب توجان فيصل، التي فازت بأصوات قليلة على منافسها الاسلامي، الليبراليون أو المتخوفون من التيار الاسلامي المحافظ في دائرة منفتحة، سيما وأنها استفادت من قانون الصوت الواحد الذي شتت أصوات التيار الاسلامي فلم تتمكن من إنجاح منافسي توجان عن المقعد الشركسي. وفاز عن الدائرة الثالثة في انتخابات 1993 الشيخ ابراهيم زيد الكيلاني بالمرتبة الأولى وتلاه رئيسا الوزراء لاحقاً طاهر المصري وعلي أبو الراغب ثم توجان فيصل بالمقعد الشركسي، وثلاثتهم انضموا الى كتلة التجمع الديموقراطي في مجلس النواب التي كانت تحمل برنامجاً أقرب الى الليبرالية وكان من أعضائها رئيس الوزراء السابق عبدالكريم الكباريتي. وفي تقلبات السياسة الأردنية ليس مستغرباً أن تسجن توجان فيصل في عهد حكومة رفيقها في كتلة التجمع الديموقراطي! في أول جلسات مجلس النواب اصطدمت فيصل بالاسلاميين الذين كانوا يتربصون بها كما تتربص بهم. احتجت على استخدامهم كلمة الشورى اضافة الى الديموقراطية في ردهم على خطاب العرش. الأكثرية في مجلس النواب خالفتها والملك حسين في رده على النواب خالفها ايضاً مستخدماً تعبير الشورى والديموقراطية معاً. وتلاشى خلافها مع الاسلاميين سريعاً، وباتوا حلفاء لها في قضايا الديموقراطية وحقوق الانسان، وقبل ذلك في المواقف السياسية، سيما المعارضة لمعاهدة السلام التي أقرها مجلس النواب في 1994. وكذلك في المواقف المؤيدة للعراق بعدما بدأ الملك حسين بأخذ مسافة عن النظام العراقي بعد استقبال المنشق العراقي حسين كامل عام 1995. ولذلك فهي تحتفظ في صالونها بصورة موقعة من الرئيس العراقي وليس فيه صورة للملك حسين! وقد اختلفت مع الإسلاميين عندما قاطعوا انتخابات 1997 وخاضت حملة انتخابية قاسية، ومع أنها ضاعفت أصواتها مقارنة بعام 1993، إلا أنها فشلت في الانتخابات واتهمت الحكومة بالتزوير لصالح منافسها! بعد اقصائها عن مجلس النواب ازدادت معارضتها راديكالية، خصوصاً أنها حرمت من الكتابة في الصحف الأردنية، ولم تجد متنفساً لها إلا في مواقع الشبكة الالكترونية والفضائيات. لكنها دخلت السجن بسبب رسالة على موقع الكتروني "عرب تايمز" وحديث على فضائية "الجزيرة"! وبذلك تكون أول سياسية أردنية تدخل السجن، بعدما كانت أول أردنية تدخل مجلس النواب. مع أن المجتمع الأردني ظل يتحفظ عن دخول المرأة إلى الموقعين، وهي في المرتين تحدّته!