لا يزال وصول المرأة الأردنية إلى مواقع السلطة وصنع القرار، لا سيما السلطة التشريعية، ضعيفاً على رغم الجهود التي تبذلها منظمات نسائية ومنظمات المجتمع المدني في هذا المجال. فقد حصلت الأردنيات على 12 في المئة من مقاعد مجلس النواب ال17 الذي انتخب نهاية العام الماضي، ثلاثة مقاعد بالتنافس و15 مقعداً بالكوتا، أي بواقع 18 مقعداً من أصل 150، وهي النسبة الأعلى في تاريخ المشاركة السياسية النسائية في الأردن.في حين كانت نسبة تمثيل المرأة في مجلس النواب السابق 10 في المئة، وبعدما تحسّنت من 5,5 و6 في المئة تباعاً. وتلعب عوامل دوراً في منع المرأة من تحقيق تمثيلها الحقيقي في المجالس التشريعية خصوصاً، في مقدمها قانون الانتخاب الذي يستند إلى مبدأ الصوت الواحد، ما أعاد العملية الانتخابية إلى إطارها العشائري العائلي، إذ من المعروف أن هذه البنى الاجتماعية التقليدية تفضّل دعم مرشّح رجل عوضاً عن مؤازرة المرأة من دون النظر إلى الأهلية والكفاءة. فيما برهنت التجربة أن المرشحات أقل قدرة على تمويل الحملات الانتخابية ما يشكّل عائقاً حقيقياً في دوائر تواجه سطوة الإمكانات. وفضلاً عن ذلك، هناك الموروث الاجتماعي بعدم قناعة المجتمع بدور المرأة وأهمية وصولها إلى المواقع القيادية، لا سيما السلطة التشريعية. إذ لا تزال النظرة العامة لدورها سلبية. وقد استغل هذا التيار الرجعي هذا الموروث للتأثير في الرأي العام. لكن ثمة انعطافاً لافتاً للنظر سجلته المرأة في الانتخابات البلدية التي أجريت في أيلول (سبتمر) الماضي، وتمثّل بفوز 64 سيدة خارج الكوتا بالتنافس الحرّ على منافسين تقليديين، وهن بمعظمهن يعشن في مدن وبلدات تعتبر معاقل حصينة للرجال المتشددين وبيئة منغلقة عمادها الثقافة الأبوية الموروثة. وتمنحنا القراءة الأولية لنتائج هذة العملية الانتخابية، مؤشراً معيارياً لقياس التطور النوعي للحضور النسائي الذي شهدته الساحة الأردنية خلال العقد الأول من هذا القرن. فقد استطاعت المرأة أن تناضل بصمت وضراوة لاقتطاع حصتها التي لا تزال منقوصة، للمشاركة الفاعلة في الحياة العامة. كما أظهرت هذة الانتخابات قدرات ذاتية مميزة للنساء على رغم الصعوبات التي واجهنها في مجتمع ذكوري. ففي بلديات «باب عمّان» في محافظة جرش (40 كلم شمال العاصمة عمّان)، و «صبحا والدفيانة ودير الكهف» في محافظة المفرق (70 كلم شمال شرق)، وكذلك «عي» في محافظة الكرك (150 كلم جنوب)، فازت امرأتان بالتنافس في كل مجلس بلدي، وبعد إضافة الكوتا تصبح المجالس المذكورة مناصفة بينهن وبين الرجال. ويلمس مراقبون تأييداً واسعاً وقبولاً حماسياً لمشاركة المرأة وتسلُّمها دفة القيادة في المؤسسات الخدمية، بعد أن عُرِف عنها الالتزام ونظافة اليد والبعد عن الفساد المستشري في إدارات محلية. ويعتقد كثر أن الإدارات الرسمية والأهلية التي تسيطر عليها النساء، ستشهد تحسناً كبيراً في مجال الخدمات وترشيد الإنفاق بعيداً من المحسوبية والشللية والمحاباة. وفي منطقة الشوبك في محافظة معان (200 كلم جنوب) التي تُصنَّف من ضمن المناطق الأشدّ تمسكاً بالتقاليد المحافظة، فازت سيدة بفضل كفاءتها ومؤهلها العلمي وسيرتها العملية والاجتماعية، ونالت ثقة الناخبين لتمثيلهم في أكثر المواقع حاجة لدى الناس، ما يشي بنضج شعبي ووعي اجتماعي متناغم مع العصر والدولة الحديثة. وفي الستينات من القرن الماضي، عندما فتحت أول مدرسة للإناث في لواء الشوبك أبوابها، لم يتجاوز عدد الأسر التي أرسلتها بناتها إليها أصابع اليدين. في المقابل، فإن وصول امرأة مؤهلة علمياً إلى عضوية مجلس بلدي بالانتخاب في هكذا منطقة ريفية يشكّل نقلة نوعية أقرب ما تكون إلى المعجزة. لقد بدأ نضال المرأة الأردنية في أوائل الخمسينات للمطالبة بحقها في الانتخاب والترشّح للمجالس البلدية والنيابية، وقادت هذا النضال رابطة اليقظة النسائية التي تأسست عام 1952. وحلّت بعدها نظراً إلى نشاطها. وكان لاتحاد المرأة العربية في الأردن الذي تأسس عام 1954 دوراً مهماً في توعية المرأة سياسياً. وقد رفع مذكرات عدة إلى مجلس الوزراء والأعيان والنواب مطالباً فيها بمنح المرأة حقوقها السياسية. وعندما صدر قرار مجلس الوزراء في 2/10/1955، بالموافقة على مشروع الانتخاب الذي أعطى للمرأة المتعلمة حق الانتخاب وليس حق الترشّح، نظم الاتحاد حملة واسعة لمنح المرأة حق الترشّح ومساواة المرأة الأمية بالرجل الأمي. وكان شعار الاحتفال بيوم المرأة العالمي عام 1956 «حقوق متساوية في الترشّح والانتخاب للمجالس البلدية والنيابية وإلغاء المعاهدة البريطانية». لقد أدركت المرأة في وقت مبكر أن حريتها وتقدّمها ووصولها إلى مواقع المسؤولية يرتبط ارتباطاً عضوياً بحرية مجتمعها وتقدّمه. وشهد عام 1974عشية الإعداد للعام الدولي للمرأة عام 1975 الذي أعلنته الأممالمتحدة، تحرّكاً نسائياً واسعاً وتشكلت اللجنة النسائية الأردنية التي نظمت حملة رفع المذكرات إلى الجهات المعنية مطالبة بمنح المرأة حقوقها السياسية. وقد تحقق ذلك إذ منحت المرأة بموجب قانون معدّل لقانون انتخاب مجلس النواب رقم (8) حق الترشّح والانتخاب للمجالس النيابية للمرة الأولى. كما منحت حق الانتخاب والترشّح للمجالس البلدية عام 1982. وخلال الفترة التي تعطلت فيها الحياة النيابية (1978 - 1984)، عيّنت 3 سيدات للدورة الأولى للمجلس الوطني الاستشاري المشكل من 75 عضواً، و4 سيدات في الدورتين الثانية والثالثة. في عام 1984 أجريت انتخابات فرعية لملء المقاعد الثمانية الشاغرة في مجلس النواب والذي أعيد إحياؤه، ولم تتقدم أي مرشحة. غير أن عام 1989 كان نقطة تحول في إقدام المرأة على خوض معركة الانتخابات النيابية، فالانفتاح والتعددية السياسيان ساعدا على تشجيع المرأة لتعزيز دورها في هذا المجال، وتسليط الضوء على قضاياها والمشاركة في الحياة العامة. فترشحت 12 سيدة من أصل 648 مرشحاً. وعلى رغم أن النسبة كانت متدنية إذ بلغت 1.85 في المئة، إلا أنها كانت خطوة مهمة من أجل اختراق احتكار الرجال المجالس النيابية. وعلى رغم عدم نجاح أي مرشحة غير أن بعضهن حقق مواقع متقدّمة، فمجموع ما حصل عليه من أصوات بلغ 20530 صوتاً أي نسبة 1.01 في المئة من المجموع العام. أما انتخابات عام 1993 فشهدت انحساراً في عدد المرشحات، فلم تترشح إلا ثلاث نساء فقط، وحصلن على ما نسبته 4.3 في المئة من مجموع الأصوات. ونجحت توجان فيصل في الوصول إلى مقعد الشركس في الدائرة الثالثة، وحصلت على 1885 صوتاً (4 في المئة)، علماً أن الانتخابات أجريت على أساس قانون الصوت الواحد. ونظمت الهيئات النسائية ممثلة باللجنة التنسيقية الأردنية للمنظمات غير الحكومية حملة واسعة في انتخابات عام 1997، بهدف إيصال عدد من النساء الكفوءات إلى السلطة التشريعية، لكي يشكلن قوة مؤثرة داخل البرلمان قادرة على حماية مكتسبات المرأة، وتحديث التشريعات لمواكبة التطور المطلوب. فترشحت 17 امرأة (3.24 في المئة من إجمالي المرشحين) ولم تنجح أي منهن، وحصلن على 13086 صوتاً (1.06 في المئة من إجمالي الأصوات نصفها لتوجان فيصل وإملي نفاع). وقاطعت هذه الانتخابات أحزاب سياسية ونقابات مهنية ومنظمات نسائية احتجاجاً على عدم تعديل قانون الانتخاب الذي يستند إلى مبدأ الصوت الواحد. وبالنسبة لمجلس الأعيان الذي يتشكل من 40 عضواً معيّناً ويشكل مع مجلس النواب المنتخب مجلس الأمة، فقد ضمّ سيدة واحدة عام 1989، وسيدتين عام 1993، وثلاث سيدات عام 1997.