قامت قيامة لم تقعد بعد على مقال لا سامي في جريدة سعودية، وفي حين ان التهم التي رددها المقال صناعة أوروبية قديمة، فاسدة وكاذبة، فإن اسخف ما في المقال هو ان كاتبته لا تحتاج الى أكثر من متابعة جرائم حكومة آرييل شارون اليومية ضد الفلسطينيين، ثم تسجيلها لإدانة اسرائيل، ومن دون حاجة الى شمل جميع اليهود، في كل زمان ومكان، بالتهمة. حكومة شارون دمغت أذرع الأسرى الفلسطينيين بأرقام متسلسلة، تماماً كما كان يفعل النازيون باليهود في المحرقة، وأكتفي هنا بسطرين من رسالة بعث بها عضو الكنيست محمد بركة، رئيس كتلة الجبهة، الى شيفخ فايس، رئيس مؤسسة ذكرى ضحايا النازية، فهو قال: "اسائل نفسي أحياناً كثيرة كيف تحولت الضحية في حقبة تاريخية قصيرة للغاية الى قاتل، والشعب الذي عانى الاضطهاد والملاحقة والتعسف ربما أكثر من غيره يتسبب لغيره بما كان نصيبه هو". على كل حال، اللاسامية آخر همومي، وهناك أخبار اسرائيلية أخرى تتجاوز زيارة تشيني واقامة زيني. فنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني غادر المنطقة، والمبعوث الأميركي انتوني زيني يراوح في مكانه، وأخبارهما تطغى أحياناً على أخبار أخرى تستحق نظرة سريعة. بين هذه الأخبار زعم محطة التلفزيون الالمانية أ.ر.د ان مسلحين فلسطينيين قتلوا الطفل محمد الدرة وليس الجنود الاسرائيليين، من قال هذا؟ قالته استر شابيرا، أي امرأة يهودية في محطة تلفزيون المانية. اعتقد ان الاسرائيليين والالمان يستحقون أحدهم الآخر. ولكن احذر من الرد على مثل هذه الحقارة بكلام لا سامي، فأفضل ما كتب عن استشهاد محمد الدرة لم أكتبه أنا أو أي صحافي عربي آخر، وانما كتبته سوزان غولدنبرغ في جريدة الغارديان، مع رسوم بيانية تظهر كيف ان الرصاص ما كان يمكن ان ينطلق الا من حاجز للجنود الاسرائيليين. سوزان غولدنبرغ يهودية مثل استر شابيرا، وهي ليست منصفة فقط في ما تكتب، بل ربما أمكن القول انها تتعاطف مع الفلسطينيين في محنتهم، وقد اتهمها اليمين الصهيوني في بريطانيا واسرائيل بأنها "يهودية تكره نفسها". الا انني أورد مثلها اليوم لتحذير العربي أو المسلم من أخذ جميع اليهود بجرائم شارون وحكومته. ربما أرهص البرنامج عن محمد الدرة لاعادة كتابة التاريخ الحديث والقديم، فقد نشاهد غداً برنامجاً المانياً يزعم ان ضحايا المحرقة انتحروا، وربما تبعه برنامج يفسر بالانتحار أيضاً نهاية حياة السيد المسيح. ابقى مع الأخبار الأخرى: - أظهرت احصاءات اسرائيلية ان 74 في المئة من حوادث الاعتداء والشغب التي تعاملت معها الشرطة الاسرائيلية خلال سنة 2001 قام بها المستوطنون في الخليل، فهم كانوا مسؤولين عن 398 حادثاً من أصل 537 حادثاً السنة الماضية. وإذا كان المستوطنون هؤلاء لا يطيقون الشرطة الاسرائيلية، وهي لا تتحمل تجاوزاتهم، فإنه يمكن ان نتصور مدى بلاء سكان الخليل بهم. أقول عندما يكون هناك مستوطنون مجرمون من نوع الموجود في كريات عربة لا يحتاج أحد الى التوكؤ على أي لا سامية قديمة أو حديثة. - لن يكون هناك سلام مع وجود شارون في الحكم، ولو صدرت كل يوم مبادرة سلام جديدة في الشرق والغرب. وتقول جماعة "السلام الآن" انه منذ مجيء آرييل شارون الى الحكم بنيت 34 مستوطنة جديدة، أو موقع استيطاني في الضفة الغربية. وهذه 34 عقبة أخرى يضعها مجرم الحرب الذي اختاره الاسرائيليون رئيساً لوزرائهم على طريق السلام. - تقارير استخبارات الجيش الاسرائيلي نفسه، كما نشرتها الصحف الاسرائيلية هذا الأسبوع تؤكد ما هو واضح كعين الشمس، وهو ان العمليات العسكرية الاسرائيلية الأخيرة منعت السلطة الوطنية من مكافحة "الارهاب" وأضرت بإسرائيل. وهي مجموعة أخرى من الفشل المخلوط بالجريمة تضاف الى سجل شارون. أقول ان كل من يؤيد شارون، أو يدافع عن اسرائيل مع وجود حكومة عنصرية متطرفة فيها، يصبح شريكاً لشارون شاء أو أبى. فرانك غافني، وهو يهودي أميركي آخر من الاعتذاريين لإسرائيل كتب في "واشنطن تايمز" هذا الأسبوع مصراً على تشبيه اسرائيل اليوم بتشيكوسلوفاكيا عشية الحرب العالمية الثانية، هل هناك أوقح من هذا؟ ليصدق هذا المثل يجب ان تكون تشيكوسلوفاكيا احتلت اجزاء من المانيا وقمعت الألمان فيها. غير انني لم أفاجأ بوقاحة هذا الكاتب، فقبله شكا كبير حاخامات بريطانيا الدكتور جوناثان ساكس من اللاسامية، ووافقته الرأي، حتى وجدته يختار مثلاً هو نيوزيلندا على سبيل المقارنة. اسرائيل ونيوزيلندا؟ عندما يفكر الإنسان في اسرائيل يفكر في جندي محتل وراءه عصابة قتل، وعندما يفكر في نيوزيلندا يفكر في... خروف.