ماذا سيحدث إذا قدمت جائزة مالية كبرى في مقابل رأس آرييل شارون؟ لو فعلت لبعث السفير الاسرائيلي في لندن فوراً رسالة احتجاج الى لجنة الشكاوى الصحافية، ولأصدر مجلس النواب اليهود بياناً يدينني شخصياً، ويدين كل العرب معي، ولربما طلب من الشرطة التحقيق معي. لا اقدم جائزة لأنني أرفض ان اغور الى درك قاتل مثل شارون، فأنا أترك له اغتيال المدنيين، وقتل الأولاد والنساء، بل ان ألف شارون لن يجعلوني اقول غيظاً، كما فعل بعض العرب، ان هتلر معه حق، فهو ارتكب جريمة فظيعة بحق ستة ملايين يهودي، وقتل شارون أو الجنود الاسرائيليين ولداً أو امرأة لا يخفف من وطأة الجرائم النازية. في مقابل رفضي ان ادعو الى قتل شارون كما يستحق، فإنني أجد ان قتل ياسر عرفات قضية مطروحة في اسرائيل، وهو ما لا استغرب. فالذين انتخبوا آرييل شارون لا بد من ان يكونوا مثله دموية، واستعداداً للقتل. وزير الخارجية شمعون بيريز يعارض اغتيال السيد عرفات، وهو قال في مقابلة مع "نيويورك تايمز" قبل يومين ان حديث اليمين الاسرائيلي عن اغتيال عرفات خطأ، وتحدث عن مكانة عرفات الدولية. ما يعنيني من كلام بيريز انه يؤكد وجود حديث في اسرائيل عن اغتيال عرفات، لأن اصحابه من الوقاحة ان يصرحوا به يوماً وينكروه في اليوم التالي. اليمين الإسرائيلي فاض بما في كأسه الأسبوع الماضي، فقد نشرت جريدة "معاريف" خبراً نسبته الى "مصادر موثوقة" جاء فيه ان أبو عمار أمر رجاله بقتل مستوطن كل يوم، وألاَّ يصدقوا تصريحاته العلنية التي تخالف ذلك. في اليوم التالي، طالب عضو الكنيست مايكل كلاينر، وهو من حزب حيروت، ان "تنفذ سياسة الاغتيال أولاً وقبل كل شيء على عرفات الذي يمكن وصفه بأنه أم كل القنابل المجهزة للانفجار". وعلق بكلام مشابه مجلس المستوطنين والحزب الوطني الديني ووزير السياحة رحبعام زئيفي، وهو عنصري كريه يحاول ان يكون أسوأ من شارون، إذا كان هذا ممكناً. وقبل ذلك كان موشي آرنز، وهو ليكودي منحط آخر، يكتب في "هاآرتز" فيتحدث عن "الانفجار الكبير" الذي يقول العلماء انه في بدء الكون قبل 15 ترليون سنة، ويقول انه ينتظر انفجاراً مثله يعيد احتلال الأراضي الفلسطينية من جنين الى الخليل، ومن غزة الى رفح، ويدمر قوة عرفات، ويطلق قوى جديدة بين الفلسطينيين. ووجدت ان الفكرة نفسها طرحت في اجتماع بين شارون والسناتور تشارلز شومر، وهو ديموقراطي من نيويورك، فقد زعم شارون ان اسرائيل اختصرت قائمة "الارهابيين" المطلوبين، وأعطت السيد عرفات قائمة بأسماء خمسة فقط تعتبرهم "قنابل موقوتة"، الا ان أبو عمار لم يفعل شيئاً. وسأل شومر شارون: هل هناك من يخلف ياسر عرفات؟ ورد شارون: عندما نصل الى سن معينة فكلنا يمكن ان نُغَيَّر. عندما يكون السناتور من نيويورك فهو عادة اكثر اسرائيلية من عضو في الكنيست، وأبو عمار اصغر بسنتين من شارون، فإذا كانت المسألة هي عمر هذا أو ذاك، فعلى شارون ان يرحل قبل عرفات، الا ان الموضوع هو الحديث صراحة عن قتل الرئيس الفلسطيني، مع انه لو دعا احد الى قتل شارون، وهذا مجرم يستحق القتل فعلاً في نظر غالبية الناس والسجن في نظري لأنني ضد عقوبة الاعدام، لقامت القيامة عليه ولم تقعد، لأنه لا يمكن التفكير في قتل رئيس حكومة أو دولة، فهذا ضد كل شرعة وتشريع... الا اذا كان المرشح للقتل فلسطينياً أو عربياً أو مسلماً. غالبية اسرائيلية اختارت مجرم حرب لقيادتها، ولم يقل العالم الخارجي الشيء الواضح، وهو ان كل الذين اختاروا شارون مثله. ولكن عندما قال ذلك الدكتور بشار الأسد، اتهم الرئيس السوري فوراً باللاسامية، مع انه قال كلاماً صحيحاً منطقياً بسيطاً. واختارت الغالبية الاسرائيلية شارون ليحقق لها الأمن، الا انه بعد خمسة أشهر في الحكم لم يحقق شيئاً، وهو اذا غزا الأراضي الفلسطينية كما يخطط مع بقية عصابة المجرمين، فإنه سيقضي على الأمن الاسرائيلي نهائياً، وسيكون هناك حادث كل يوم. بيريز اصاب وهو يقول ان النزاع ليس بين شخصيتين: عرفات وشارون، بل بين شعبين: الشعب الفلسطيني والشعب اليهودي. النزاع هو على الأراضي الفلسطينية المحتلة، والحل ان تنسحب اسرائيل منها، ولا حل آخر. اسرائيل من الوقاحة ان تطالب بمكافأة عن الاحتلال، وهي تريد ان تحتفظ بأجزاء منها، والقدس والحرم الشريف، ثم تريد وقف التحريض. أبو عمار لا يحتاج الى ان يحرض أحداً. فالسياسة الاسرائيلية خلقت أعداء لإسرائيل حتى يوم القيامة، ولو ذهب أبو عمار وألف مثله، لبقي النزاع ما بقي الاحتلال ولبقي الاسرائيليون يطلبون الأمن ولا يحصلون عليه، والخيار ليس ان يقتل أبو عمار أو لا يقتل، بل ان يتعايش الفلسطينيون والاسرائيليون جنباً الى جنب، لأن قتل أحد الشعبين الآخر غير ممكن، مع ان هناك في الحكومة الاسرائيلية نفسها من يفكر بحلول لا تبعد كثيراً من فكرة "الحل النهائي".