الذين يسمّون بديل صدام حسين المحتمل "كارزاي العراق"، يحرّضون أميركا على صدام فيما يعلنون تعاطفهم معه. لماذا؟ لأن ما هو ضمني في التسمية أن صدام طالبان العراق. وطالبان العراق يجب أن يذهب. والحال أن المسألة أعقد من رمي شعارات سهلة تنمّ عن عقليات صعبة. وأول الصعوبة ذاك الاستعداد للتسامح مع الذي يصل الى الحكم بانقلاب عسكري، كما فعل صدام، او بمذبحة، كما فعلت طالبان، مقابل عدم الاستعداد لأي تسامح مع الذي يصل بالتعاون مع أميركا. وهذا كي لا نذكّر بأن الرئيس العراقي يصدر، هو نفسه، عن تقليد التعاون مع أميركا ضد الشيوعية، الذي بلغ ذروته في انقلاب 1963 البعثي، واستؤنف في التعاون ضد ايران والأصولية الشيعية ابان حرب الثمانينات. ثم ان حميد كارزاي و"كارزاي العراق" كانا ليستحقّا التشهير لو أن النظامين الطالباني والصدامي أتاحا المجال للمعارضة السياسية. ومع هذا فضّل الكارزايان التعاون مع الولاياتالمتحدة لاسقاط النظام. أو: لو أن المجتمعين الأفغاني والعراقي - على مابينهما من فوارق - يشجعان على نمو زعامة وطنية جامعة تعبر الطوائف والاثنيات والمناطق. لكن الكارزايين يرفضان الوصول الى السلطة عبر هذه القاعدة الوطنية الجاهزة، ويختاران دخول البيوت المفتوحة الأبواب من شبابيكها. هذه ليست الحال اطلاقاً. فلا سيهانوك لدينا ولا كرامنليس لأن تينك الكمبوديا واليونان غير واردتين، علماً ان الزعيمين المذكورين تعاونا هما ايضاً. وهكذا لا يفعل توجيه الشتائم لكارزاي أفغانستان و"كارزاي العراق" غير تجديد الانتساب الى نادي الديماغوجية الشتّامة والتخوينية المعروفة جيداً في تقليدنا السياسي. لكنه يفعل شيئاً آخر أخطر: من جهة، يحوّل الأنظار عن مسؤولية نظام طالبان ونظام صدام كأنهما عَرَض وتفصيل قياساً ب"المؤامرة" التي تعرضا ويتعرضان لها. وذروة هذا المنطق أن ثمة من لا يزال يجادل في مدى صواب التهم الغربية لطالبان والقاعدة، لأن المؤامرة مُعدّة سلفاً ب11 أيلول أو من دونه! ومن جهة أخرى، يمتنع عن مواجهة المشكلة التي هي أم مشاكلنا: عجز مجتمعاتنا عن توليد سياسات وطنية عابرة للفئات والجماعات. وهو عجز يسري على أفغانستان وعلى العراق وعلى بلدان كثيرة أخرى في "العالم الثالث". أما مساهمة الأنظمة القمعية، كالطالباني والصدامي، فدفع هذا العجز الى سويّة الاستحالة. بالطبع لا يقال هذا الكلام تبريراً لضربة أميركية للعراق، بل يقال لتفادي ضربة أخرى يوجهها للعراق من يكرهون أميركا أكثر ممن يحبونه. فحين تنكبّ العقول المهمومة بقضايانا على مشكلات نسيجنا الاجتماعي وأثر الاستبداد عليه. وحين تُقلع عن لذّتها الفميّة في إطلاق النعوت والشتائم، يمكن تصليب أوضاعنا وقطع الطريق على "الخطط الأميركية" أو أية خطط أخرى.